مقاربات نقدية لعروض مهرجان المونودراما اونلاين لليوم الثالث

مقاربات نقدية لعروض مهرجان المونودراما اونلاين لليوم الثالث



#عرض ( سكر مر ) من سوريا ..جدلية الحضور والغياب

بقلم حيدر عبدالله الشطري/ رئيس لجنة النقد
يتأسس الخطاب المسرحي الواعي المعبر تعبيرا حياً عن آمال وتطلعات الانسان على اعتباره انه يتشكل وفق تطور العملية المسرحية ومنظوماتها التعبيرية والجمالية والفكرية , وكذلك عندما ترتبط هذه العملية الابداعية بأواصر علائقية وثيقة مع كل المتغيرات في المنظومة السسيولوجية المتحركة باتجاهات جديدة وفي احايين كثيرة.
وان عملية التوازن بينهما هي من يحدد ملامح هذا الخطاب الذي سيتأسس ملائما لاستيعاب واحتضان طروحات لا تذهب بعيدا عن الواقع...ومعنى الحضور والغياب باعتبارهما ثنائية جدلية يتوقف عليها مصيرالوجود الانساني في الكثير من المناسبات بكل الامه واوجاعه ومعاناته , يعد موقفاً فكريا تَناوله الادب كثيرا والمسرح خصوصا كونه ارض ثرية وخصبة لاجتراح نص ابداعي درامي يشتغل في منظومة هذا الوجود والذي يبحث فيها كثيرا الخطاب المسرحي الفاعل الذي يناقش مشاكل الانسان في كل زمان ومكان .
وتتباين نظرة الكتاب في هذه الجدلية وفقاً لمعانيها ودلالاتها ورسوخها في متبنياتهم الفكرية وطريقة تعبيرهم عنها بما تمليه عليهم نظرتهم الخاصة لها .
ويتجلى ذلك في عرض ( سكر مر ) الذي يبحث في معنى الغياب الذي دائما ما تعاني منه شخصية المرأة في نصوص الكثير من كتاب المسرح العالمي والعربي والمحلي , ويتكرس ذلك في نصوص الكاتب الاسباني فردريكا غارثيا لوركا وخاصة مسرحية ( الانسة روزاليتا العانس ) والذي اعتقد ان نص عرض ( سكر مر ) قد اعد عن هذا النص .

النص :ـــ
يرتكز نص عرض ( سكر مر ) على معاناة امرأة عانس وصلت الى عمر الخمس واربعون سنة وهي بانتظار حبيبها الذي تركها منذ خمس وعشرون سنة حتى تصل اخر رسالة من تخبرها بانه قد تزوج .
ويقول أحد النقاد ( إن شخصية روزيتا العانس في المسرحية التي تحمل اسمها تشبه إحدى قريبات لوركا ) بمعنى انه كان قريبا على هذه التجربة الانسانية المريرة الذي استطاع ان يجسدها بكل تفاصيلها وقد عرف عنه انه قد تناول الكثير من مشكلات المرأة في نصوصه التي كتبها .
لقد اراد لوركا في هذا النص ان يكرس صورة العزلة في حياة ( روزاليتا ) وهي بالتالي صورة لنساء كثيرات او ( روزاليتات ) تتوزع على كل المجتمعات وتعاني منها الكثير من النساء في اماكن كثيرة من العالم وفي كل العصور.
وقد احسنت المعدّة ( وفاء غزال ) في استثمار هذه العزلة والتهميش في تشكيل فضاء مسرحي منغلق لحياة امرأة في عرض مونودرامي يشترط ان يكون للعزلة فيه دورها في حياة البطل ومن ثم يأتي البوح ليلعب دورا اخراً يعبر عن نفسية منكسرة وغير متوازنة نتيجة الفعل المأساوي الذي وقع عليها.
استطاعت المعدّة ان تجترح من النص الاصلي منولوجاً طويلا واعادة انتاجه وفق رؤية خاصة ترتكز على بناء درامي افقي يسير باتجاه تأكيد معاناة الشخصية ويستمر لتعزيز فكرة النص وبتوأمة فنية مع طبيعة العرض الخاصة وبتحقق هذا الانسجام نكون امام نص مونودرامي لا يذهب بعيداً في طروحاته اكثر مما يتطلبه نص الممثل الواحد او الصوت الواحد مع حاجة النص لاستحضارات واستدعاءات اكثر للشخصية التي تدعم فكرة الحضور المنعدم بوضوح والغياب الحاضر بقوة .

العرض :ـــ
كانت مقدمة العرض وممثلته الوحيدة على وعي كامل بالمعطيات المحدودة لها في تسيير عرضها نحو مثاباته التي تسعى الى وصولها وكانت امام تحدي كبير في محاولة تجاوز ذلك وقد لجات الى معالجات فنية استطاعت ان تتخلص فيها من الارتباكات التي من الممكن ان يقع فيها العرض فكان لجوؤها الى تحويل غرفتها الى خشبة للعرض واحدة من هذه الاساليب التي انتشلت العرض الى الضفة ستكون اكثر امناً وموائمة لتمرير افكارها وطروحاتها فكانت الغرفة خير مكان لامرأة تعاني من الغياب بفراش خالٍ ودواليب فارغة الا من اشارات الذكريات الاليمة وبدلة العرس التي لم تتوسم بلبسها الى الان , وقد كانت موجودات الغرفة تحوي الكثير من ادوات الغياب وتشي بعلاماته ودلالاته التي تتمظهر على سلوك الشخصية من بداية العرض الى نهايته , ولقد كان تأسيس هذا المكان وفقاً لافكار النص المعد تنم عن نضج فني يتلمس التجربة باعتبارها تحدياً يفضي الى طروحات جمالية يجب ان يتسم به العرض المسرحي الدال .

التمثيل : ــ
استطاعت ممثلة العرض ( وفاء غزال ) ان تجسد شخصية امرأة قد فاتها قطار العمر رغم صغر سنها بتمكن واضح وانسيابية في الاداء الحركي الذي تتطلبه الشخصية , وكانت على دراية كاملة بالانتقال السلوكي للشخصية والذي يتطلب منها تحولا ادائيا مستمراً في كل حالة من هذه الحالات التي تعيشها , وبذلك قدمت تنوعاً تمثيلياً كان يصور ( روزاليتا ) بكل بؤسها وانعزالها وتعبيراتها السيكولوجية المتعددة فتارة تضحك واخرى تبكي ومن ثم تغني بهارموني ادائي متماسك ومنسجم ومعبر .
فكنا امام ممثلة مُجيدة تمتلك ادواتها التعبيرية وتشتغل فيها حسب متطلبات الدور وتستطيع ان تكون قائدة لعرض طويل يعمل باشتراطات المسرح المتكاملة لأنها تعرف اسباب النجاح وتعمل عليها بوعي كامل.
واخيرا لابد من الاشارة الى ان اختيار هذا العرض لتقديمه في هذا المهرجان وفقاً لظروف الحجر الخاصة التي تحدثنا عنها في مناسبة سابقة هو اختيار دقيق يعبر عن خصوصية المرحلة التي تؤسس للعزلة ومحاولة الانتصار عليها وتجاوزها وبذلك جاء العرض منسجماً مع متطلبات هذه المرحلة ومؤرشفاً لها وسنتذكرها يوما ما ونقول اننا تبنينا موقفاً انسانيا يمليه علينا واجبنا الاخلاقي باعتبار اننا مسرحيون لا يمكن ان نستسلم لضغوطات خارجية دون ان نقف بمواجهتها لا سيما وان الاخرين ينتظرون ان يرونا هكذا...واقف بكل حب الى جمهور العرض الذي اقتصر على عائلة الممثلة ( الام , الاب , الاخت , الاخ) .




# مقاربة نقدية حول مسرحية ( حلمه ) من المغرب

بقلم – الدكتورة خلود جبار الشطري – عضو لجنة النقد
مهرجان محترف ميسان المسرحي الدولي للمونودراما اون لاين دورة عميد المسرح سامي عبد الحميد
مسرحية : حلمه
اعداد وتمثيل واخراج : أيوب نخزين / المغرب
مونودراما جسدت كابوس إنسان محجور داخل قصبان الكورونا والواقع الذي فرض على العالم أجمع .
فحوار الشخصية كان أقرب الى المنولوج الداخلي وفكرة انتظار شخص حالم وفكرة خروجه من قضبان هذا الكابوس بلغة عاجزة عن تحقيق التواصل الإنساني بين الأحباب والأصدقاء والبشر اذيقول الممثل أيوب نخزين :
كان ...حلماً ووجهي مرايا
وعيني تغمسها الدموع
ابعدي عنا أيتها!!!!!
سيري وخليني أنسى همومي وأشوف إ خواتي وأحبابي
و يقول ايضاً: تحول وجهي مرآة ً في المنام وكأنه أصيب بمصيبة ٍ أو أصبح مقيداً بسجن في المنام وهو ينتظر من يحرره من الكابوس الذي أحاط كل شيء من حوله وأبعد من ذلك .
وهنا استغل الممثل أيوب فكرة الإنتظار واشتغل عليها داخل قضبان حولته الى إنسان معدم مهمش منعزل تماما عن الأصدقاء والأحباب .
ماهذا الحلم الذي حول وجهي الى مرايا !
ماهذا اللغز الذي يحاصرني بين جدران أربعة !
حالم في عالم منعزل !
إن فكرة المسرحية هي رمزية صورة تعكس توقف الزمن وعذابات الإنسان بين محجره في جدرانه الأربعة فالرؤية الفنية للمخرج برزت تعابير وجه وحركات جسد ه و الديكور والاكسسوارات محاولاً في توظيف سينوغرافيا المكان بشكل جميل جدا , أما المؤثرات الصوتية فقد غلب عليها طابع جميل في إثارة وتحريك الشخصية الا ان صوت الشخصية كان يحتاج الى دفع اكثر من ذلك .
جهود تستحق المشاهدة مكللة بالتفوق والإرتقاء وعمل جسد قدرة أيوب على الخيال والمرايا والإنتظار شكرا ومبارك لك وانت ترتقي منصة الدار لتبدع .



#التحولات العلاماتية في سينوغرافيا العرض المونودرامي قراءة في مسرحية (حاوية) من لعراق

بقلم – الدكتورة ايمان الكبيسي – عضو لجنة النقد

تُبنى معادلة الفعل الجمالي للعرض المونودرامي على اساس العلاقة ما بين الممثل والعناصر البصرية الاخرى ومنها المنظر الذي يكون ضاغطا لاستمرار بيان ابعاد الشخصية المتعارف عليها، عبر انساق من التحولات العلاماتية لعناصر بنية هذا الشكل الدرامي، ما يقدم مثيرات عقلية وحسية متفاعلة توفر للمتلقي لذة جمالية تتباين بين شدة وخفوت على وفق استثمار تلك العناصر التي غاب الكثير منها في نوع من العروض المونودرامية (اون لاين) شكلت ظاهرة جديدة لها مالها وعليها ما عليها، الا انها شكلت تجربة تستحق الوقوف على اطلالها واستنباط نتائجها وايجابياتها والعمل على تطويرها وانضاجها، ونحن في زمن الجائحة الذي فرض علينا عزلة وابتعاد احترازي، يأتي المسرح ضاغطا جماليا فاعلا، ساعيا الى المتلقي، متنازلا عن تفاعليته واحتكاكه المباشر مع المتلقي الى التواصل (اون لاين) الذي ربما يفقد المسرح الكثير من امكانياته وجماله، لكنه يصرخ بقوة انه حاضر ومتواجد في الازمات، وهذا ما وجدناه في اعمال مهرجان محترفي ميسان المسرحي للمونودراما، ومنها مسرحية انضوت تحت عنوان (حاوية) ليخلق شفرة ذات مدلولات متعاقد عليها في ذهن المتلقي توحي بظروف وواقع الشخصية وهامشية مكانها، وهذا عُرفت به الكثير من العروض المسرحية ما بعد الحداثة في ذهابها الى الذات والامكنة المهمشة، فقد اختار (ابراهيم الشذر) من عنوان الحاوية دلالة تحيل إلى مدلولات سيسيولوجية وثقافية تعيشها الشخصية وتمثل الـ (الباكراوند) لها، متخذا من (الجوع ) ثيمة رئيسة للعرض وما لها من تأثير في السير الحدث وآلية بناء النص، بعد ان جعل من الجوع ضاغطا قصديا على كل قرارات الشخصية وتحولاتها اثناء العرض، فكان دافعا للشهادة ليس حبا للوطن انما حرصا على توفير غذاء ودواء لام مريضة، كما كان سببا في جعل الشخصية على استعداد لبيع قيمها(الشرف، الكرامة) في حضور الجوع، فالجوع كافر هو الثيمة الرئيسة التي وضُعت ضمن حدث دائري ينتهي الى حيث البداية التي انطلق منها الفعل كونه عمل مونودرامي.
تشكل نص العرض بصياغة فنية توافقت والذاكرة الجمعية لمجتمعنا العراقي، هادفا لمناقشة قضايا ومشكلات يعاني منها الناس، معتمدا على توليفة افتراضية بين الواقع المعيش ومشكلاته وزمن الحدث الافتراضي الذي ظهر مع انطلاق الفعل عبر اشارة صوتية توحي بدقات الساعة معلنة بداية الحدث او ربما احالة الى اننا نعيش الان هذا الحدث، ورغم انه اعتمد زمنا مفتوحا غير محدد، لكن مُعِد النص ومقدمه حاول تعريقه عبر علامات كثيره تشير الى معناها لدى الفرد العراقي، ومنها ما نجح في استثماره دراميا بعد التعاطي معه الى تحولات علاماتية متنوعة على سبيل المثال مكان خروج الممثل في بداية العرض وهو يحليه الى انه ( قبر، وقبو تارة وسريرا تارة اخرى، وتنور للخبز، منصة للمزاد)، هذا التعاطي الفاعل مع هذه القطعة المنظرية رمزيا واشاريا غاب في تعامله مع الحاوية التي اكتفى بمعناها الايقوني المتعارف عليه على سبيل المثال قناني تعبئة الوقود في مقدمة الفضاء احدى العلامات الايقونية التي تنزاح نحو تعريق الحدث في اننا وبرغم خيرات بلادنا غير المحددة لكننا نعاني الجوع والفقر، فكل شيء في الفضاء المسرحي لابد ان تكون له وظيفته داخل العرض وهنا قد يكون (ابراهيم الشذر) لجا الى وضع اللون الابيض في خلفية الفضاء كأنه يحيلنا الى تكفين الحدث او الشخصية وان كل ما نشاهده، لا يمت للحياة بصلة وقد عززه باللون الاسود عبر قطعة القماش السوداء التي لفت المكان بأغلب تفاصيله، فاللون الاسود رمزا يشير الى الموت على وفق مرجعيات المتلقي وموسوعته. وما جرى في توظيفه للمرآة التي شكلت الصورة الداخلية لذاتها وهو يحدثها عبر بوح من نوع خاص اتخذ سمة الحوارية ما وضعنا امام الجدلية القائمة لمفهوم المونودراما من انها تشكل على المسرح فعل(الصوت الواحد، ام الشخصية الواحدة، ام الممثل الواحد)؟
يتنوع الأداء في المسرح المونودرامي ما بين التقمصية والتقديمية مع اعتماد التقديمية على الطريقة التقمصية كأٍسلوب أدائي، وصولا الى هيمنة الشخصية (التقمصية) من اجل التوغل العميق في عوالم وتداعيات الشخصية الرئيسة، وفي هذا العرض كان الاداء التمثيلي فقد كان اقرب الى تقديم الحالة من تجسيدها بعد ان انزاح نوعا ما عن الجانب العاطفي والجسماني الذي ربما لو عمد اليه لكان احدث بواعث نفسية اضفت صدقا ادائيا بالغ التأثير في المتلقي، لاسيما في حواره مع الذات عبر المرآة وما يتطلبه من مهارة حركية وصوتية تؤهله لتقديم الشخصية وابعادها، وكذلك في خطابه الاحتجاجي ضد السلطة الدينية التي احال اليها الفقر والجوع كنتائج لممارساتها وتسلطها، لكنه لم يكن موفقا في اختياره لبعض الطقوس الدينية في لمحة احتجاجية على هذه السلطة في انه ذهب الى طقس محدد لطائفة دينية معينة ولم يذهب الى ممارسات عامة ضمن الدين الواحد.
لقد نجح (المعد/ المخرج) في استنطاق العديد من العلامات، عن طريق القطع المنظرية والالوان وبعض المؤثرات الصوتية والايقاعات، مع مراعاة ظروف العرض بوصفه عرض (كورورني) (اون لاين) حدد الكثير من الجماليات التقنية التي كان من الممكن استثمارها في العرض المونودرامي كالموسيقى والاضاءة وتأثير غيابها في الارباك الحاصل في بث العلامات والفصل بين علامة واخرى. وكان حاذقا في اثبات الواقع الكوروني على العرض الذي يفترض العزلة والتباعد، لاسيما في اظهار محدودية عدد المتلقين نهاية العرض والابقاء على تواجدهما ضمن التسجيل المعروض بوصفهما عائلته الصغيرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى