قسطاني بن محمد - ابن رشد في مراكش.. قصة قصيرة

ما زلتُ ممدّداً في فراشي الفاسي الصوفي الوثير، سمعتُ صوت مغنٍّ في أسفل الوادي تحمله الصبا فانتشيت وفتحت عيني. هؤلاء الرعاة لا يعكّر صفو حياتهم شيء، تمتمت وحملت الفوط نحو الزليج الرخامي. مراكش تلك تدلّلنا قمحاً وصوفاً وزليجاً وأشياء كثيرة أخرى، لن أبقى حياتي كلّها في هذا الوادي سأسافر لأرى فاس وأغمات، وأسمع حلقات الدرس التي وهبتنا كتاب أعز ما يطلب، يا إلهي كيف لداعية ينتبه إلى أهمية العودة إلى التأويل وضرورة ترك القشور، لقد تلمّس هذا السياسي عمق الأشياء كلها، بالتأويل وبه وحده تحيى الأشياء.

تلمّس المنهج القويم لتشغيل العقل على الشريعة التي يصيبها مرض انغلاق النصوص كلما أصبحت درساً يُلقّن ويُحفظ، ليس هذا عندنا فحسب بل في كل مكان يضطر الفقهاء للانغلاق معيارية ولأسباب دنيوية أخرى. على القاضي أن يفتح عينيه وأن يخرج من المنبر والمقصورات نحو المزارع والأودية والمكتبات، آه كدت أنسى، اليوم سأستقبل قافلة الغرب تحمل لي ما طلبت من كتب أرسطو.

من شرفة منزلي ومن حديقتي أستطيع أن أرى نصف المدينة والوادي ومزارع الزيتون، بل ويصلني صوت الساقية الكبرى التي توزّع الصغرى على الحقول والبساتين وحدائق الدور، ومن هنا أسمع أذان عشرات المآذن. قرطبة أميرة المدائن يغدق عليها الوادي الكبير فتجود قمحاً وزيتاً وفواكه، نخزّن جله ونبيع بعضه للمدائن الأخرى ونشتري ما نحتاج إليه لباساً وسكناً ومركباً وكتباً. لم يخطئ عبد الرحمن لما خطّ المدينة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى