مخلص الصغير - “ مشينا فيها"

مرة أخرى، وقعنا في قبضة برامجنا التلفزيونية الفظيعة، بمناسبة شهر رمضان الكريم. والمشكلة أننا في الحجر الصحي، ولا نستطيع الهروب من هذه البرامج نحو أرض الله الواسعة، كما كنا نفعل في الماضي.
القناة الثانية اختارت أن تنغص علينا فرحة الإفطار بعرض برنامج الكاميرا الخفية “مشيتي فيها”، بالطريقة نفسها التي ظلت تقدمها منذ خمس سنوات. حيث تتحول الكاميرا الخفية إلى “ كاميرا مخيفة”، وكأننا في فيلم من أفلام الرعب الرديئة. والمفارقة، كما كشفنا عبر هذا الموقع، هي أن الحلقة الواحدة من هذا البرنامج “ السخيف” تكلف ميزانية 13 مليون سنتيم، كما أن ثمة شركة وحيدة هي التي ظلت تستفيد من إعداد هذه الفقرة “الحامضة” منذ برمجتها قبل خمس سنوات.
وبسبب الفقر المدقع في الخيال، فقد تفتقت عبقرية فريق البرنامج على أفكار محدودة يتم تجريبها في ضيوف جميع الحلقات. ومن ذلك عملية نقل ممثل من ضفة إلى أخرى، عبر قارب سري، يقوده مهرب للبشر. ومنها أيضا نقل ضيف الحلقة إلى غابة كبيرة، في السنغال، قصد إجراء حوار معه. ثم سرعان ما تجري محاصرة سيارة من قبل أسد مروض، يبعث الرعب في ضيف الحلقة. هذا ما لم يكن الأمر كله مفبركا، كما قيل عن الكاميرات المخيفة في السنوات الماضية. خاصة إذا كان الكثير من ضيوف الكاميرا المخيفة هم أنفسهم الممثلون الذين يشاركون في باقي السلسلات الرمضانية لهذه السنة، وكأنها محبسة عليهم دون غيرهم.
برنامج “مشيتي فيها” لا يخرج عن باقي الكاميرات المخيفة التي أرعبتنا في السنوات الماضية، وكان من الأجدر أن تُمنع على الأطفال أقل من 10 سنوات، وعلى باقي البشر أقل من 200 سنة. وشخصيا، لا أنصح بمشاهدة أفلام الرعب في ظل كورونا الملعونة، لأنها قد تؤدي إلى فقدان المناعة، الأمر الذي سيسهل من مأمورية “الشمكار” كوفيد، الذي يتربص بالناس في الطرقات.
المشكلة هي أن الكاميرا الخفية كما اخترعها صناع الشاشة الصغيرة في الغرب غالبا ما تكون فقرة بسيطة، بإمكانيات تكاد تكون منعدمة، وبممثل واحد أو اثنين على الأكثر. والأهم من ذلك أن الكاميرا الخفية في “ بلادات الناس” تكون صامتة في الغالب، وهي تذكرنا بالسينما الصامتة، وبالأعمال العبقرية لشارلي، وروائع ميستر بين. أما عندنا، فيتم إعداد الحلقة الواحدة بمجموعة من الممثلين وغير الممثلين، والكومبارس أيضا، كما شاهدنا في حلقة الممثل “ يوسف الجندي”، الذي أكد في الحلقة نفسها أن هذه ليست كاميرا خفية. ولو كان أصحابنا يفقهون في هذا العلم لحذفوا ما جاء صريحا على لسان الممثل المغربي. والأمر نفسه مع الحلقة التي ذهب ضحيتها الفنان الشاب عمر بلمير، فعندما اكتشف أنها الكاميرا الخفية، استشاط غضبا في وجه فريق البرنامج، قائلا: “هذا ماشي ضحك”.
كما أن هذه الكاميرا المغربية المخيفة هي كاميرا ثرثارة جدا، بحيث لا يتوقف الممثلون وأشباههم عن الكلام والعويل والصراخ. وهنا لا يفرق أصحابنا حتى بين “التلفزيون” و”الراديون”، وكأننا أمام سلسلات إذاعية، تبث على الأثير، على غرار “الأزلية” و”ألف ليلة وليلة” وغيرها من السلسلات التي كان يقدمها العربي الدغمي وحبيبة المذكوري وحسن الجندي، رحمهم الله، ورحم الكاميرا الخفية.
أما بعد، فيا أيها الناس، الكاميرا المخيفة أمامنا، وكورونا وراءنا… والصراحة: “مشينا فيها”.

مخلص الصغير


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى