حوراء حوماني - التوأم.. قصة قصيرة

المكان: رحم امرأة حامل
الزمان: الشهر التاسع
الموضوع: حوار بين توأم

ـ الثاني: (مكملا حديثاً كان بدأ منذ وقت)
ألا تظن ان الحياة تستحق التجربة؟ الامر كله ليس سوى مجازفة بسيطة، وتحصل لنفسك بعدها على كيان مستقل، على اسم وشخصية وبرج، وعلى عمر فعلي فوق ارض حقيقية، وليس بمقدوري سوى ان احذرك انك ان بقيت على عنادك، فلن تحظى بمتعة ان تكون ابا ولن ترى اولادك من طولك يوما، ستخسر لذات فردية عدة، كأكل الجبن المحمص مع تفاح وزيتون اخضر في سهرة عائلية، والتمدد امام التلفاز او على شاطئ بحر رملي تحت شمس تحيل بشرتك سمراء نضرة. هذا ابسط وأروع ما قد تخسره، فصدّق ان الجمال يستحق دفع ثمن قليل مقابل تجربته.
ـ الأول: أنت هنا لديك كل الدوافع وتنقصك الحياة.. لكنك اذ سترى الضوء، تعيش فينقصك الدافع وتمضي حياتك في البحث عن حافز لتستمر ليس الا.
ـ الثاني: (يصمت متظاهراً بعدم سماع ما قيل بينما يتابع الاول باستفزاز).
ـ الأول: انت ستعيش حياة كاملة لتموت بعدها ببساطة قناعة الاحياء بنهاية طبيعية للجميع. أما انا فسأموت الآن فأوفر على نفسي عناء حياة وفي الوقت نفسه اكون قد سبقتك بأشواط.
وهنا انت يا رفيقي تعرف اسرار الوجود وما يسمى بدور البشر وتعي بالفطرة الأمور التي ستنساها ما ان ترى الضوء فيمّحي بذلك من ذاكرتك الجزء الاهم. أما الجزء المهم فهو حياتك كشريط مصور تم تسجيله امامك في هذه المدينة الفاضلة.
وستمر في حياتك المقبلة مشاهد تتوقف امامها مذهولاً وأنت تحاول التذكّر: "اين رأيت هذا سابقا؟" ستكون رأيته هنا لكنك لن تتذكر. فهل يتراجع الانسان في رقيه الى الخلف؟
ـ الثاني: رغم سعادتي برفقتك الا ان في الدينا التي نراها من هنا إثارة ذات طابع غريب يصعب عليّ مقاومتها، ورغم اننا نظرنا بالدور من سرة امنا المدورة، الا اننا رأينا الحياة بطريقتين مختلفتين.. نحن الذين يفترض ان نشبه بعضنا حدَّ عدم التفريق.
(خضّ بيتهما لثانية واحدة فعلق الاول: ها قد بدأت حزوقة امك من جديد.. وسمعا خطى والدتهما الى المطبخ وابتلاع الماء حولهما جاء كشلال).
ـ الثاني: (يتابع) اريد ان اولد فأصرخ لأزعج الآخرين وان يدللوني كلما كبرت وان اتذوق كل الاطعمة التي رأيت شكلها من هنا، وان استمع الى الموسيقى فأدوخ في باحة وأقع، وان امشي تحت المطر مع حبيبة.
اريد ان احكي الطرائف المعيبة وانقلب على ظهري كالصرصار ضاحكا. وان اجرب كل انواع الحب وطرق الجنون. وأريد اشياء كثيرة غير اضطراري ان انظر اليك طوال الوقت.. (يقول متأففاً).
ـ الأول: ستصيب أمك كآبة ما بعد الولادة فتشعرها بالندم لفترة. ويجن من حولك إن تعلمت السُباب ويقولون عنك ذكياً "وفِتح" بمجرد ان تعيد من بعدهم الكلمات البذيئة مع لغط في الأحرف. وستدرك كلما كبرت ان الاسرار تصبح اتفه حين نكتشفها. وتتمنى العودة من حيث اتيت، فهنا كل ما تفعله.. لا عقاب عليه.
ـ الثاني: وما النفع ان لم يقرّعك احد؟ ان لم يتحرك فيك شيء كلما تعرفت على نفسك والمحيط اكثر. وما اهميتك ان لم تعرف المرأة؟ آه، المرأة، انت لن تعرف ابدا معنى ان تلتصق بامرأة تحبها الى الأبد لأنك ستموت هنا ملتصقاً بي. ولن تدرك شعوراً ينهال في عروقك وأنت تكتشف العشق لأول مرة او تحس بالسكينة على ارجوحة قروية وأنت تقرأ "مئة عام من العزلة".. ستفقد اموراً عديدة، فيجدر بك مراجعة حساباتك جيدا.
ـ الأول: لا تعتقد انك ستشعر بالسلام ما دمت حيا، كونك ستحلم دوما بامتلاك الارض ونسائها لان الرجل يطوي في داخله قرارا عميقا بمعاشرة كل نساء الارض ان صح له الامر كما يقال، وأنت تحدثني هنا عن المرأة كأنك تعرف.. هه!
ستحاول يا اخي بناء جنة من صنعك ظنا منك انك قادر على كل شيء. وستعتبر نفسك نبياً لفترة وتتمرد على الجميع متغاضياً عن حقيقة ان الله هو محور كل شيء. فأنت تظن نفسك محور الكون وستكره من يخالفك الرأي (وتتغير نبرته فجأة) ستمر حياتك كومضة كاميرا وتفضيها في النسيان.. لذا فكر انت قبل فوات الأوان.
ـ الثاني: لا عليك، فنحن الرجال نكبر ببطء، نتأخر قبل ان نشعر اننا تقدمنا في العمر، وأنت تتحدث عن النساء، اولئك اللواتي عندما يكبرن قليلاً، يصير لأعمارهن سرعة الضوء ويخلّف هذا فيهن شعورا مبكرا بالوحدة والعجز الذي لا مبرر له.
ـ الأول: واذ دنت الساعة وصار لا بد من قرار مجد فقد اتخذته، لن اجعل لقوة الضوء سلطة علي بتاتا ولن اقبل ان انسى ـ لذا سأختار المضي رجوعا ولن اسلم روحي لعمر ينهشها على مهل وأنا امضيه ساهيا. وان حدث وندمت يوما على حياتك فحاول ان تتذكرني، ولتعذرني لأنني لن اتذكرك كوني لن اندم على قرار لم أتخذه.
ـ الثاني: انت اشبه بتيس متشائم. لن تعرف النشوة او الحزن يوما. وان ندمت انا ففي الحياة جزء يداوي الندم بالمتعة. والنهار هو التعويض الذاتي لنفسه.
يتشاجران فيلبط احدهما الآخر بصعوبة وتشعر لحظتها الأم بآلام الولادة. وينطق الثاني بآخر جملة قبل ان ينسى ابجدية يمضي سنوات بعدها في تعلمها).
يقول: ان الحياة يا جبان لا تقتل الا خائفيها، وحتى لو بقيت وحيداً يوماً فسأظل حياً.
وينزل ادراجه حتى يتراءى له الضوء فتنطلق صرخته، لذا على الارجح لم تصل الى ذهنه جملة توأمه وهو يلتقط انفاسه الثمينة والنهائية: "وأية حياة هذه يا مدعي؟ ان العدم افضل منها!"..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى