عبدالله أبو شرخ - ضد الصهيونية..

واجب المثقف أن يكون حارساً للمباديء والقيم، لا كلباً لحراسة السلطة !
نصر حامد أبو زيد

المثقف من حمل الحقيقة في وجه القوة.
نعوم تشومسكي

لاحظت في المقالات الأخيرة هجوم الصهيوني يعقوب أبراهامي وبعض الصهاينة من دون أن يجرؤ أي منهم على مناقشة جوهر العنصرية الصهيونية. هناك فرق بين اليهود والصهاينة، علماً بأن معظم اليهود في العالم لا يؤيدون إقامة دولة للدين اليهودي، فاعتناق اليهودية شاع بين شعوب كثيرة، خاصة في شرق أوروبا وروسيا، وبهذا فاليهود ينتمون إلى قوميات كثيرة مختلفة وغير متجانسة.

لكن رغم التنوع القومي فإن دولة إسرائيل " الديمقراطية " لا تستوعب اليهود الأثيوبيين ( الفلاشا ) إلا في مدارس خاصة بهم، ولا يقبلونهم في مدارس الدولة، كذلك يعاني اليهود الشرقيين من بطالة تصل إلى 13 % مقابل 5 % لدى الأشكناز، وترتفع هذه النسبة لتصل 24 % في الوسط العربي ( الجوييم ) !

الصهيونية حركة سياسية عنصرية نشطت بين اليهود لإقناعهم بالرحيل والقدوم إلى إسرائيل دولة " الشعب اليهودي " أي أن الصهيونية قد جعلت من الدين بديلاً للانتماء القومي ! ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر في أواسط وشرق أوروبا، بينما يعتقد آخرون أن نشوء الصهيونية يعود إلى القرن السابع عشر في إنجلترا بعدما فشلت المسيحية في حل عقدة اضطهاد اليهود باعتبارهم قتلة المسيح.

لست في معرض تناول المسألة اليهودية فهذا أمر فوق طاقتي، فأنا لم أعيش في شرق أوروبا في القرن التاسع عشر ولم أكن في إنجلترا في القرن السابع عشر، لكن هذا لا يمنع أن أكون قد قرأت الكثير عن المسألة اليهودية، خاصة مقالة دوستوفيسكي حول المسألة اليهودية والتي وعدت بنشرها لاحقاً، كما قرأت رأي لينين، وعموماً لا أعتقد أن الفلسطينيين لديهم أي كراهية لليهود، وبالعكس في سنوات السبعينات والثمانينات كان الإسرائيليون يأتوا يوم السبت إلى غزة للتسوق ولإصلاح سياراتهم في الورش الغزية الماهرة والرخيصة التكلفة مقارنة بتل أبيب والمجدل، بل إن بعض الغزيين كان يدعو زميله اليهودي في العمل لحضور حفلة زفاف في غزة. لم يكن المتطرفون قد امتلكوا أسلحة لاغتيال المصلين في الحرم الإبراهيمي أو لتفجير باص مدنيين إسرائيليين في نتانيا، ولم تكن الأفكار اليمينية الصهيونية قد أنجبت قتلة مثل عامير وباروخ جولدشتاين !
لنتخيل مدى قوة حل الدولتين " العنصري "، فقرار التقسيم 181 يؤسس لدولتين، والمفاوضات الجارية حالياً يطالب فيها الفلسطينيون بدولتين، ومبادرة السلام العربية 2002 تتحدث عن دولتين، والاتحاد الأوروبي وروسيا يتحدثون عن دولتين، وبالطبع فإن اليسار الصهيوني هو الآخر أصبح يتحدث عن دولتين، ولكن أي دولتين ؟؟ أقصد ما هي الدولة الفلسطينية التي يروج لها اليسار الصهيوني ؟؟! إنها الدولة التي يعرضها نتنياهو على أقل من 13 % من مساحة فلسطين، مع تهويد القدس والأغوار، وبقاء المستوطنات التي نهبت أكثر من 50 % من مساحة الضفة، وبقاء الجدار الذي قضم هو الآخر 12 % من الأرض وأخيرا وليس بآخر .. مع الاعتراف بيهودية الدولة وشطب حق العودة لأنه حسب أبو مازن " هراء " !! حل الدولتين أصبح مسخاً ولا أعلم كيف يجد هذا الحل مؤيدين بهذا الحجم .. طبعاً شركة الاتصالات تريد دولتين وشركة جوال تريد دولتين وشركة الكهرباء تريد دولتين .. البرجوازية والكمبرادور والسماسرة الذين أفقروا الناس هم المستفيد الحقيقي من دويلة فلسطينية ممسوخة كالتي يطرحها اليسار الصهيوني.

اليهود عاشوا زمن الدولة العباسية في بغداد والدولة الأموية في الأندلس. لم يكن معرفواً لليهود وقتها بأن فلسطين هي أرض الميعاد أو أنهم شعب الله " المختار ". عاشوا بأمن وسلام وكان منهم الأطباء والعلماء والمهندسون والمترجمون والقضاة بل وحتى فقهاء في الدين والشريعة، موسى بن ميمون كان طبيب البلاط لدى صلاح الدين الأيوبي.

ما المانع إذن في أن تكون دولة فلسطين لجميع مواطنيها ؟ لماذا يعيش الفلسطينيون في معازل وأبارتهايد ؟؟! لماذا تبلغ نسبة البطالة في الوسط الأشكنازي 5 % فقط بينما لدى اليهود الشرقيين 13 % وفي الوسط العربي 24 % ؟؟؟ وكذلك ثمة معاملة عنصرية لليهود الفلاشا، خاصة عدم استيعابهم في مدارس الدولة أسوة " بأخوتهم " !

هذه التركيبة العنصرية لن يقبل بها العالم، وإن عاشت إسرائيل في ظلال الحرب الباردة 50 عاماً كدولة عنصرية جيدة العلاقات مع نظام بريتوريا العنصري وحليف قوي للغرب، فإن عنصرية جنوب أفريقيا قد سقطت بلا عودة، وقبلها سقطت العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة، والعنصرية الصهيونية سوف تسقط، برغم ذكائها وقوتها الإعلامية، فما عاد العالم يحتمل عنصريات من أي نوع !

لكن في المرحلة الحالية يجب دعوة دول العالم لمقاطعة إسرائيل وعدم استيراد منتجاتها الصناعية والزراعية والتقنية .. إسرائيل دولة عنصرية حتى بالأرقام الصادرة عن مراكز الإحصاء الإسرائيلية !

أعلى