محمّد وليد قرين - الاستفاقة

استيقظوا باكرا اليوم.
اليوم قالوا: “يزّي!”، “كفى!”
أمام باب مدرسة ابتدائية عمومية يقف حوالي مائة رجل. وجههم جدي. أغلبيتهم تجاوزوا الثلاثين أو الأربعين سنة. لماذا هم هناك؟ لقد جاؤوا للاحتجاج بشدّة على الظروف السيئة التي يتمدرس فيها أبنائهم.
إنّها الساعة التاسعة صباحا في بلدية تابعة لدائرة صغيرة شمال شرق ولاية بسكرة.
تملك هذه البلدية مدرسة ابتدائية واحدة فقط.
نحن في بداية شهر فيفري. ريح باردة قارسة تكنس المنطقة.
الجوّ بارد جدّا في قاعات الدراسة. لا وجود لمدفآت على العموم، وحتى إن وجدت في بعضها فهي لا تعمل. التلاميذ يجمدون في القاعات. هناك منهم من تبوّل في سرواله، خاصة تلاميذ أقسام السنة أولى والسنة الثانية. التلاميذ لا ينزعون معاطفهم. لا يملكون قفازات. البعض منهم لا يملك قلنسوة تقيه من البرد. أسنانهم تصطك. تجدهم يفركون أيديهم أو يتكتّفون محاولين التدفؤ أو الحصول على القليل من الدفء. القاعات ثلاجات حقيقية. السيناريو يتكرر منذ سنوات كلما حلّ البرد. الأغلبية الساحقة من التلاميذ أبناء فلّاحين يعملون في حقول النخيل وفي حقول المشمش بالمنطقة.
هذا السيناريو يتكرر منذ أعوام كلّما جاء فصل الشتاء.
لكن صبر أولياء التلاميذ نفذ اليوم. لقد جاؤوا من مختلف أحياء البلدية. لقد قالوا “يزّي!”، التي تعني “كفى!” بالشاوية وباللهجة العربية في منطقة الأوراس. يزّي انتظارا! يزّي وعودا كاذبة! قرّروا اليوم، بصفة استثنائية، ترك عملهم والقدوم إلى المدرسة للاحتجاج بهدف تحسين ظروف التمدرس. لقد صدموا عندما سمعوا بالخبر. ما زاد سخطهم هو أنّ المدير وعدهم قبل سنتين بتهيئة قاعات المدرسة بالمدفئات ولكنه لم يف بوعده، مع العلم أن مكتبه مهيأ منذ ثلاثة سنوات بمدفأة تعمل جيّدا. إنّ منظفة المدرسة ومعلّمين من معارفهم هم من أخبروهم بذلك. كيف يمكن للمدير أن يعمل في الدفء بينما يواجه الطاقم التربوي صعوبات في أداء مهمّته على أحسن حال ويجد التلاميذ صعوبات في تتبع الدروس والحفاظ على تركيزهم، ناهيك عن غياب النقل المدرسي الذي يجبر جزءا من التلاميذ على قطع 4 أو 5 كيلومترات سيرا على أقدامهم الصغيرة؟!
أمر اليوم الآباء المحتجون أبناءهم بعدم الالتحاق بمقاعد الدراسة. أغلبهم يدرسون في السنة الأولى وفي السنة الثانية ابتدائي. يقف الكثير من المعلّمين إلى جانب أولياء التلاميذ تضامنا معهم ومع مطالبهم. سوف يطلبون توضيحات من المدير على الامتياز الذي خوّله لنفسه. باب المدرسة مغلق. الحارس مختبئ وراء الباب لا يريد فتحه. قال لهم، عبر فتحة الباب، إنّ المدير ليس في مكتبه. تتعالى وسط أولياء التلاميذ والمعلّمين المحتجين زمجرات وعبارات استنكار. لن يغادروا المكان حتى يستقبل المدير بعثة منهم. لن يسكتوا. هناك بعض المعلّمين داخل المدرسة رفضوا التضامن مع هذه الوقفة الاحتجاجية، خوفا من رد فعل المدير أو من باب الأنانية واللامبالاة.
هناك سيارتا شرطة تراقبان التجمع من بعيد (على بعد 20 مترا).
كان بين الجمع الغاضب معلّم شاب أبى أن يدرّس اليوم. هو كذلك ساخط على لامسؤولية المدير وسوء ظروف التدريس والتمدرس. من المفروض أن تكون قاعات كل مدرسة عمومية، في مختلف ولايات الوطن، مهيأة بمدفآت ومكيفات هوائية. إنّ المعلّم الشاب يدري جيّدا أن تلامذة المدارس الخاصة بـدْزايَرْ وبعاصمة الولاية يقرؤون في الدفئ، شأنهم شأن المدارس الابتدائية الخاصة في الولايات المجاورة كباتنة وفي باقي ولايات الوطن بصفة عامة.
توجد الآن في مختلف ولايات الوطن مدارس ابتدائية خاصة، متوسّطات خاصة وثانويات خاصة، وقد توجد في المستقبل القريب جامعات خاصة كذلك… يعارض المعلّم الشاب خوصصة التعليم أصلا، لأنها تجعل من المعارف ومن الشهادة المدرسية “سلعة” تباع وتشترى . هو يلعن النخبويّة! يمقتها! يكفر بها! هو يؤمن بحقّ تلميذ المدرسة العمومية في تعليم جيّد، في ظروف تمدرس جيّدة. لا يجب أن تكون مجانية التعليم مرادفة للرداءة. هذه هي قناعة المعلّم الشاب الذي يدري عن أمه وأبيه وأعمامه وأخواله أنّ مجانية التعليم من مكاسب حرب التحرير الوطنية والاستقلال، مكاسب يجب أن تُحفظْ. هو تعلّم صغيرا، عن جدوده ، أنّ الاستعمار الفرنسي كان قد جعل التعليم نخبويا، في متناول أبناء المستعمرين وفئة قليلة جدّا من الجزائريين الصّغار وأقصى منه أغلبية الأطفال الجزائريين وأغرقهم في ظلام الأمية الدامس.
يتساءل المعلم الشاب: أو يجب على أولياء التلاميذ أن يدفعوا مبالغ كبيرة من المال مقابل تمدرس أبنائهم في ظروف حسنة؟!!! أو يجب أن يكون الطفل ابن أغنياء لتلقي تكوين حسن؟!!!
وبينما كان هذا السؤال يدور في رأس المعلم وزملائه ممن وقفوا إلى جانب أولياء التلاميذ الغاضبين، كانا ابن وبنت المدير يدرسان في قسم دافئ بمدرسة ابتدائية خاصة، بعاصمة الولاية…

* فيفري-أفريل 2016

* منقول عن المجلة الثقافية الجزائرية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى