كرة القدم محمد العباس - اللاعب الجزار

هل ما علمونا إياه من أن العقل السليم في الجسم السليم مجرد وهم!؟ ربما، فالوقائع الرياضية في ملاعب كرة القدم التي توصف باللعبة الأكثر شعبية، تعكس واقعاً يناقض مقولة جوفينال الشهيرة «العقل السليم في الجسم السليم». التي يصفها بارغاس يوسا بالعبارة المنافقة الخسيسة.

إن اللاعب، الذي يفترض أن يتجاوز بالرياضة شرطه الحيواني -بتعبيره- لملامسة ما هو مقدس وروحاني، ليس سوى عضو ضمن مجموعة من الأوباش المخربين، الذين يحيلون الرياضة إلى شكل من أشكال البلاهة، التي تقرّب الكائن البشري إلى الكبش. وهذا تصور معتم لم يستنتجه من عندياته، بل من حقائق مدمرة تصل أحياناً إلى درجة الحروب.

هؤلاء الذين يتعمدون الخشونة ضد بعضهم البعض، الذين يعتدون على حكام المباريات، ويتلاسنون مع الجمهور. الذين يتشاتمون على الملأ بدون أي رادع أخلاقي. الذين يسمحون لوسائل الإعلام بأن تجعل من حماقاتهم مادة لتسلية القراء، لا يمكن أن نتصور تحليهم بعقل سليم

على عكس ما كان يحدث في اثينا العاصمة الكونية للفلسفة، عند اتحاديي أفلاطون الذين يدهنون أجسادهم بأنواع الراتنج ليؤدوا عروضهم الجسدية والحسّية والفلسفية، يتم التقاط الرياضيين اليوم ودفعهم إلى الملاعب والمسابقات قبل أن يكملوا تعليمهم الأكاديمي أو حتى تأهيلهم الاجتماعي. وكأنهم مجرد فصيل من المصارعين، الذين يتقاتلون في حلبة رهانات يديرها الكبار، حسب امبرتو ايكو. فهم مجرد أحفاد لغلادياتور، المصارع الأجير في العصور القديمة، الذي يقتل خصمه ليمتع المتفرج.

هناك آليات تسويق جهنمية، لتسويق سلعة اسمها كرة القدم. وهذا هو ما يفسر روح التعصب التي تسيطر على معظم لاعبيها. وما يصدر عنهم من حركات انفعالية واستعراضية لا تمت للأخلاق بصلة. وكذلك كثرة الإكسسوارات والأوشام التي تضعهم في محل الفُرجة وتقلل من إمكانية التعامل معهم ككائنات تتحرك وفق ممليات عقل سليم.

هؤلاء الذين يتعمدون الخشونة ضد بعضهم البعض، الذين يعتدون على حكام المباريات، ويتلاسنون مع الجمهور. الذين يتشاتمون على الملأ بدون أي رادع أخلاقي. الذين يسمحون لوسائل الإعلام بأن تجعل من حماقاتهم مادة لتسلية القراء، لا يمكن أن نتصور تحليهم بعقل سليم.

إن الجهد المبذول من قبل لاعبي كرة القدم لتنمية عضلاتهم وإكسابها المرونة والصلابة في آن لا يتساوى مطلقاً مع ما يبذلونه من جهد لتغذية عقولهم. كما أن التمارين اليومية لرفع مستوى لياقتهم وقدرة احتمالهم الجسدية، لا يقابلها أي تدريب روحي أو معنوي لترويض نفوسهم. الأمر الذي يولّد آلات بشرية تتقاتل من أجل الفوز، ويقلل من فرص ظهور جيل رياضي يتمتع بثنائية للجسم والعقل السليم. الذي يمكن أن يكون أنموذجاً يُقتدى به.

هذا هو ما يفسر احتفاظ ذاكرة الملاعب في السعودية بجزارين تم تصنيفهم كلاعبين. فهؤلاء الذين جمعوا بين الشراسة والبذاءة تحولوا إلى نجوم في أوساط الجماهير الرياضية، لأنهم كانوا يؤدون مهمتهم في الملعب بكفاءة، كما تتمثل في إعطاب هداف الفريق الآخر أو إصابته بإعاقة تخرجه من الملعب إلى هامش الحياة.

ولا شك أن الجماهير المتعصبة التي تغلي نفوسها بالعاطفة ويخفت عندها منسوب العقل تؤيد تلك الاعتداءات وتفرح بوجود لاعب لا يرى في الملاعب سوى سيقان الخصم. بدون أن يعرف أبجديات اللعب النظيف. وهذا أمر مفهوم ومرفوض. إلا أن الذي لا يمكن استيعابه هو احتفاء إدارة النادي بذلك الجزار. وأحياناً التنافس مع نادٍ آخر على شرائه وضمه إلى الفريق. والأدهى أن يستضاف هذا الذي لا يملك أي تاريخ مشرف في الملاعب، بقدر ما يحمل سجلاً حافلاً بالضحايا.

لماذا يحرص ناد على ضم لاعب يزدحم تاريخه بالكروت الصفراء والحمراء!؟ ولماذا يمنح النادي للاعب سيئ الأخلاق شرف ارتداء قميصه والتوشُّح بشعاره!؟ ولماذا تنتظر الأندية لجان الانضباط لتبت في أمر لاعب من لاعبيها جلب العار للنادي وجماهيره!؟ ولماذا لا تبادر بطرده عوضاً عن الدفاع عنه أمام الإعلام!؟ ولماذا يتعصب الجمهور للاعب عدواني النزعة إزاء منافسيه!؟.

كل هذه الأسئلة وغيرها ليست لها إلا إجابة واحدة تكمن في اختلال الذهنية التي تتحكم في واقع الرياضة وآفاقها المستقبلية. وأن كل ما يقال عن فكر كروي وثقافة الاحتراف ليس سوى شعارات استهلاكية. فمعسكرات التدريب كما يبدو تخرج مقاتلين بعضلات صلبة وقلوب قاسية، ولا تُنتج لاعبين بروح رياضية وعقول سليمة.


الكرة.jpg
الكرة.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى