د. سامي عبد العال - الفِكْر: قَرْعُ طُبولِ الأسئلةِ(1)

" ما قدْ تراه هنالك، ليس إلاَّ أصدافاً على شاطئ بحرٍ لا حدود له...."

" دوماً الأسئلة لا تهدأ ... ولن تتوقف عن اثارة المجهول ... "



رُبَّ سؤالٍ يزعجُ معرفتنا الغارقةَ في سُباتِّها حتى الإيقاظ. عندئذ لن يكون النوم حالماً، إنما أرق بملء العيون، ملء العالم والتاريخ والزمن. نوم هو اليقظة، حيث لا يستغرق النائمُ بعضاً من شعيراتَ جفونه، النوم اليقظ الذي يتقلب مع الأفكار يساراً ويميناً، أعلى وأسفل. إذن على الفكر أنْ يسهر فلسفياً، السَهر الفلسفي هو انعدام الغفلة، الجلَّد ومغالبة النعاس والفتور العقلي، هو درجة قصوى من الكشف النهاري إزاء كلِّ ليلٍ محتملٍ. كانت هذه الدرجة أحدَ أشكال الوعي بالأسئلة وشقاء العقل، لقد ظل ديوجين اللائرثي في اليونان القديم يبحث عن الحقيقةِ حاملاً مصباحه في وضح النهار!! على حد قولِ المتنبي: ذُو العقلِ يشْقى في النعيمِ بعقلِّه وأخُو الجهالّةِ في الشقاوة ينعمُ".

بكلمات أخرى، يقظة الفكر هي ملء الليل(ليل الحياة والثقافة والروح واللغة) بالنهار. والنهار كلمة عامةٌ تأتي إلى عيون النائم وهو في أعماقه، كأنَّك تغمض على ضوءٍ ولا يبارحُك. النوم والموت خاصان بالإنسان، في أعماق نومك وموتك لا ينام معك أحد ولن يموت معك كذلك. فأنت النائم متوحداً مع كيانك لا يدخل إليك شيءٌ. وحين يسهر الفكر، فأنت من يشعل شيئاً من نهارٍ، بأي عنوان كان سيأتيك. علي الفكر أن يسهر حتى الفجر، ضمن هذا المعنى قد يصبح الفجر في أي وقت وبأي عيون.

ففي تاريخ الفلسفة، بدا إيمانويل كانط مثالاً لنائم أيقظه ديفيد هيوم من رقادٍ عميقٍ. وباعتراف كانط نفسه، لم يكُّن إلاَّ كائناً هائماً على وجههِ، وأخذَ يتحيّن الفرصة لقرع طبول الأسئلة. كانت أسئلة هيوم جامحةً وجذريةً حول المعرفة وعجز العقل عن تجاوز حدود الأشياء. لعل أزيزها المدوي كصدى الرصاص طال جوانبَ الفكر: مفهوماً وإدراكاً ومنهجاً. وقد جاءت مرحلةُ كانط " نقد العقل الخالص"Critique of pure reason بمثابة الصدى المباشر لهذه اليقظة المفاجئة.

كانت دلالة قرع الطبول– في الحياة البدائية- إعلاناً عن حادث كوني، حضور آلهة، طقوس، موت، ميلاد حياة، حروب. هي تناشد مجهولاً ما، تأخذ بلياقة التعامل معه وتتحين الوقت لمعرفته، وفي الأغلب كانت تحاول بالأصوات ترويضه وجعله مألوفاً. وإلى وقت قريبٍ في الثقافة الشعبية لمجتمعات شرقية(عربية)، استُعملت الطبول بهذا الإيقاع الحياتي – الكوني. كانت أصواتها تحذر من قدوم شيء مجهولٍ ليس لنا احتماله دون اليقظة أو إقامة شعائر الاحتفاء بمصير ما حياةً أو غسقاً. مثل ضرب الطبول لخسوف القمر أو لغياب بعض النجوم اعتقاداً بأنَّ كائنات شريرة تحجب رؤيتها( فقد كان يُقال القمر مخنوق). وأنَّ صوت الطبول سيجعل الكائنات تتراجع عما تفعل وتهرع من حيث أتت!! وكأننا مسؤولون عن رعاية الأشياء والعالم( عبارة هيدجر: الكائن الإنساني أو الدازاينDasein هو راعي الوجود).

الفلسفة تاريخياً أحد دروب اليقظة التي تستدرك نيام البشر. كأن انغام رباعيات عمر الخيام تتهادي بصوم ام كلثوم لإيقاظ الناس للاغتراف من معين الحياة: "سمعتُ صوتاً هاتفاً في السحَـرِ نادّىَ مـن الغيب غُفاةَ البشـرِ، هِبُوا املأوا كأس المُنى، قبلَ أنْ تملأ كأسُ العمــــــر كفُ القدر". إنَّ الفلسفة كمغامرة عقلية قصوى تستوجب انتباهاً ينزع النعاس عن الجفون، وأنْ يكون الانكباب عليها كحال المنكب على كأس المُنى، كأس العمل، كأس الطموح، كأس الفكر، كأس الحب. الفلسفة هي فن العيش بعدما كانت تمريناً أفلاطونياً على الموت. والاثنان: الحياة والموت يتبادلان الدلالة الإنسانية، فمن يبلغ موته بأريحيةٍ صانعاً مصيره الخاص، هو من يمكنه الحياة بملء الكلمة( الموت اختيار وصناعة كما الحياة).

في الثقافة اليونانية أيضاً، كان سقراط يسمى "ذباب الخيل"Tabanidae، ذباب يجعل الخيول مستنفرةً وكثيرة الاهتزاز والصهيل. الأسئلة السقراطية كانت تنقر الوعي (مثل دجاجة تنقر الحبوب)، ليعرف ما يُحاك له، وما ينزلق إليه، وهي عمل أصبح ضرورياً بهذا المسمى في المجتمعات المعاصرة. فالوعي الغُفْل قد ينعدم يوماً ما لم تُثِرْهُ أسئلةٌ حقيقيةٌ، تصقل أدواته وتدفعه للانتباه، لأن السؤال استدعاء لحركة المستحيل ولو كان نائياً، أمَّا العجز فمن صفات الاستكانة إلى ما هو جاهز ومتاح.

الاستيقاظ أحد وجُوه الوعي الفلسفي الذي يلاحق الإنسان بضرباته. لكن طبيعياً أنْ نلتمس التوضيح: استيقاظ من ماذا وإلى أي مدى سيكون؟! هل يغيب وعي الفيلسوف أم تُوجد جوانب أخرى للمسألة؟ الأمر يضمرُ كون النوُم الفلسفي غفلةً فكريةً تلفُ العقل. وإذا كان ذلك شأن غطيط الأفراد، فما بالنا بمناخٍ ثقافيٍّ يدعو للنوم وسط قارعة النهار ووسط يقظة العالم المتطور والحي. المعنى اللطيف أنَّ الأسئلة الفلسفية اشبه بأصوات كانت تعلن النفير العام، لكنها تقدح زناد الفكر والترقب للمستقبل. ومن حينه كان العقل يتأهب لأخذ مواقع جديدة وابداع رؤى مغايرة. ولن يكون الأمر إلاَّ مرتهناً بأرق فلسفيٍ يؤكد أصالةَ التساؤل وأصالة الاستجابة الفلسفية له.

المهمة جد خطيرة للفيلسوف: أنْ يبتكر الآفاق العقلية المناسبةَ لإيقاظ المجتمعات من غفوتها وسقوطها. فالحياة اليومية أشبه بغطاء كثيفٍ حدَّ الموت لأُناس نيام على قارعة التاريخ، هم يحتاجون تدريجياً من يمزق الأحجبة ويجعل ضوء النهار نافذاً إلى عيونهم ووعيهم وأسماعهم. تبدو معاني هذا الفعل التاريخي عالقةً بالتفلسف كفنٍّ لكشف طبائع الحياة والثقافة. سيكون مرتبطاً بالنور والانكشاف والتجلي والتمزق والتفتق. إنَّ عملية تحرير الأسئلة من أغلال الصمت جزءٌ لا يتجزأ من هذه الدوائر. في تاريخ الفلسفة، لم يكن ذلك مجرد معرفة، لكنه فهم لعمل الفكر إزاء قضايا المصير والحقيقة والعيش.

هكذا كانت أسئلةُ ديفيد هيوم بالنسبة لكانط وخزات للتعرف على العالمِ والأشياءِ. لقد أكد هيوم، من نقده للفلسفات العقلية، أنَّ أفكارنا مستمَدة من الخبرة التي يحتويها العقل لا من العقل نفسه. والعالم ليس وليد أوهام خاوية، لكنه نتاج النشاط والفعل. الأمر الذي أوعز إلى كانط بخلع سباته الدجمائي. ولا يخفى كون الدجما الفكرية كآراء جاهزة التكوين قد تلقي على أصحابها رُقاداً أبدياً ما لم يسمعوا قرع طبول الاستفهام.

في كتابه نقد العقل الخالص يبرز كانط أنَّ موضوعات "المعرفة" الممكنة هي "الظواهر"، أي موضوعات العالم الفيزيائي القابل للرصد تجريبيّاً. وقد انتقد، بالوقت ذاته، الرؤية التجريبية عند لوك وهيوم، طالما جعلت الانطباعات الحسِّية وحدها أساساً للمعرفة. والرأي عند كانط أنَّ "الأفكار من دون محتويات فارغة، والحدوس( جمع حدس) من دون المفهومات عمياء"، آخذا من أرسطو عبارة " المقولات الأساسية "، على أنها مصدر كلِّ مفاهيم الفهم، بوصفها مفاهيم قَبْلية، لا تصبح التجربة ممكنة إلاَّ من خلالها، وهي ترتبط بالضرورة وبالتجربة معاً.

وقد اعتبر كانط مقاربته للمعرفة " ثورة كوبرنيكيةً "Copernican revolution، على غرار نفي كوبرنيكوس لدوران الشمس والنجوم حول الأرض، مفترضاً أنَّ الأرض هي الدائرة حولها لا العكس. ولقد سبقه ديفيد هيوم إلى هذا، حين حلَّل دلالة "العلاقة العلية" بين الظواهر والأحداث، من حيث لا وجود لضرورة عليةٍ حقيقيةٍ في العالم، لكن الشعور بالضرورة لا ينشأ إلاَّ من مسلمات الذهن البشري.

وتباعاً اعتقد كانط أنّ التجربةَ كفيلةٌ بحل مسألتين بدا اعتقادُه فيهما خاطئاً. مسألة: النقائض( المفارقات)، ثم مسألة: الأصل في كل فكرة كليةٍ وكل ضرورة معرفيةٍ. في هذا الشأن استيقظ فيلسوفُ النقد- بمطرقة هيوم ثانيةً- مفرِّقاً بين مادة التفكير وصورته؛ أي التمييز بين صورة الذهن verstand وصورة العقل vernunft. الصورة الأولى كالمكان والزمان بينما الصورة الثانية مثل العلة والجوهر والممكن والضروري.

لتؤكد تفرقة كانط أنَّ الذهنَ ملكة لإنتاج تمثُلات حصولاً على المعرفة، هو ملكة التفكير في الموضوع الحسي بمساعدة مقولاتٍ وأحكامٍ. أمَّا العقل، فملكة الصور اللا مشروطة، وغير المقيدة زماناً ولا مكاناً. يتجه أولاهما إلى الجزئي، بينما يتجه ثانيهما إلى كلِّ التجربة وإلى المطلق فيها. وقد أحدثت تلك التفرقة تحولاً جذرياً نحو طبيعة المرحلة النقدية في فلسفة كانط بمجمل زخمها.

كانت المحصلةُ أسئلةً كانطيةً أكثر جذرية: ماذا يمكننا أنْ نعْرف؟ ما الواجب علينا فعْله؟ وبماذا يمكننا عقلانياً أنْ نتفاءل؟

حيث اخفقت كلُّ إجابةٍ لا تواكب القدرةً على تجاوز المواقف الجزئية، وحيث طافت الأسئلةُ كافةَ مجالات المعرفة بحثاً عن الشيء المختلف. إنَّها كانطياً مشروطةٌ بالإطاحة بأي تأسيس لاحق على التفكير الاستفهامي. فينشأ التفكير في نقد منطلقاته، إنْ لم يهدمها مغايراً أية رؤية يتحدَّد فيها. هكذا غدت الأسئلةُ تمارين على السهر الكانطي داخل فضاءٍ يتسعُ كلما اقتربنا منه. الاسئلة تعلمنا فناً للسُهاد عبر اركان المعنى النائية نأي المجهول. وبالإمكان لو أثرنا أسئلةً دون قيودٍ إزاء الواقع المعيش، لكان التفكيرُ أكثر عُمقاً. فالسؤال ينبعُ من حرية أصيلةٍ للعقل خارج القوالب الجاهزةِ، ناهيك عن احساسه بالمشكلات بصورة مبتكرةٍ. وليس ذلك إلاَّ ليكمل "أرقاً فلسفياً" يشمل كيان الانسان.

يقول الميتافيزيقي المتشرد اميل سيوران: " هناك نوعان من العقل: أحدهما نهاري والآخر ليلي، لا يتشابهان في النوعية ولا في الجوانب الأخلاقية. تراقب نفسك في وضح النهار وتجود بما لديك ليلاً. النجاعة أو العواقب الفظة تهم قليلاً الرجل الذي يُسائل نفسه عندما يكون الآخرون فريسة للنوم، وعليه فهو يتأمل بناءً على الحظ السيئ لكونه قد وُلد، دون مبالاةٍ بأي أذى قد يسببه للآخرين أو لنفسه. بعد منتصف الليل يبدأ سُكْر الحقائق المدمرة ."

ما من فلسفة جد مثيرةٍ إلاَّ وتتوافر على مخزونٍ خصيبٍ من الأرق الفكري الذي لن يُحسم بسهولة، لأنه دائم التساؤل. فأي فلسفة تبحث عن تدمير قيود ما، قد يراها الفيلسوف أو المتصوف أو الشاعر بدقةٍ دون أنْ يراها الآخرون. كما يوضح جلال الدين الرومي أنَّ القيد قد يكون صورة هي المسخ للحقيقة، يقول: "إنك قدْ رأيتَ الصورةَ، ولكنك غفلت عن المعنى". لأن الصور هي الحجم النسبي الذي يحول دون الكل الأبعد ورائه. الصورة قيد يختزل الوعي ويحبس الخيال، لكونها تجلُّطاً للمعنى في هيئةٍ بعينها، حجاب عرضي يواري ما هو غير قابل للاختزال بلغة الفلسفة.

والمعنى المتفلت من القيود يبرز وجهين: ما هي القيود المفروضة عليه وما هي طبيعة الصوة التي تأخذ مكانه؟! يؤكد الرومي: " ولكن ما الصورةُ إذا جَاءَ المعْنى"، أي أنَّ المعنى قدرةٌ مفتوحة للخروج من الاغلال وكسرها بلا رجعةٍ، إنها مهمة التفلسف أيضاً ناهيك عن التصوف، فالإنسان العادي يرى الصورة، يحن إلى القيد، يتمنى الارتباط به، ولذلك هو دوماً يتجمل للصور واقفاً بالقلب منها، بينما أهل الفلسفة يتعلقون بالمعاني، تلك المتناثرة والهائمة خارج الصورة.

الصورة -كما يقول الرومي- هي غفلة المعنى، نوم المعنى على طريقة نوم كانط، والإيقاظ هنا هو لا عودة إلى الإطار المحدود من معانينا، بل إلى فضاء الكل اللامتناهي. وعبارة الرومي الدالة تقول: " يسمعُ الطائرُ صوتَ أبناءِ جنسهِ، فيّجيءُ من الهواءِ فيجدُ الشبكّةَ والسِكِّيْن". تلك النهاية الفارقة في الوقوع بالفخ: أنْ يكون فريسةً غير مأسوف عليها. وإذا كان الإنسان يلجأ إلى الاحتماء بالآخرين، فذلك ضياع الهواء الطلق (الحرية – المعنى– العشق). جميعناً يرى في القيود أمناً يريح هواجسه، لكن الثمن أنها افقدته أهم ميزة في الحياة، التحليق خارج الأنظمة وبعيداً عن الأسوار.
  • القيود التي قد نعيها هي تكوين الفكر بحسب الثوابت والحنين إليها.
  • في وجود الآخرين، تكون الشِبَاك والسكين منصوبين للإيقاع بالحرية.
  • الهواء الطلق هو الخيال الرحب الذي لا يبارح الإبداع والانطلاق.
  • الأسئلة النافذة أحد أدوات تمزيق شباك الصياد الأيديولوجي أو المعرفي.
  • لتكن الأفكار بكلمات الرومي خارج الأقانيم، خارج الأشكال، خارج الصور.
  • التحرر لا يأتي لطائر في الهواء وإلاَّ ما الفائدة، فهو بالهواء الطلق تلقائياً، لكنه تحرر مهم لمن هم في الشباك ولا يعلمون.
هذا يعني أن ثمة بحثاً فلسفياً في القيدِ الفكري ذاته قبل تحطيمه. وهذا يفسر: لماذا يشعر الإنسانُ بقيوده بخلاف الكائنات الأخرى؟ كيف تتعلق القيود بنا نحن البشر؟ وما هي أبعادها؟ فلو اردنا تعريفاً بسيطا للإنسان، فهو الكائن الشاعر بالقيود دون سواه والذي يريد التملص منها ولو أدمتْ كيانَّه، قيود سيكولوجية وقيود كونية وقيود معرفية وقيود فكرية وأخرى سياسية ... وسيعني التعريف أيضاً وجودَ القيد بالنسبة للأسئلة بما هي طرح اشكالي. فلا استفهام دون طرحٍ لمحددات الفكر تحت نشاطه المتجاوز. أسئلة التفلسفِ أكثر جذريةً من غيرها، بل لها طابع كلي وتُرْهص بتكوين أفق عامٍ لمجالاتٍ عديدة. فالعلم لا يسائل القواعد القائم عليها. كلُّ علم هو طريق لطرح مشكلة جزئية والاستجابة لها بمزيدٍ من الأسئلةِ.

أمَّا الفلسفةُ، فتعمد إلى النبش الجذري في الأسس، تأسيس الأسس ذاتها. هي اشكالية حول( وداخل) المشكلات لا مجرد ايجاد حلول لها. لهذا هي تحتاج الحرية في طرح استفهامات توازي عمق التأسيس ومساحته. الفلسفة تعمل على أصول الرؤى وأنماطها الأولية(الروح-العقل– العالم – الكون...). إن أصالةَ السؤال في هذا الحال أكثر أهمية من الاجابة، لأنَّه يستطيع تغيير نمط التفكير. لن يكون السؤال ترفاً، لكنه ذروة الكدِّ العقلي، هذه الجدية المفرطة التي تذهب إلى أفقٍ غير مطروقٍ.

لعلَّنا نكُّف عن النظر إلى الأشياء بمجرد الأداءِ المعرفي الجزئي. لأنَّه أداءٌ لا يُعلن جديداً إلاَّ تعلُقاً بقديمٍ ما. وهو بذاته تمثيل لمنظومةٍ مستعارةٍ تستهلك فاعليتها(وفاعليتنا بالمثل) حين تُطرّح. فبالإمكان ارتداء باروكة من الشعْر دون انهاء حقيقيٍ لحالة الصلع. ونحن في حياتنا الفكرية العربية نَقلّةٌ أُمناء لمضامين فكرية ليست لنا، حتى ولو كان أسلافُنا التراثيون هم صانعيها، فما بالنا بنفس النقلِ الفلسفي من المختلف ثقافةً وفكراً. فالحرف المُقلَّد واحد، سواء أكتبه قدماءٌ هم جسدنا التراثي أم معاصرون أمامنا على ضفاف غربيةٍ!!

هل سنظل نطابق بُعداً معرفياً لحياتنا مع حيوات الآخرين؟ حياة ليست لنا وفوق ذلك نتقمصها كما لو كانت نحن. أين اسئلتنا الوجودية والثقافية المعبرةِ عن أعماقنا وموقفنا تجاه قضايا الحياة والإنسان والتاريخ والكون؟ كيف نكَّون سؤالاً راهناً في حياتنا الفكرية؟ وماذا يعني كونَّ السؤال اشكالياً لماهية أي تفكير من هذا الصنف؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى