شاكر نوري - عبد الكبير الخطيبي جسّر الهوة بين الشرق والغرب

توفي الكاتب والمفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي عن عمر يناهز 71 عاما، في 16 مارس الماضي. وهو أحد الوجوه البارزة في المشهد الثقافي في المغرب وأحد أهم رموز الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية. وكان الخطيبي روائيا وشاعرا وعالم اجتماع، وترجمت أعماله - المؤلفة أساسا باللغة الفرنسية والتي تتجاوز 25 مؤلفا- إلى معظم لغات العالم.

المغربي الراحل عبد الكبير الخطيبي يشرف على «مدينة العرفان» الجامعية التابعة للمركز الجامعي للبحث العلمي، حيث يشرف على الأبحاث، فهو بالإضافة كونه أستاذا جامعياً فهو عالم موسوعي، ضليع بالثقافة العربية: التصوف، الشعر، الخط، الصحراء، الحكاية، الفلسفة، علم الاجتماع وعلم النفس.وليست مصادفة أن يظهر مفكر من هذا الطراز في المغرب المتعدّد الثقافات حيث يلتقي الشرق بالغرب، وأفريقيا بأوروبا، والثقافة البربرية والعربية- الإسلامية، والخطيبي يكتب باللغتين الفرنسية والعربية، متعدّد الاهتمامات: شاعر، روائي، فيلسوف، عالم اجتماع، أنثولوجي، باحث جمالي، وما يميّز هذا الكاتب- المفكر أنه يهتم باللغات الأخرى، ويجيد خمس لغات، وكان يسافر إلى باريس، نيويورك، اليابان، ستوكهولم، للتعريف بالثقافة العربية والإسلامية وانجازاتها. وكثيراً ما يعرّف نفسه بأنه «الأجنبي المحترف».

والخطيبي كاتب ومفكر متعدّد، يعمل بعزلة، ويحلّل مختلف الثقافات التي تمر بالمغرب، ويقرّب بين التقاليد والحداثة، الهوية والاختلاف، ومن أهم ما أنجزه أنه أعطى لمسألة الكتابة المزدوجة باللغتين مفهوماً جديداً على الصعيد الجمالي والعملي، مثل كتاب ياسين، وقد كان المغرب ينتظر الدخول النظري «للكتابة المزدوجة»، وقد دشنها الخطيبي بمفهومها الجديد رواية «الذاكرة الموشومة».في سن الحادية عشرة ألف قصائده الأولى بالعربية حين كان تلميذاً داخلياً في إعدادية سيدي محمد في مراكش بين سنة 01950و 1957 وهو مولود في مدينة الجديدة يوم 11 فبراير عام 1938، وبعدها بدأ ينشر بالفرنسية قصائده في جريدة Maroc Press، ثم التحق بالسوربون حيث درس علم الاجتماع من سنة1958 حتى سنة 1964، وحصل على شهادة الدكتوراه .والأهم من ذلك كله، إن إنتاج الخطيبي الفكري والأدبي أصبح مكان حوار بين مناطق متعدّدة في العالم، وبين الولايات المتحدة واليابان وفرنسا، يستقصي الخطيبي دائرة المعرفة ويدخل فيها كمغربي وعربي لإثارة ما يربطنا بهذه الحضارة أو تلك.

ركز الخطيبي على الأدب كأدب الرواية والشعر والمسرح، ثانياً في ميدان العلوم الاجتماعية والإنسانية الأبحاث والثقافة الشعبية، والحوار بين الحضارات كيف تصوّر الأدب الفرنسي والغربي شخصية العربي، وكانت هذه الأبحاث بمثابة فرصة لدراسة الخيال الفرنسي كذلك ألف كتاباً عن اليابان بعنوان «الظل الياباني» الذي يندرج في هذا المضمار وقد أتاح له كل ذلك الدخول في حوار مع الثقافات والحضارات الأخرى.وهناك صلات بين الحضارات أساسية مثل الموسيقى، والأدب، والطبخ، وفن اللبس، وهناك جانب ثالث من إنتاجه الشخصي يتركّز على الأبحاث والمؤلفات عن الفن: الرسم، الخط العربي، والفنون التشكيلية الأخرى «قبل كل شيء إن لليابان حضارة خاصة بها، لكن ينبغي ألا ننسى أن اليابان ظلت تتعلّم من الصين طيلة عشرة قرون، فاقتبست منها التكنولوجيا والهندسة والمعمار والفنون الحربية والخط، وأخذت منهم حتى الإله بوذا أصله صيني، أي أنها الترجمة اليابانية للحضارة الصينية».

وناقش كيف يرى اليابانيون علاقتهم بالزمن، واختلاف علاقة العرب بالزمن لأن علاقة الياباني بالزمن علاقة تقنية، وفيها الجانب المقدس. فالعلاقة المستقبلية بالزمن يحدّدها الماضي، إذ أن الصيرورة بالنسبة للياباني هي ضبط علاقته بالزمن.

طرح الخطيبي السؤال التالي: من نحن؟

«نعتبر أنفسنا نعرف ذواتنا، وفي الحقيقة أننا نجهل الكثير من ذواتنا وعلاقاتنا مع العالم الآخر إذن في رأيي ينبغي الابتعاد عن الخوض في العموميات، ولابد لنا أن ندخل في مرحلة اختراع المستقبل عن طريق الإمكانيات المتاحة في كل بلد».

لم يكن لديه مشروع ثقافي مسبق في الربط بين هذه الميادين، إلا أنه بدأ بالكتابة، ومن ثم أصبح عنده ممارسة عادية، بعد أن درس في جامعة السوربون وعاد إلى المغرب في الستينات، وبدأت مساهماته في الميدان الاجتماعي والسياسي والنقابي والأكاديمي، وقام مع مجموعة من الأصدقاء بتأسيس النقابة الوطنية للتعليم العالي .

وتشكيل بعض الجمعيات اليسارية في الثقافة، كأستاذ ومسؤول عن معهد علم الاجتماع، وكأستاذ بدأ يدّرس جوانب المجتمع الغربي، والطبقات الاجتماعية والتغيير الاجتماعي إلخ، ثم جاءت مرحلة أخرى وبدأ يهتم بالفن كذلك الخط العربي والرسم، وفي رأيه أن ثمة انسجاماً على طريق الكتابة، بين الشكل والمضمون، أي ثمة وحدة عضوية بين أنواعها.

تزوج لأول مرة بامرأة سويدية، وكتب رواية عن تلك العلاقة بعنوان «صيف في ستوكهولم»، وقد تعلّم اللغة السويدية، وتعرف على أدبها، وهذه الرواية بالنسبة له تجسّد تجربة بأكملها حول مسألة الحوار بين حضارتين عبر شخصيات روائية.

«عادة ما يقدم الكتّاب على تأليف سيرهم الذاتية في نهاية حياتهم، أما أنا فقد بدأت بها في رواية «الذاكرة الموشومة»، بدأت الأشياء وكأنني وُلدت في الكتابة، تتضمن السيرة الذاتية عندي شيئين: أولاً إعطاء ملامح عن تاريخ المغرب ومراحله، والمجتمع المغربي على طريقة حياة الشخصية، والجانب الثاني هو كيف يولد الكاتب، أي كاتب، وشرح الظروف التي تساهم في هذه الولادة يعتبر الخطيبي أن الشعر هو عنصر أساسي في أية كتابة ويحاول أن يكتشف بعض الأساليب الجديدة في التفكير وخصوصاً في السيميولوجيا وعلم الاجتماع.

كما يقول: «في رأيي أن الشعر هو أساس اللغة، لأن اللغة الشعرية، أو التكوين الشعري، ضروري لأي كاتب، ولا تكمن المسألة في الفروق الموجودة بين النثر والشعر، بل المهم وحدة الشكل والمضمون والانسجام، الكتابة الموحدة التي تتلخص في النص هي التي تهمني، وهذا لا ينفي وجود الأجناس الأدبية، وبالنسبة لي، تأخذ الحركة الشعرية أهمية بالغة لأنها قريبة من الإحساس.

وقريبة من الجسد، والعواطف، وفي كتاباتي أسعى إلى إيجاد الوحدة العضوية بين العقل والفكر، وبين المضمون والشكل» علاقة الخطيبي بالكتاب علاقة جدلية، فهو كما يقول مارسيل بروست «الكتاب هو الصديق الحقيقي»، لأن الكتاب يرافقك ويعطيك الأفكار، أما الصديق فلا يعطيك سوى المشاكل». وله علاقة وطيدة بالكتّاب والفلاسفة المهمين أمثال سارتر، وماركس، وليفي شتراوس، وفوكو ودريدا وبلانشو.

ويرى الخطيبي أن مجتمعاتنا مصابة بالعجز من خلال عوامل عديدة منها: ضعف المجتمع المدني، استبدأد السلطة والسياسة، الافتقار إلى المعرفة التقنية، المثقف اللاهوتي «الثيوقراطي» الذي يعيق الفصل بين الدولة والدين، ضعف الصورة التي يكوّنها العالم العربي عن نفسه وعن سكانه ودخوله إلى المعرفة التقنية.

وقد نشر كتاباً بعنوان «الفنون التشكيلية المعاصرة» وهو بحث مطول عن المدارس الفنية، وأسماء الفنانين الذين يعيشون في المنافي، الولايات المتحدة وأوروبا وبلدان أخرى. وطرح في الكتاب السؤال التالي: لماذا غادر هؤلاء الفنانون بلدانهم الأصلية إلى المنافي؟ وهل يمتلك العرب صورة ضعيفة عن ذواتهم؟

أم مرد ذلك يعود إلى إهمال العرب للفنون التشكيلية؟ على أية حال، ظلت كتابات الخطيبي ولا تزال تثير ردود أفعال مختلفة في الأوساط الثقافية الفرنسية والمغاربية لأنه عصيّة على التصنيف لأنها تجمع بين الشعر والفلسفة وعلم الاجتماع والسيميولوجيا والصورة.

رولان بارت كما يرى الخطيبي

رولان بارت، الذي كان - إلى جانب موريس نادوا وجاك دريدا - من أوائل الذين اكتشفوا الخطيبي وتبنّوا كتاباته ونشروا له في فرنسا، أواخر الستينيات، وقد كتب رولان بارت مقدّمةً خاصة لكتاب «الاسم العربي الجريح» حملت عنوان «ما أدين به للخطيبي».

وقد جاء فيها: «إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار، الحروف، العلامات. وفي الوقت نفسه، يعلّمني الخطيبي جديداً يخلخل معرفتي، لأنه يغيّر مكان هذه الأشكال، كما أراها، فيأخذني بعيداً عن ذاتي، إلى أرضه هو، حتى إني أحس كأنني في الطرف الأقصى من نفسي» أعماله نشر ست روايات: روايته البيوغرافية «الذاكرة الموشومة» دونويل، باريس ـ 1971، ثم تلاها «كتاب الدّم» الناشر نفسه ـ 1979، ثم «ألف ليلة وثلاث ليال» فتى مرجانة، مونبولييه - 1980)، و«حب مزدوج اللغة» الناشر نفسه ـ 1983، ثم «صيف في استوكهولم» وأخيراً «ثلاثية الرباط» بلاندن، باريس ـ 1993.

نشر الخطيبي أيضاً أربعة دواوين شعرية، وهي «المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية» سندباد، باريس ـ 1976، «إهداء إلى السنة المقبلة» فتى مرجانة - 1986 و«من فوق الكتف» أوبييه، باريس ـ 1988، و«ظلال يابانية» فتى مرجانة - 1989. كما ألف نصين مسرحيين، هما «موت الفنانين» دونويل، 1964 و«النبي المقنّع» لارماتان، باريس ـ 1979.

وفي النقد الأدبي أصدر خمسة أبحاث، وهي «أنطولوجيا أدب شمال أفريقيا الناطق بالفرنسية» بريزانس أفريكان، باريس ـ 1965 و«الرواية المغاربية» ماسبيرو، باريس ـ 1968 و«الكُتّاب المغاربة من عهد الحماية إلى 1965» سندباد، باريس ـ 1974، «تجليات الأجنبي في الأدب الفرنسي» دونويل، 1987، «الفرنكوفونية واللغات الأدبية» لكلام، الرباط ـ 1989.

كما أصدر الخطيبي ستّة مؤلفات أكاديمية وبحثية بارزة، توزعت بين الفكر السياسي والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، تم تأليفها بالفرنسية، وتُرجمت إلى العربية ولغات عالمية عدة، كالإنكليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية واليابانية: بينها «الاسم العربي الجريح» دونويل»، 1974، «القيء الأبيض: الصهيونية والضمير الشقي» 10/ 18، باريس ـ 1974، «فن الخط العربي» شين، باريس ـ 1976، «مغرب متعدّد» دونويل، 1983، «المفارقة الصهيونية» الكلام، 1990، «الجسد الشرقي» ألبوم صور - منشورات «حازان»، باريس ـ 2002.

أبرز أعمال الراحل

* «الذاكرة الموشومة» 1971

*«فن الخط العربي» 1976

* «الرواية المغاربية» و«المغرب المتعدد» 1993

* «صيف بستوكهولم» 1990

* «صور الأجنبي في الأدب الفرنسي» 1987

* «كتاب الدم» 1979

*ـ أعادت دار نشر «لا ديفرانس» أعمال الراحل الكاملة في ثلاثة مجلدات.

الجوائز التي حاز عليها الراحل

في ربيع السنة الماضية، نال عبد الكبير الخطيبي جائزة «لازيو» الإيطالية عن مجمل أعماله الأدبية، وخصوصاً روايته «صيف في استوكهولم» فلاماريون»، باريس ؟ 1990 التي نالت رواجاً خاصاً في ترجمتها الإيطالية، كون بطلها مخرجاً إيطالياً يدعى ألبرتو يصوّر في السويد شريطاً عن العلاقة التي ربطت بين مؤسس الفلسفة العقلانية الفرنسية ديكارت والملكة كريستين، ملكة السويد. قبل ذلك، كان الخطيبي قد نال «جائزة الأكاديمية الفرنسية» 1994 وجائزة «أهل الأدب» .

شاكر نوري
أعلى