محمد بوهام - السادية بين الوحشية والإنسانية

تعد السادية واحدة من الظواهر الخطيرة التي تهدد استقرار محيطنا الإنساني وتجعل من قاطنيه عرضة للتهميش والتعذيب، بيد أن ما يزيد من حدتها هو أنها تَحدُث بين الإنسان وأخيه الإنسان، إذ يتحول هذا الأخير أثناء ممارسته لهذه الشناعة إلى وحش فاقد للرحمة، يفعل في الآخرين أشياء مقرفة قد لا تتحملها القلوب الضعيفة، إن الهدف الأسمى وراء كل هذه الممارسات البشعة، هو تحقيق غايات عجيبة معاكسة تماما للطبيعة الإنسانية، من بينها "المتعة" و"التلذذ"، قد يتساءل الجاهل لمعنى السادية ويقول: ما السادية؟ وما مراتبها؟ وما علاقتها بالبعد الإنساني؟ وكيف تُمارس على الضحايا؟ ولماذا؟ وما آثارها على الضحية؟ وما امتداداتها؟ كلها تساؤلات مشوقة تستفز كل شخص ينتظر الجواب عنها بفارغ الصبر، ومن هذا المنطلق سنحاول توضيح هذه الأشياء ساعين في ذلك إلى الكشف عن خباياها الباطنة وسبر أغوارها.​

قيل إن تسمية هذا النوع من الاضطراب "بالسادية" راجع إلى أديب فرنسي اسمه "ماركيز ساد"، الذي سخر شخصيات رواياته للتعبير عن هذه المنعطفات القهرية التي تمر من خلالها لتحقيق اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الآخرين، وعليه، فإن "السادية" في عموميتها ما هي إلا مرض فتاك تطبعه مجموعة من السلوكات الوحشية والعدوانية، التي يتخذها الشخص السادي مصدرا لتحقيق اللذة ومرهما لإطفاء نار حقده الملتهبة.​

بالرغم من كون طريق هذا الموضوع وعرة وشائكة، إلا أننا سنسعى جاهدين إلى محاولة تبيان ما هو رئيس وكفيل بتوصيل المعلومة، ومن هذا المنطلق، فإن درجات هذا الاضراب لا تنحصر فقط في قسوتها كما أشارت بعض الدراسات، بل هناك درجات أدنى منها بكثير وهي تلك السادية العادية، التي غالبا ما يقال عنها مقبولة تتحدد فقط في النفس، قد ينتج عنها تشويش واستفزاز للآخرين لكنها لا تعنفهم جسديا، أما الخفيفة، فهي سادية ينحصر فيها إلحاق الأذى بالآخرين وذلك عن طريق الترهيب والتخويف وليس كما هو الحال في السادية الإجرامية، التي يصل التعنيف والتعذيب فيها لدرجة القتل وهذه هي الأخطر.​

استنادا إلى ما سبق، وعودة إلى شخصية الأديب الفرنسي "دي ساد" فكما هو معلوم لدى دارسي علم النفس الإكلينيكي، أن هذا الروائي قد جعل كل أبطال رواياته يتمتعون بالرفاه والثراء والسلطة المطلقة، مما يعكس عمل هذه الشخصيات إلى تصوير عالم الاستحواذ والطغيان الذي سيجعلهم يتخذون مواقف غريبة تبررها اللذة النادرة، التي لا يمكن اكتسابها إلا بالمال من قبيل شراء البشر وتملكه والتصرف فيه كما يريدون وبالطريقة التي تريحهم.​

إن الإنسان في غالب الأمر هو الكائن الوحيد الذي يستطيع زرع الرعب والهلع في النفوس عندما يأتي بمثل هذه الجرائم البشعة، حيث تغيب فيه جميع الصفات الإنسانية مقابل تقمص الوحشية بكل ملامحها، كيف لشخص عادي أن يتقبل فكرة التلذذ بتعذيب بني جنسه من البشر؟ فلو وقع ذلك بين الحيوانات مثلا لما استفزنا الأمر ولما استغربنا في الواقعة.​

لكن العجيب في ذلك أيضا هو أن الإنسان السادي عندما يمارس عاداته المريضة على ضحاياه، فإنها تأتي متنوعة ومختلفة من شخص لآخر، كل وطريقته في إشباع لذاته ورغباته، فمنهم من يقوم بوخز الضحية باستمرار، ومنهم من يعنفها عن طريق عضها أو ضربها وذلك قد يستمر إلى حين وفاتها. لا تقف طرق التعذيب فقط في ما ذكر، بل تمتد إلى ممارسات أخرى بشعة، كتصفيد الضحية أو حرقها أو صعقها بالكهرباء أو الاغتصاب المرافق لمختلف أصناف التعذيب، أو قتلها خنقا أو بترها وغير ذلك من الممارسات الفظيعة.​

وانطلاقا من هذا الوعي بموضوع السادية، نتوجه لذكر أصناف بشرية أخرى تدفع الأموال الباهظة مقابل الاستمتاع بمشاهد مرعبة متنوعة، تختلف مبالغها حسب قسوة المشهد، فمنهم فئة تتلذذ عند رؤيتها الضحية تقتل أمامهم مباشرة وبطرق بشعة، وقد يكون ذلك مرفوقا بالتصوير لتوثيق اللحظة وضمان العودة إليها عند الحاجة، وفئة أخرى قد تفضل رؤية أعضاء ضحية ما تبتر واحدة تلو الأخرى، وقد توجد فئة ثالثة تستمتع برؤية أحدهم يغتصب أمامها وغالبا ما يكون ذلك تلذذا بالانتقام، لقد تعددت أصناف التعذيب والتشويه لدرجة أنها لا تنحصر فقط فيما ذكرناه وإنما هناك مزيد، كما أن ذلك تتدخل فيه شبكات تجارية مظلمة صعبة الاكتشاف تعمل كوسيط يسهل عليهم عملية المحاسبة والاتفاق على الأمكنة والأثمنة.​

وجملة القول، يصل بنا فرويد بعد توغله في هذه المسائل إلى وجود اضطراب نفسي آخر يسمى "المازوشية" الذي اعتبره امتدادا للسادية، لكن هذا النوع لا يمارس على الآخرين كما السابق وإنما يرتد على الشخص نفسه، أي أن المصابين بالمازوشية يقومون بتعذيب أنفسهم، إما عن طريق وخز جلدهم أو صعق ذواتهم بالكهرباء أو أنهم قد يحرقونها أو يبترونها إلى غير ذلك من الأصناف البشعة، حيث نجد من بين أبرز الأسباب التي قد تُسقط الإنسان في هذه المراتب المتقدمة من الأزمات النفسية، توالي العقد النفسية الحادة أو الإحساس بالذنب والحكم المستمر على الذات بالفشل والضياع.​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى