عبدالناصر الجوهري - قُرْب ساحةِ الأُمويِّين

صادفْتها؛

فجلسْتُ أرقبُ وجْهَها أتأمَّله

ما أجْمله

أنْفاسُها ظمْأى لصُبْحٍ نازحٍ

في "ساحتي الأُمويَّةِ" الشَّوقُ اسْتدار،

إلى حنين الذِّكرياتِ ،

وأمْهله

فلربَّما تتعجَّله

مهْما اتجهْتُ وجدْتُها

فغرامها دومًا بقلبي أحْمله

فكما هى الجفْناتُ مُنْذ عرفْتُها بطفولتي

إذْ لا تزال مُدلَّلةْ

اشتقْتُ شلالاتِ "زاويها" الجموح،

ولوعةً مُتنقِّلةْ

ذكَّرْتها

بتدفَّقُ "الزَّاوي " مِنَ الصَّخر العنيدِ،

يعانقُ المُتنزِّهاتِ المُذْهلةْ

ذكَّرتها برسائلي ،

وحكايتي مِنْ جسْرنا الخشبيِّ،

حتى قفزتي في النَّهر ..

للشِّطِّ القريبِ،

بضحْكةٍ مُتسلِّلةْ

كم فرَّقتنا دانةٌ،

أو محْنةٌ،

أو مُعْضِلةْ

اليوم عَنْ أعين الغُرباءِ ،

والحُرَّاس جئْتُ أتوقها

مُتخفِّيًا

فرأيتها نحْوي - تُهرولُ – مُقْبلةْ

فمفخَّخاتُ الأرْض لم تمنعْ

هُيَامًا في الصُّدور ومرْجله

فحبيبتي

طرقاتها غرسوا بها

في كلِّ شبْرٍ قُنْبلةْ

لا يكْسبُ الحرْبَ الضَّروسَ سوى عيون الحالمين،

هُمو يتوقون الحصادَ ،

وسُنْبلةْ

فمُخيَّماتُ اللاجئين جحيمها مُتوحِّشٌ

ودَّعْتها

وأقلَّني قلبي الوَلِه

فرَّتْ مِنَ القصْفِ المدوِّى،

والدَّواعش،

بيْنما خطْوي تثاقل حين أخطأ منْزله

فمنازلي ما عاد يأْلفُها الفتى

فكثيرةٌ حول المنافي ،

والحواجزُ ،

وانتزاعُ مواجعي بالأسئلةْ

حتى أناىَ تخافُني

وأخافها

لم تُعْطني إلا حُروفًا مُهْملةْ

وبريدنا بالموتِ والموت المُؤجَّل يا تُرى

مَنْ زيَّله؟

لم تستطعْ إلا الفرارَ بـــجلْدها

فالحافلاتُ العسْكريَّةُ أغفلتْ أوْصافها،

مأساتها

والقتْلُ في بلْداتها مَنْ أشْعله ؟

فغدًا تُهاجر تحت ويلات الدُّجي

للقُنْصليَّاتِ البعيدة

بالمواجع مُثْقلةْ

حُلْمي هنالكَ عالقٌ

بحبيبة الأوطان

والشَّوقُ المُدجج يعلنُ مقْتله

فهو الرَّصاصُ يمرُّ في أعْقابها

مُطاردًا

والقنْصُ حوَّط عمرها ما أسْهله

إنِّي استفقْتُ على ثواكل فقْدها

والدَّمْعُ تلهمهُ البُحورُ المُرْسلةْ

كالنَّاى أعزفُ ،

والعصافيرُ التي حطَّتْ على " قاسيون" خلْفي بالذرُّا

لم ترتعدْ

من فوَّهاتِ البنْدُقيَّةِ ،

والدُّروبِ المُقْفلةْ

حتى النَّوافيرُ استدارتْ وجْهها

لم تسْقها

إلا المرارةَ،

والحروبَ

ولم تجدْ إلا عقاب المقصلةْ

فحبيبتي

أتعاود للدِّيار فلم تجدْ

إلا مساءً شاحبًا وسط الورود

تُقبِّله؟

من واقع التَّفْجير تُلْقي خطوها

مُترجِّلةْ

لكنَّني قابلتها

بـــ "معرَّة النُّعْمان " في وقت الحصار،

فألْهمتْ فيَّ مجاز الأخيلةْ

تبكي على وطنٍ جريحٍ،

مُتْعبٍ

والنَّزفُ في شريانهِ

ما أعْجله.

شعر: عبدالناصر الجوهري - مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى