طلحة محمد - ملاك.. قصة قصيرة

إن الحلم في ليالي الكثيرين لا ينفكّ أن يكون علما في فجر القليلين، الحالمين بجديّة يعرفون أن الحياة لا تلقي لهم بالا، لا تحزن لحزن أحدهم إنما قد تكون وبالا لهم بكل ما فيها على حدّ الوسطية بين اتّزان معناها ، لايفوز بمعاركها إلا من يعتقد أنه يستطيع ،ما أعجب الأشياء التي نفكّر فيها في تلك المساحة بين الحياة والموت .
هكذا كان تصوّر ملاك لحياتها المقتصرة على الأحلام واليقضة في آن واحد ، تعتقد أن الأيام متشابهة وأن الزّمن يعيد نفسه ، كأنها تجلس على حيّز الكآبة وكأن الحياة حبّة صغيرة تتناولها كي لا تفقد من عمرها يوما تختزل الحياة الى مأساة خالصة تحمل روحها على راحتها وتلقي بها تارة أخرى .
فعلى وقع رنّة فريدة من نوعها برسائل من الكثير من أصدقائها في عالمها الافتراضي الذين لا يكفّون عن ملاحقتها روتينيّا ويحاولون جذب انتباهها بتقنيّة ستوري مع ايموجي القلوب الذي تميل له أغلب النساء ، حيث مفاتيح القلوب على أبواب متفرقّة لا تريد الا واحدا ليعثر عليها ، يفتح في كل مرّة صندوقها القديم يتحول في كل لحظة إلى ماضي لن يعود .
إلا أنها لا تعيرهم اهتماما وفي قلبها الكثير من الأحاسيس المدفونة ، لا تتعب نفسها في شرح وجهة نظرها المعهودة التي سئمت من تكرارها مرارا.
هي تدسّ الكثير من الحبّ للعالم و الحقد لا يجدي معها نفعا إنما لها كل اليقين ان تبقي أثرها على كل قلب، هي متقلّبة المزاج كما البحر يبدو ما بين الفصول ، تجمع تفاصيل حياتها في الخيال فقط تبدي رغبتها في تجرع كأس العمر مرة واحدة .
ما انفكّت ان أكملت فطور صباحها على طاولة تعتلي حافة سريرها يرسو فوقها بقايا زبدة وحبيبات عصير وهاتفها من نوع غالاكسي بعنوان أناقة، ترى وجهها على شاشته تغطّيه خصلات شعرها تارة وتارة تلعب دور البهلوان في السّينما الصّامتة ، تدير شفتيها على شكل الايموجي المصدوم .
تعي تماما انها تكرّس نفسها لهدف حياة لا طائل من ورائها هي كصخرة مهملة في حقل بدلا من أن تكون جزءاً من صرح ، وفي أقل من ثانية تتوالى رسائل المعجبين كلٌّ حسب استشعاره وتصنيفه لها ، تتجاهلها كلّها بعد أن تترك نغمات على اوتار قلبها أوّلها من شاب من الجنوب يرسل صباحا مع وردة يستجدي فيها حبّها للورود وعشقها للالوان ،
تليها رسالة صوتية من اخر من الوسط ليس لها معنى إنما تحمل جدّية لا تفهمها هي في أغلب أوقاتها لا تعير هذا الأسلوب اهتماما ،تتجاهل أيضا الكثير من صديقاتها، وتمضي في عجرفتها المعهودة
تلعب باصابعها على الشاشة تصعد وتنزل بعينيها لا يثيرها الا رسالة خاصة جدا بعبارة افتقدتك باللغة الأجنبية التي تدرسها، لم تلبث قليلا حتى حصلت عليها من ابن الشمال تقرؤها وتبتسم ، تعبّر عن كبريائها بعلامة رأيت وتمضي في جنونها ، ترمي هاتفها ثم تعود بذاكرتها قد يعود ولا يعود تراه مقبلا نحوها ولا تراه تشير لها يداه من شاطيء الموت عبر رسالة من الانستغرام
تكبح رغبتها ثم ترد .
لم يكن هذا اليوم ككل أيامها ففي غالبها تستعير اشكال الاناقة من الممثلات العالميات وعارضات الأزياء ، تقلد كل الأنواع وتبدو في حفلاتها الصّاخبة على الستوري المقسم لأربعة اجزاء أو أكثر تجمع ثقافات عالمية على سطحه، وعلى ركح ازديف العالي اعتلت الخشبة على شكل مادونا ،ويونجيم كيم ،اشواريا راي ، أنجيلينا وحتى بي كيدودي ، كلها لاستقطاب الاعجابات العشوائية أو المثيرة على اختلاف قصدها .
ظلّت غارقة في عالمها على شواطيء الرّيفيرا بموسيقى هادئة تنذرها بحرب مشؤومة على قلبها حتى تلقت رسالة برنّة مختلفة تتضمن ملف وورد تجاهلتها كعادتها وعبرت بقلب لها كعربون صداقة وإعجاب ومضت .

إحالات:
الريفيرا : كلمة ايطالية بمعنى ساحل ( تطلق على السواحل السياحية العالمية)
ازديف: الاسم القديم لمدينة سطيف بالشرق الجزائري
  • Like
التفاعلات: نبيلة غنيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى