اخرسي بنيلوب

خصصت "مجلة الفلسفة" Philosophie Magazine عددا خاصا رقم 43 للنساء، تحت عنوان : " صلابة النساء وقوتهن” "؛ تاريخ آخر للفكر؛ هل هو ممكن؟ تاريخ يكون فيه النصف الآخر من الانسانية غير منسي؛ أو بالأحرى لا يتعلق الأمر بالنسيان وإنما بالحذف والاقصاء.

XXXXXXXXXX​

((ها هو أول مثال مدون لرجل يقول لامرأة "اخرسي"، بدعوى أن صوتها ينبغي ألا يُسمع من طرف العموم. خطرت ببالي تلك اللحظة المخلدة في بداية "الأوديسة" L’Odyssée (...). توجد هذه الحادثة في الكتاب الأول، عندما خرجت بنيلوب Pénélope من مخدعها إلى القاعة الكبرى لتجد شاعرا مغنيا ينشد أمام حشد ممن تقدموا لطلب يدها، ويحكي في إنشاده عن المحن التي يتعرض لها الأبطال الاغريق أثناء العودة لديارهم. طلبت الملكة منه أن يتغنى بغير هذا، بغناء لا يثير الشجو والشجن. آنذاك تدخل الشاب تليماك Télémaque فقال: "ارجعي يا أمي إلى مخدعك، واستأنفي عملك الخاص، حرفة الحياكة والمغزل... فالحديث سيكون للرجال، لكل الرجال، وخاصة لي أنا وحدي، إذ أنا سيد هذه الدار". فانسحبت بنيلوب إلى مخدعها بالطابق الأول.

هذا الفتى الذي بالكاد نهض من المهد، يقول لبنيلوب، المرأة الناضجة الحكيمة، "اخرسي"، فهذا لا يخلو من سخافة. بيد أن ذلك يبرهن، منذ الكتابات الأولى في الثقافة الغربية، على أن أصوات النساء لا تسمع في الفضاء العام. علاوة على ذلك، وحسب هوميروس، فإن على الطفل أن يتدرب على الحديث أمام العموم، وأن يخرس كل أنثى كيفما كانت. كذلك نجد أن الكلمات التي استعملها تليماك لها دلالة. فعندما قال: إن "الحديث" شأن يخص الرجال، استعمل كلمة ميتوس Muthos، والتي لا تدل في معناها على ما وصل إلينا أي "الأسطورة"، وإنما كانت تعني أيام هوميروس خطابا سلطويا أمام العموم (فهو إذن، ليس من نوع اللغو والثرثرة التي يمكن أن تصدر عن أي كان، وخاصة عن النساء). وعليه، فلكي نفهم واقع النساء ونشتغل عليه، وحتى وإن لم ترغمن على الصمت، فقد أدّين الثمن غاليا من أجل إسماع صوتهن. ينبغي أن نعترف أن وراء كل هذا، يوجد تاريخ طويل)).
ماري بيرد Mary Beard
المرجع: Philosophie Magazine
N°43- HS- P : 30

ت: محمد بوتنبات

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى