أحمد رجب شلتوت - سهير المصادفة.. أبطالها الروائيون هم المهمشون

قبل عشرين عاما أصدرت سهير المصادفة ديوانها الأول “هجوم وديع”، ثم أردفته بالثاني “فتاة تجرب حتفها” الفائز بجائزة أندية فتيات الشارقة للشعر، لكن الثالث لم يصدر بعد، فالشاعرة أصدرت عددا من الكتب المترجمة، كما أصدرت خمس روايات. وبالرغم من ذلك تؤكد أنها لم تهجر الشعر، وتقول “لم أنشر ديوانا ثالثا لكن لم أهجر الشعر، النشر غير الكتابة، فمازلت أكتب الشعر ولكنني لا أنشره، ربما بسبب مناخ النشر، وربما بسبب تورطي في مشروعي الروائي الذي يحتاج كل وقتي، ومن المستحيل أن يهجر الشاعر الشعر، فالشعر يمثل عمودا رئيسا في رواياتي الخمس الصادرة”.
الشاعرة روائية

لم يعد انتقال الشعراء إلى كتابة الروايات خبرا مدهشا أو غريبا، بل بات من المألوف والعادي، حيث امّحت الحدود ما بين الأجناس الأدبية، وبتنا اليوم نتكلم عن الكاتب الذي يجب أن يجيد مختلف صنوف الكتابة
عن ملاحظة ورود شعراء لنبع الرواية مع عدم حدوث العكس، أي تحول روائيين لكتابة القصيدة، تقول سهير المصادفة “في الواقع الحدود غير موجودة بهذه الصرامة بين الأنواع الإبداعية، فكل شعراء العالم كتبوا الرواية والمسرحية والقصيد الملحمية، المهم أن يكون المبدع حقيقيا عندما يقفز بخفة من جنس إبداعي إلى آخر، الكثير من الشعراء لم ينجحوا في كتابة رواية، كما لم ينجحوا في كتابة مسرحية، وبعضهم الآخر كان مدهشا في كل المجالات، فجيوكوندا بيلي مثلا هي شاعرة نيكاراغوا الشهيرة وهي في الوقت نفسه الروائية التي يترقّب المشهد الأدبي العالمي أعمالها”.
وتتابع ضيفتنا “تفسر الظاهرة نفسها بطبيعة الفن الروائي، فالرواية أكثر تسامحا من الشعر، ولذلك هي قادرة على حمل الأجناس الأدبية الأخرى على متنها، أما الشعر فهو يطرد من فضائه كلّ ما لا يشبهه، قلت في روايتي “رحلة الضّباع” على لسان البطل: إن الرواية صارت كتاب الحياة، وهي بالفعل هكذا هي الحياة بكلّ مفرداتها، وفي الحقيقة دائما ما كان هناك عبور للحدود بين الأجناس الأدبية ولا توجد مرحلة واحدة من مراحل الأدب تخلو منه، نحن نتحدث عن الانتقال من القصيدة إلى الرواية وأعتقد أنه ليس انتقالا وإنما هو المتوقع من الكاتب”.
أما عن رواياتها واتهامها بالانحياز لنون النسوة، فإن المصادفة تنفي ذلك، وتضيف قائلة “هذا غير حقيقي، فالبطولة في أعمالي الروائية موزعة بالعدل على النساء والرجال، ربما في ‘لهو الأبالسة’، كانت شخصية مها السويفي بطلة مطلقة، لأن الراوي كان بعدد من فصول الرواية بضمير الأنا المتكلم، ولكن مثلا روايتي الثانية ‘ميس إيجيبت’ قتلتُ البطلة مع أولى صفحات الرواية، وفي ‘رحلة الضباع” كان السرد بضمير الأنا المتكلم المذكر للبطل الصحافي جمال إبراهيم، وهكذا يتقاسم البطولة الرجل والمرأة. ومشروعي الروائي ليس نسويا، بل يهتم بطرح أسئلة الوجود والهوية، وبالتالي تحضر فيه مثلا السياسة، فأنت حين تتنفس تجد نفسك تثير دون قصد قضايا سياسية. مثلا: عن درجة تلوث الهواء! وجدلية القبح والجمال هي الملازمة لأحداث روايتي الأخيرة ‘لعنة ميت رهينة”.
وعن تكرار طرح سؤال الهوية في أعمالها مع أنه كان الهاجس الرئيس في رواية “رحلة الضباع” إلا أنها عاودت طرحه في “بياض ساخن” التي كتبتها عن فترة ما بعد ثورة يناير 2011، تقول المصادفة “أظن أن جميع مشاكلنا في مصر نابعة من فقدان الهوية، فمثلا مصر دولة متحضرة كانت فجر التاريخ ومهد الحضارات، ثمة شعور ما وغُصة تنتابنا عندما نتأمل رشاقة وأناقة رجال ونساء الفراعنة على جدران المعابد ثم نتأمل ما وصلنا إليه، كان المصري القديم يعترف بأنه لم يلوث ماء النيل، ونحن الآن نلوث الشوارع ومياه النيل ونلوث الهواء بأغان لا تشبه الغناء وزعيق لا يشبه الموسيقى، دعتنا الحضارة الإسلامية إلى أن نمنع الأذى عن الطريق، ولكننا نؤذي الطريق وسالكيه، ونمارس عدوانية على بعضنا بعضا ولا تنتمي لمكوناتنا الشخصية عبر التاريخ. نعم، أزمتنا أزمة هوية، وأشعر أننا كنا أكثر انتماء للهوية الإنسانية الكونية، والآن لدينا مشكلات مع قبول الآخر ومسامحته ومحبته”.

طرح لسؤال الهوية


القارئ لرواياتها الخمس يلحظ ثيمات أساسية تتكرر في عوالمها، فالموت يحضر دائما، وثمة استحضار للهامشيين وعوالمهم، أما الزمن فبنيته دائرية سواء في بنية المتن الرئيس للرواية أو في بنيات الحكايات الفرعية التي تتوالد بامتداد الصفحات، تقر الكاتبة بصحة الملاحظات وتفسر بأنه لا يوجد الزمن في رواياتها بشكل كرونولوجي.
وتضيف “أتحرك بحرية مع الزمن، وأسير عليه كما لو كان سجادة ممتدة منذ فجر التاريخ وحتى هذه اللحظة، أو كأنه كرة بينغ بونغ، أحيانا أريد الكتابة عن اللحظة الحاضرة فيزيحها الماضي ببساطة، وأحيانا أريد الكتابة عن ماضي أحد الأبطال فيزيح المستقبل حاضره وماضيه بدم بارد. أظن أنني أستخدم الزمن وفقا لبنية الرواية وشخوصها”.
وفي رواياتها غالبا ما نجد المثقف سلبيا وينتهي نهاية مأساوية، مثلما نجد الدكتور عبدالرحمن الكاشف، المحلل النفسي المسكون بهواجس التاريخ والهوية في رواية “ميس إيجبت”، تعلق المصادفة أنها لم تقصد أن تعاقبه، لكن الواقع هو من يفعل ذلك، فالدكتور عبدالرحمن الكاشف كنموذج للمثقف المصري وجزء من النخبة لا يستمع إليه أحد مثله مثل هذه النخبة، ولا يأخذ أحد آراءه على محمل الجد بل يسخر منه أحد الضباط مشيرا إلى جنونه، ونهايته جاءت شديدة الواقعية حيث مات وحيدا منسيا في عزلته. تلك العزلة التي فرضت على كل النخبة المصرية عبر سنوات تهميش السلطة لها أو تعذيبها للخلاص من الأسئلة التي تطرحها دائما حول الخير والعدل والحق والجمال.
وتتابع الكاتبة “لقد اعتمد الشعب المصري من وجهة نظري لأسباب تاريخية كثيرة على النخبة، ومع الأسف خذلته النخبة التي انتبه لها نظام أمني شرس عمل على إضعافها في الوقت المعاصر بمؤامرة تدجينها في السلطة أو قهرها أو ببساطة التخلص منها أو وضعها في دوائر فقر بعزلها عن جماهيرها لم تستطع الخروج منها بعد ومن ثم بدا عبدالرحمن الكاشف وكأنه عدمي أو سلبي”.

كذلك لوحظ على الكاتبة أنها تختار بطلاتها من بين الجميلات، فمثلا مها السويفي في “لهو الأبالسة” كان جمالها أسطوريا وكذلك نفرت جاد في “ميس إيجيبت”، نسألها هل الجمال شرط عندها لتمنح الشخصية شارة البطولة؟، فتبتسم وتجيب “المهم أن تكون الشخصية ملائمة لدورها في الرواية، وأنا أوافق على قراءة كبار النقاد الذين رأوا في البطلتين رمزين لمصر، كما أن الثيمة الرئيسة في الروايتين كانت صراع القبح/الجمال، مصر ذات التاريخ الذهبي وما آلت إليه الآن، ورغبتها المستميتة في أن تنقذ نفسها من الغرق في الغيبيات والفكر الأصولي وهيمنة الرؤى المتخلفة إزاء العديد من القضايا المصيرية، هذا كله استوجب أن تكون البطلة جميلة”.
أما عن دلالات الأسماء، فهي دائما ما تختار للشخصية اسما دالا عليها، ومبيّنة لطبيعتها مثل نفرت وعارف والكاشف وتاج العريان، وثمة أمثلة مشابهة في كل رواياتها، وترى المصادفة أنه من الطبيعي أن يفعل الروائي ذلك، وتضيف قائلة “صدقني أندهش كثيرا عندما لا يختار الروائي أسماء أبطاله بعناية، فهو حرّ ولم يفرض عليه أحد هذه الأسماء، كما أنه لا ينقل الواقع نقلا حرفيّا ليضطر إلى اختيار أسماء غير مناسبة لأصحابها، أبطال الروايات يجب أن يُعتنى بكل تفاصيلهم السردية وأولها الأسماء، تصديقا لمقولة: لكل من اسمه نصيب”.
أحمد رجب
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى