نائل الطوخي - الطرف الأقصى للكابوس

في أول نوفمبر وصلت إلى هيئة تحرير باب "فسر أحلامك" بجريدة النور اليومية ذائعة الانتشار رسالة من أحد القراء يروي فيها حلمه. كان كابوساً شديد الوطأة. استفاض القارئ الكريم في شرحه مستعينا بتعبيرات أدبية غريبة مثل "مهول" و "انهيار" و "دبيب غامض" و "حيثما أريد الهواء لا أجده" . شيء وحيد نقص الرسالة. كان هذا هو ديباجة تختم بها هذه الرسائل عادة, ديباجة هي سؤال من ثلاث كلمات: "فما معنى هذا؟". بدا كأن القارئ يريد أن يروي كابوسه بهدف روايته ليس إلا و ليس بهدف الاستفسار عن تفسيره. أضاف المحرر الديباجة إلى الرسالة و شرع في الرد على السؤال الذي لم يسأله القارئ. بعدها بأقل من شهر وصلت نفس الجريدة رسالة أخرى, من نفس القارئ, مجدي أمين عبد السيد من حدائق القبة, يروي فيها حلماً مختلفا كليا, ورديا و ناعما. لا يبدأ الحلم في التحول إلى كابوس إلا في مراحله المتأخرة. يكتشف القارئ فجأة أن فتاة الليل الجميلة في منزله تخفي تحت سوتيانها مطواة, بل و أكثر من ذلك, يكتشف عدم وجود ثدي أصلا, و أن هذا الانتفاخ هو مجرد موطن لأسلحة بيضاء كثيرة و ثعبان واحد, دقيق الحجم, يهرب من سوتيانها بحرية و مكر. أيضاً لا يذيل القارئ الرسالة بالديباجة التي هي أهم من الكابوس ذاته, و أيضا يضيفها له المحرر الذي نسي كلية الرسالة المرسلة قبل ثلاثة أسابيع, الرسالة المرسلة من نفس الاسم, مجدي أمين عبد السيد.
يجلس مجدي في بيته بحدائق القبة ليكتب كابوسه القادم. الكابوس المقرر له أن يحلمه بعد أسبوعين و أن يرسله إلى جريدة النور. كانت هذه المتعة الوحيدة له, صياغة الكوابيس, تأليفها, ضبطها بحيث تشابه الكوابيس الحقيقية, ثم روايتها. في كابوسه الحالي كتب مجدي عن رؤيته رجلين و امرأة يتقدمون نحوه. كانوا طوال القامة. وجوههم بلا ملامح. فقط بروزات طفيفة جدا مكان الأنف و الأذنين و العينين. يشعر مجدي بالخطر من تقدمهم, خصوصا و هو يراه فقط, فبرغم الصمت الرهيب في المكان من حوله لم يكن يسمع لتحركهم صوتا. يقول في نفسه: لعلهم ملائكة. غير أن الرعب الذي يشعر به في قلبه جراء تقدمهم لا ينبئ بذلك. يقول في نفسه لو تقدمت أنا نحوهم و ظلوا هم ثابتين لأكلوني أكلاً, مش كدا؟ ينتبه إلى صدور أصوات خافتة من خلفه تهيب به أن يتقدم تجاههم فعلا. يلتفت فلا يجد أناسا و إنما كائنات قصيرة و لا يسمع إلا فحيحا خافتاً يغويه بإلقاء نفسه إلى حتفه. كان هذا هو بداية لسلسة كوابيس طويلة سيكتبها مجدي عن تقدم المجهولين نحوه, و تفكيره أو إوشاكه الوقوع في فخ أن يقترب هو منهم. نجحت سلسلة الكوابيس هذه بسرعة فائقة. نشرتها الجريدة بدون حذف كلمة, و إن أضافت لها السؤال البديهي: فما معنى هذا, في نهاية كل كابوس, و أبرزتها على صفحاتها الداخلية.
يوميا كان مجدي يسهر على كابوسه القادم, يعدله ويضيف له تفاصيل يغرقه بها, و النهاية دوما هي ما تكون هي نفسها, تفكيره في التقدم نحو المجهولين ثم نسيانه هذا و استيقاظه. استهلك مجدي في أسبوع واحد كتب فيه ثلاثة كوابيس متوالية ما يقرب من خمسين علبة سجائر, كان يبدأ العمل منذ الثامنة مساء حتى الثالثة صباحا. أما في باقي اليوم فلقد كان يأخذه السؤال: ماذا سيحدث لو تقدمت نحوهم. خف وزنه كثيرا و خطرت له فكرة مرعبة أدرجها على الفور في كابوسه المتواصل: جسده مثقوب, ثقوب رفيعة في كل مكان, بما فيه بؤبؤي عينيه وشعيرات ذقنه. هذه الثقوب ناجمة عن الاستنزاف الذي يسببه له كابوسه و صياغته. هكذا فكر حرفيا, ثم انتبه: لكأن كابوسي شيء و صياغته شيء آخر, أي لكأني أحلم حقا, المهم, عاود التفكير: ثقوب طويلة تمتد من جانب الجسد إلى جانبه الآخر, يخترقني الهواء و التراب, تتسرب البرودة إلى دمي, و الأهم من كل شيء, عبر هذه الثقوب, هكذا يفكر هو, سيمكن للساعين لتسليمي, الكائنات من خلفي التي تحثني على التقدم نحو المتقدمين تجاهي, أن يروا الساعين لقتلي, و سيمكن لهم, بدلا من أن يسلموني أنا لهم ليفترسوني, أن يسلموهم هم لي ليفترسوني كذلك, أن يهيبوا بهم هم أن يتقدموا نحوي, مادام الصوت سينتقل عبر ثقوب جسدي, و النهاية واحدة, و من لم يمت بالسيف مات بثعبان هارب من ثدي.
مجدي, الذي حافظ على نفسه جيدا من الاستجابة لإغواء التقدم نحو المجهولين, كان ضعيف الثقة بالناس, خصوصا لو كانوا يندرجون تحت ما يسمى بالآخرين. لذا لم يستبعد على المتقدمين الاستجابة السريعة إلى الساعين للتسليم, حتى لو كانوا ساعتها يسعون لتسليمهم هم لا هو, و الفارق ضئيل بين الحالتين. أرعبه هذا, و في ذات الوقت استثارته فكرة أن تأتي نهاية الكابوس أخيراً, و بيد غير يده. بدأ يفكر ساعتها فيما يمكن أـن يحدث لو أتوه هم. لو اخترقوه من ثقوب جسده, و لو سكنوه. دوما ما كان الكابوس الذي يكتبه ينتهي عند هذه النقطة: الكائنات القصيرة تهتف. شدة إغوائها, الموجه للقتلة, تزداد, حتى أنها تكاد توقعه هو نفسه, في حبائلها. يشهد اختراق الصوت لجسده و انتقاله إلى الساعين لقتله, و يشهد نظرات تعاطف القتلة تخترقه لتتوجه إلى المغوين قصار القامة, كل هذا عبر الثقوب التي صارت تهرءات في أماكن بعينها من جسده. الإيقاع يتزايد تدريجيا و لكن لا شيء يحدث, لا يصله القتلة أبدا. جننه هذا. كان يكتب كابوسا لا يستطيع فيه الوصول لنقطة ما هي ما يحتاجها بشدة. انعزل في البيت عله يستطيع وضع النهاية المحتومة لكابوسه و لحياته. فكر في هذا ثم توقف: حياتي؟ لم تكن حياته هي المهددة و إنما شيء آخر, يعرفه ولا يستطيع تحديده, مهدد من قبل الفوضى الرهيبة التي ستسود إذا ما وصله المتقدمون تجاهه, و هم تدريجيا يتخلون عن هويتهم كقتلة و يستقرون في هويتهم الأصلية, أي باعتبارهم "متقدمين تجاهه" فحسب, هكذا أخذ يكتب في كوابيسه التي صار يرسلها يوميا و تنشر بشكل منتظم, و لأن الكوابيس كانت تتجدد دوما, فلم تفقد متعتها في أعين محرري صفحة "فسر أحلامك" و لا في أعين قراءها. كل شيء لاحظه المحررون, بل و أرادوا أن ينتهي الكابوس بذروته المتوقعة, وصول المتقدمين إلى مجدي. أرادوا حث المتقدمين على هذا. خشوا على هذا الشاب من حريق عدم الوصول إلى الأورجازم, وبحسن نية تام, أضافوا جملا إلى الكوابيس التي كان مجدي يرسلها إليهم. الجمل القليلة التي أضافوها تتعلق بشخصية المغوين قصار القامة في الخلف. جعلوهم أكثر قصرا عما هم عليه, و جعلوا أصواتهم أكثر لزوجة. قدم المحررون الصحفيون الدعم إلى المغوين. أرادوا لهم عملا أفضل كي يصل أخيرا المتقدمون إلى مجدي فيريحونه و يريحون القراء الذين صاروا يتابعون التدهور النفسي لهذا الشاب عن طريق متابعة كوابيسه. أرسل مجدي بكابوس إلى جريدة النور تحدث فيه عن "الكائن النهم الذي يبدو أرجحهم عقلا" فأضاف المحرر "و أقواهم تأثيرا على الرجال الثلاثة الذين يتقدمون نحوي, و الذين صاروا الآن يتعاطفون مع النداءات الموجهة له أكثر من أي وقت مضى". و نشر الكابوس مذيلا ب"عن مجدي أمين عبد السيد بتصرف".
مهد هذا لانقلاب لاحق, بدلا من نشر الكابوس باسم مجدي صار ينشر كخبر طويل من إعداد محرر صحفي. و صار يتصدر الصفحات الأولى في الجريدة. ثم أصبح ممكنا الآن انتشار مجدي على صفحات مختلفة للجريدة, ففي باب "أنت تسأل و نحن نجيب" و الذي هو مختلف كلية عن صفحة الأخبار و عن باب "فسر أحلامك" كتب مجدي أمين عبد السيد سؤالا إلى هيئة الجريدة: "أريد أن أعرف, متى سيصلون إلي؟". لم يضف كلمة, و لأن السياق الذي كتب فيه مجدي سؤاله و الذي سيقرأ فيه المحررون والقراء السؤال كان أليفا بالنسبة للجميع فلم يتوان المحرر عن الرد مشيرا إلى دوره في شد أزر المغوين قصار القامة: "لا تيأس. نحن نقوم بدورنا. حاول أنت أيضا الاجتهاد أكثر من ذلك". كذلك لم يضف المحرر كلمة. و لم يكن في ذلك أي شيء غير مفهوم بالنسبة لقراء الجريدة. مجدي صار الآن مسكونا بكتابة كوابيسه (ينتبه ثانية: كأن الكتابة شيء و الكوابيس شيء آخر, فيما بعد لن ينتبه لهذا الأمر). صار مجدي ماهرا في زرع كوابيسه بالموسيقى و الإضاءة و المؤثرات الملائمة. شيء واحد لم يستطع فعله, الوصول إلى الفوضى النهائية التي ستنهي كل شيء, ثم شيء آخر, و يلزم لمعرفته أن نغوص قليلا في عالم أحلام بطلنا الشاب. حلم مجدي بكل شيء تقريبا في حياته. حلم بالأقارب و الأباعد و بالقصور و الأسلحة النارية و الكائنات الخرافية, بكل شيء, ما عدا بالكوابيس التي كان يكتبها. و هذا دقيق للغاية. كأن مجرد جلوسه على المكتب لكتابة كابوس جديد لم يكن يوحى إليه أو يسر إسراراً إلا بالمشاهد التي لم يرها في أحلامه, بلا انحراف واحد نحو ما رآه فعلا على مدى سني عمره, أو تذكر غامض لكابوس قديم. في البدء كان يكتب كوابيسه متلذذا بثرائها و غموضها, فيما بعد عرف أن هذا الغموض إنما سيظل أسيرا للأوراق و لن يخرج أبدا إلى أحلامه الحقيقية, و كأنه موصوم, و سيظل, بنقص ما, بعدم التحقق.
في مناخ مشحون كهذا كتب مجدي كابوسه الأطول, عن المتقدمين تجاهه و المغوين قصار القامة, و عزم على إخراج هذا الكابوس, و بتحديد التحديد, المشهد الأخير منه, إلى حيز الواقع, و ليس فقط إلى أحلامه. هذا المشهد الأخير الذي لم يكتب, و الذي ظل مجدي عاجزا عن كتابته حتى هذه اللحظة, هو ما وقر في ذهنه أنه سيعاينه في الواقع, ليس تقدم المتقدمين نحوه, و إنما حلولهم فيه, أو قتلهم إياه, أو احتراق الجميع سويا, الكائوس النهائي هو ما سيراه مجدي أمين عبد السيد بعينيه في واقعه الضيق, فقط إذا استطاع كتابته. عرف المحررون الصحفيون هذا, و ساعدوا مجدي كما أسلف على إكمال العمل, و عرف مجدي بأمر مساعدتهم, و في غزل متبادل بين الجانبين, كاتب الرسائل و محرريها, صار مجدي يضيف إلى أبطال كابوسه, خلف المغوين قصار القامة, أي على أطراف كابوسه, من عرفهم من المحررين, كي يشدوا من أزر المغوين, كتب أسماءهم و ذكر صفاتهم, و داعبهم بلطف كثيرا في كوابيسه.
في مكاتبهم بالجريدة, تلقى المحررون هذه الهدية بفرح, تردد أسمائهم في الأحلام الأكثر قراءة للبطل المطلق للجريدة, و قد وضعت في خانة الخيرين, في كابوس مرعب لم يكن به مع ذلك أشرار أبداً, و إنما أناس عليهم الوصول لفوضى مستحيلة, و ضحية لا يعرف لأي شيء هو ضحية أكثر, للفوضى أم لعدم الوصول إليها. و لفرح محررة صحفية بهذه الهدية الثمينة, التي ضاعفت عدد مرات تردد اسمها في الجريدة, حلمت بمجدي مرة في كابوس مقبض, رأته كائنا نبيلا و مثقوب الجسد, محاطا بهالة من القداسة مثقوبة هي الأخرى, ثم صارت كوابيسها التي ترى فيها مجدي عادة يومية. بدأت بعد ذلك الكوابيس تتطور في اتجاه واحد. صارت تحلم بنفس الكوابيس التي دأب مجدي على إرسالها لهم. عند عودتها في الصباح إلى عملها كانت المحررة الصحفية تفاجئ بنفس الكابوس و قد رآه زملاء لها في الجريدة. مع تغيرات تختلف بين كل واحد و الآخر منهم.
 ماذا كان يمكن لمجدي أن يفعل إذا ما عرف بأن المحررين الذين داوم على رواية كابوسه لهم منذ سنوات ثلاث, قد رأوا كلهم الكابوس الوحيد الذي تمنى لو يراه هو, صاحب الكابوس الأصلي, و لو مرة واحدة في حياته, في واقعه, لا على ورق الجرائد؟
و قد عرف. كان هذا ناتجا عن تطورات جوهرية طرأت على صياغة كوابيسه في الجريدة, فلأول مرة يجرؤ المحررون ليس فقط على الإضافة إلى كوابيسه بل على التشكيك فيها و دحضها. لأول مرة ترد تعبيرات مثل "ادعى مجدي أمين عبد السيد بالأمس في تصريحات منافية للمنطق أنه رأى...... هذا و قد تحقق لدينا من مصادرنا الخاصة زيف هذه الرواية". كانت كوابيس هيئة التحرير تختلف في تفاصيل دقيقة عن الكوابيس التي كان مجدي يؤلفها. دار الاختلاف حول عدد ثقوب جسد مجدي, أو الألفاظ التي استعملها المغوون قصار القامة في حثهم للمتقدمين على التقدم, ثم بدأ الاختلاف ينحو منحى أكثر راديكالية. وصل أربعة محررين إلى أورجازمهم في كوابيسهم فعلا. التحموا بالمتقدمين, استشعروا سخونتهم في أجسادهم. ظلوا ملتحمين بهم دقائق عدة قبل أن يستيقظوا, بينما كانت كوابيس مجدي التي يرسلها لهم تواصل تكرارها الرتيب لوصف خطوات المتقدمين التي تقترب ولا تصل.
و لأول مرة, يأخذ الهجوم على مجدي هذا الشكل الحاد في عرضه لكابوسه بالجريدة, هاجم محرر صحفي مجدي الذي مازال يواصل إرسال رسائله بينما مصادر الجريدة الخاصة أكدت أن الكابوس قد انتهى منذ أيام ثلاثة. مع هذا الهجوم نشر المحرر, في خطوة مفاجئة وصادمة, ملفا كاملا عن الكوابيس الثلاثة التي رآها صحفيون ثلاثة في الجريدة تفيد كلها بأن خلاص, فينيتو, انتهى, بح, هكذا ذكر المحرر بعصبية غير مفهومة, و مع هذا الانزعاج من القارئ اللحوح فلقد انتاب جميع الحالمين فخر خفي, لكونهم رأوا الشيء الذي لم يستطع كاتب الكوابيس, و هم يعتقدون أنه حالمها أيضا, أن يراه, كأنهم كانوا يتقدمون نحوه طول الوقت, يقتربون من أحلامه, يتسللون كثلاثة أشخاص, يحلون فيه شيئا فشيئا, مستقرين و هانئين بلا أدنى وخز ضمير, يحلمون بحلمه الأقرب إلى قلبه.

في اليوم التالي لنشر ملف الكوابيس انقطعت الكهرباء عن جريدة "النور" لأربع ساعات متواصلة. حدث ذلك بعد انتصاف ليل القاهرة بدقائق. عاشت الجريدة في ظلام رهيب لساعات طويلة. لدى عودة الكهرباء اكتُشف اختفاء ثلاثة من محرريها الصحفيين. علل البعض هذا بأنهم انصرفوا في الظلام و استخدم البعض وصف "هرب". غير أن هذا كان مجرد احتمال من احتمالات بلا عدد, فلم يكن أحد قادراً على أن يرى ما يحدث في الظلام.

و برغم كل شيء, مجدي جالس الآن على مكتبه, عيناه مفتوحتان بقلق عميق, عينان هي لواحد في حالة عدم إشباع شديد, بل و تعود على الوصول إلى أقصى حد لعدم الإشباع هذا, أي إلى الأورجازم الخاص بعدم الإشباع, يكتب كابوساً عن محرري جريدة النور التي أرسل إليها رسائله قديما, و هم يواجهون أناساً طوال القامة, يتقدمون نحوهم هذه المرة, لا نحوه, و هو جالس في الخلفية يراقب و يفح بعبارات من نوع "هاكم هم فاذبحوهم" و يمد واحدة من المتقدمين بمطواة صغيرة و ثعبان دقيق الحجم تدسهما في سوتيانها الذي ينكشف أخيراً عن فراغ كبير, قاع بلا ثدي.



* كاتب من مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى