ياسين الخراساني - جديد الكلمات في سيرة النجم الأخير

لا أجد ما أُقّمِط به جديد الكلمات التي تولد لأجل سيرتكَ. رأيتك تحمل شعاعا وتبصق على الهواء. أظنني تعرفت على الشبح الذي مر أمامكَ. كان نفسه الهارب يوم وجدتك تلقي بحذاءك على الجسر، وتلعن كل من مشى عليه: "كيف نجرؤ على العبور إلى الضفة المقابلة غير زاحفين ؟ فهمت من كلامك أنك تعني حضن أمك، يوم تحسست قرطها وحسنت من وضع وشاحها ثم فتحت بابها للموت (لم تكن تحب هذه الكلمة, لو تركنا لها أن تعيش في قاموسنا لقرضته في ليلة واحدة). كانت أمك تخاف من الضوء خوفها من الحية الزاحفة. تحكي لك عن جدك عندما أطفأ شمعته المئة، وولج إلى حفرة لينام. لم ينهض من حينها. فضل تغدية الدود الجائع بكل جلده الزائد (أظن كل جلده فحسب).
كان حبك للوضوح أسطورياً. منذ اليوم الذي نزعت شوكة من قدمك، وأقسمت ألا تضع رجلاً على الأرض اتقاءً لخيبة الشوكة (هذا أقل ما تكرم به حشائش الأرض). أما الطفولة فشأنها آخر، لم يتغير شكلك كثيرا، طاقية الإخفاء التي تضع على رأسك نجحت بإخفاء نفسها فحسب، فبقيت تحس بالسماء واضحة في ذهنك: "هل تخرج نعجة من براري السماء ؟" تملك الإجابة ولم تشأ أن تخبرني. السماء حظك الوافر من المعرفة. "أنت فلكي إذن ؟" أتجرأ بطرح السؤال "لا ولكني أعرف عدد النجوم، فلنمضي إلى مغرب الشمس، لنا هناك جرم يعرفنا ويصاحبنا" قلت هيا إذن، الطريق طويل، فلا تلهني بكثرة الكلام لكي لا أخطئ في احتساب نجمة تولد الآن فوق رأسي (أظنك قلت في رأسي).
لم أجد ما أغلف به قديم الكلمات. عروجك على المنتزه الليلي في لحظة الخوف كان دليلك القاطع على أن الأشباح لا تشم. قلت لي لو تحسست رائحة خوفي لسال لعابها الأبيض. كان خوفك ضارباً في القدم، منذ أكل أبوك التفاحة رعبا قلت لي. لم يكن يشتهي الخلود ولا المحرم، كان يخشى الجوع فحسب, وإن ملئت جنبات القصر بالفواكه. كانت التفاحة الأولى التي تغري بالشبع. لذا كنت تعاف التفاح وتفضل عليه قشور الرمان (أكثر سمكاً وأقوى على الجوع، هكذا فهمت) أما ليلك فله حظ وافر من كرم الأرق. لم تضجر منه لأنه طريقك إلى تعلم الفلك وحساب النجوم. "ثم ماذا بعد ؟" قلت لي على حافة الأرض، أمامنا من الهاوية ما يثقل جناح أقوى الملائكة (وإن خف على جناح البعوضة)، ثم ماذا بعد ؟ لم أفهم قولك، فبقيت أنظر إلى ظلك وهو يبتلع الشمس في قضمة واحدة ...
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى