ألف ليلة و ليلة عواد علي - ألف ليلة وليلة واليهود في العقل الصهيوني

ينسب باحث إسرائيلي يُدعى فيكتور بوخمن، في مقال له بعنوان "ألف ليلة وليلة والتراث اليهودي"، أصل الليالي إلى الفرس، قائلاً إن أصلها مجموعة من القصص الفارسية بعنوان "ألف حكاية" ]يقصد هزار أفسانه [تُرجمت إلى العربية في العراق خلال القرن التاسع الميلادي. إلاّ أن هذا أمر ليس جديداً، فقد سبقه في ذلك كل من الباحثين: برتن، مكدونالد، علي أصغر حكمت، آدم متز، وغيرهم. ومن المعروف أيضاً أن ثمة باحثين آخرين نسبوا أصل الليالي إلى أمم اخرى كالعرب والهنود أو إلى كليهما معاً، أو عدوها خليطاً من الجميع، أو بعضها مثل: عبدالملك مرتاض، محسن مهدي، اوبستروب، ديرلاين، موسى سليمان، لين، دوساسي، شيلجل، كوسكين، وغالان.
لكن على الرغم من احتواء هذه الذخيرة على حكايات ذات أصول فارسية وعبرية وهندية، فإنها من نتاج العبقرية العربية، حتى لو كانت صيغت على غرار الحكايات الخرافية الفارسية "هزار أفسانه"، ذلك أن أغلب شعوب الأرض، وفقاً لظاهرة المثاقفة (تأثير وتأثر الثقافات فيما بينها بفعل التواصل)، قد أفادت من بعضها في إنتاج موروثها الابداعي، والحديث عن ثقافة نقية، أو خالصة تنتمي إلى عرق محدد يُعد أمراً لا معنى له. ولعل أهم ما يُستفاد من المصادر العربية القديمة التي أشارت إلى كتاب "الف ليلة وليلة"، وأقدمها كتاب "مروج الذهب" للمسعودي، "أن ثمة كتاباً في الخرافات عُمل ]من قبل العرب[ على غرار الكتب ]الفارسية والهندية والرومانية[... فلا يُعقل أن ينتخب ]المسعودي[ كتاباً أجنبياً بغية توضيح محتواه ليضاهيه بكتب غير عربية"، كما يقول الناقد الدكتور عبد الله ابراهيم في كتابه "السردية العربية". وقبل بضع سنوات صدر كتاب للشاعر والباحث العراقي سامي مهدي بعنوان "ألف ليلة وليلة كتاب عراقي أصيل: قراءة جديدة"، عن دار ميزوبوتميا في بغداد، يرى فيه أن الكتاب ليس مترجماً عن أصل أجنبي، بل هو في الأصل كتاب عراقي، مؤلف باللغة العربية، و"بحثه هذا محاولة للكشف عن هذه الحقيقة، وتفنيد تلك الإشاعة".
استند مهدي، في إنجاز كتابه، صغير الحجم، كبير الأهمية، إلى النسخة التي حققها الدكتور محسن مهدي من "ألف ليلة وليلة"، ونشرها عام 1984، وهي النسخة الأصل "الأم القديمة" قبل أن تُستنسخ وتُهجّن لغتها وتُقحم عليها الزيادات، واستبعد كل الطبعات الأخرى التي سبقتها، بما فيها طبعة بولاق في مصر، نظراً إلى ما في هذه الطبعات من زيادات ابتعدت بها عن الأصل قليلاً أو كثيراً. كما أعاد استنطاق النصوص العربية القديمة التي تحدثت عن الخرافات والأسمار، وهي ثلاثة، أولها للمسعودي، وثانيها لابن النديم، وثالثها لأبي حيان، وجميعهم من رجال القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي).
الف ليلة وليلة
كتاب عربي أصيل
في سياق نسب بوخمن أصل الليالي إلى الفرس ]هزار أفسانة[ يشير إلى أن الاسم الذي تُعرف به اليوم، وهو "ألف ليلة وليلة"، أُطلق عليها في القرن الثاني عشر الميلادي، وربما قبل ذلك، ويدس معلومةً مفادها أن هذا الاسم "هو نفس الاسم الذي اشتهرت به باللغة العبرية، من دون أن يوضح متى اشتهرت التسمية بهذه اللغة، أفي القرن الحادي عشر نفسه، التي ظهرت به التسمية العربية، أم في وقت لاحق؟ لا شك في أن سكوت بوخمن عن ذلك يدل على أنه يريد تمرير فرية مفادها أن معرفة اليهود بالليالي، أو علاقتهم بها مماثلة، تاريخياً لمعرفة العرب أو علاقتهم بها. وفي سطور لاحقة من المقال يعزز بوخمن من فريته بقوله "وعثرت أنا نفسي على قطع من اثنين من نصوص ألف ليلة وليلة أصلها عربي– يهودي ]لا يقول "عبري" عمداً[ مشترك، وذلك في مجموعة فيركوكوفيتش في المكتبة الحكومية السلتيكوفشدرين، في سانت بيتر سبورغ، وفي مجموعة تايلر شيختر في مكتبة جامعة كيمبريدج...". وهو يسكت عمداً أيضاً عن ذكر كتابة النصين اللذين عثر على قطع منهما. ثم يمضي في ذكر وثيقة أخرى، بغية تحقيق الهدف نفسه، وهي مذكرات كان قد خلفها طبيب وصاحب مكتبة يهودي من سكان القاهرة في أواسط القرن الثاني عثر، وقد درس البروفيسور غويتاين، الخبير اليهودي في المخطوطات اليهودية– العربية، تلك المخطوطات فوجد فيها أقدم مخطوطة من مصدر يهودي ذُكر فيها اسم "ألف ليلة وليلة" أول مرة، لكن بوخمن على عادته يحجم ذكر اسم صاحب المذكرات المصري لنتبين إنْ كان بالفعل يهودياً أو قبطياً أو مسلماً، كما يغفل متعمداً الإشارة إلى اللغة التي كُتبت بها تلك المذكرات، فهل هي باللغة العربية أم باللغة العبرية؟ ولا نوع الحروف المستخدمة في كتابتها أهي حروف عربية أم عبرية؟
ومما يزيد من قناعاتنا بأن بوخمن يحرّف حقيقة تلك المذكرات، أو هويتها، إشارته في سطور لاحقة إلى أن صاحبها بائع كتب مجهول الهوية! ثم يوقع نفسه في تناقض صارخ حين يقول "إنه ]بائع الكتب[ باع مخطوطةً لكتاب ألف ليلة وليلة للمدعو عبد المجيد العزيزي ]في القرن الثاني عشر["، وكان بوخمن قد ذكر في بداية مقاله "بدون شك يعود أكثر النصوص شعبيةً لكتاب ألف ليلة وليلة، الذي اتخذ شكله الراهن في مصر، إلى نهاية عهد المماليك (ما بين نهاية القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر)"!
وإمعاناً في تلفيقه يزعم بوخمن أنه اكتشف وثيقةً يُحتمل أن تاريخها يعود إلى ما قبل زمن كتابه مذكرات بائع الكتب تتضمن قائمة بمخطوطات منها ألف ليلة وليلة تحتوي على حكاية عن الخليفة هارون الرشيد، وأنها تذكر للمرة الاولى أول اسم أطلق باللغة العربية على الف ليلة وليلة! ويتضمن هذا الادعاء مغالطتين:
الأولى: أن بوخمن لا يقدم أي مسوغات لكون الوثيقة التي اكتشفها يعود تاريخها إلى ما قبل القرن الثاني عشر، أي إلى ما قبل تاريخ مذكرات البائع المجهول (بائع الكتب). كما أنه لايذكر إنْ كانت وثيقةً عربيةً أو عبريةً.
الثانية: أن الوثيقة المشار إليها ليست أول مصدر يشير إلى أن اسم "الف ليلة وليلة " باللغة العربية، بل أن أول مصدر هو كتاب "مروج الذهب" للمسعودي المكتوب في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، الذي تحدث عن "الف ليلة وليلة" تحت عنوان "كتاب ألف ليلة وليلة"، مقرراً أنه "أخبار موضوعة من خرافات مصنوعة".
يقف بوخمن، في سياق حديثه عن الأصل اليهودي لبعض حكايات الليالي، على حكاية عن السائح المدعو "بلوقيا"، مشيراً إلى أنه قد دُمجت في هذه الحكاية عناصر قصصية شرقية ويهودية أضيفت عليها صبغة إسلامية. وبعد أن يلخص الحكاية يقول إنها "نُقلت عن مجموعة من أقاصيص نبوية أُسندت إلى عبد الله بن سلام، الذي كان يهودياً اعتنق الإسلام بعد لقاء مع النبي محمد والاستماع إليه. وأهم شيء في هذه الحكاية هو السعي وراء إكسير الحياة الأبدية. ويؤكد بوخمن أن "أهم مصدر أُخذت عنه أسطورة بلوقيا حكاية وردت في نص للتوراة عثر عليه الكاهن الأكبر حلقيا في بيت المقدس، وقدمه شافان، أحد كتّاب ذلك العصر، إلى الملك يوشيه". وعلى الرغم من أن بوخمن يعترف بعدم وجود ذكر لاسم "بلوقيا" في النصوص اليهودية، يستدرك قائلاً "لعل أصله اسم آخر شبيه تغير وتطور مع الزمن إلى بلوقيا منسوخاً من مصدر إلى مصدر من القصص العربي القديم"! وفي حقيقة الأمر أن المصدر الأصلي لهذه الحكاية هو أسطورة "جلجامش" السومرية (العراقية القديمة) التي يقوم بطلها "جلجامش" برحلة شاقة لجلب نبتة الخلود من أجل إعادة الحياة إلى صديقة "انكيدو"، الذي أماتته الآلهة، لكن الحية تلتهم النبتة في طريق عودة "جلجامش" إلى بلاده. أما الحكاية التوراتية، التي يزعم بوخمن أنها مصدر حكاية "بلوقيا"، الواردة في ألف ليلة وليلة، فهي مأخوذة أصلاً من أسطورة جلجامش ضمن ما أخذه الكتبة اليهود من تراث سومري وبابلي، وضموه إلى التوراة خلال سبيهم في بابل.
لكن الأمانة العلمية تقتضي القول إن العديد من الباحثين، ومنهم العرب، قد ذهب إلى أن الخرافات ذات الجذور الإسرائيلية (من الإسرائيليات)، التي تضمها الليالي في نسخها المتداولة، إلى جانب ما اجتذبته من خرافات وحكايات شعبية متداولة في القرون الأولى، ذات أصول فارسية وهندية وعربية، ومن ثم فإن احتواء الليالي على حكايات وأساطير وشخصيات وأمثال يهودية أمر طبيعي في سياق المثاقفة، ولا يسوّغ هذا التلفيق الذي هو جزء من تلفيقات العقل الصهيوني الخبيث، في محاولته منذ عقود سرقة موروثات المنطقة، وفي مقدمتها الموروث العربي الفلسطيني، وترقيعها في الثقافة الإسرائيلية لتبدو موروثاً يهودياً ضارباً في جذور التاريخ.
  • Love
التفاعلات: الاخضر داز-اين

تعليقات

شكرا لتعليقك استاذ الأخضر

لقد جمعنا في هذا الملف ازيد من 500 دراسة ومقال حول كتاب ألف ليلة وليلة او الليالي العربية كما يحلو للغربيين تسميته ، هذا السفر الماتع الشائق النابع من مواجهة الموت، والذي يعد من أهم مصادر التراث المشترك بين الفرس والعرب، واثر في آداب الامم قاطبة، وكتب على ثلاثة مراحل بالعراق والشام ومصر، كنز عربي مطمور فطن لجماليته بداية انطوان غالان و ماردروس، وتلاهما بيرتن ولين وباين، و هيننغ وليتمان وفييل؛ و كاسينوس أسينس. ونفضوا عنه تراب النسيان بعشق، واعادوه الينا باحسن حلة ، وأحبه خورخي لويس بورخيس وكتب عنه بشغف قائلا: " هذا الكتاب الممتلئ بما كان يعتبر حينئذ بذاءات كان يمنع علينا قراءته وكان علي أن أقرأه خلسة فوق السطوح". قبل ان يفطن البه بعض المستمنين بالأدب الذين لم يقرأوا سوى تلك النصوص التي خدشت قلة حيائهم.. ليتقدموا ضده بشكاية من اجل تهذيبه ، وقبلهم روج فقهاء الكذب ادعاءات بوجود لعنة كتاب الليالي كما يقول الاديب محمد جبريل " إنه لعنة ألف ليلة وليلة . من يقرأ الكتاب يحل عليه ـ فى نهاية عام القراءة ـ مصيبة تدمر حياته . وربما لهذا السبب ظل الكتاب مخطوطاً لمئات السنين.. " انها شبيهة بلعنة المسعودي في مصنفه كتاب مروج الذهب
لكننا نقراه بحب وشغف نكاية فيهم، لا لشيء سوى لأن ذ. عبد الفتاح كيليطو، قال عنه: " ألف ليلة وليلة مثل روائع الأدب الغربي (دون كيشوت - الفردوس المفقود - فاوست) الكل يستشهد بها ولا أحد يقرأها "
 
أعلى