محمد ولد عبدو - من التالي؟ (قصة قصيرة)

mohamed_abdou.jpg


تتقلب الأجواء هذه السنوات كثيرا ، ربما لأني أحسها ، ربما لأني لم أعد أتقن إلا الشعور بتقلبات الجو ، تقلبات ترهقني منذ سنين ، أحس معها أن هناك عظاما هزيلة في طريقها إلى الرحيل .
أذكر السهرات البهلوانية التي كانت تميزني ، تميز أصدقائي ، رفقاء دربي

" سعيد ، محمد فال ، العتيق ، محمود ، المختار ، "

هؤلاء هم عتبات حياتي ، محطات شبابي ، قبل كنت أحس ببعض العنفوان الذي يتصارع مع حقيقتي حين ألتقي أحدهم ، حين نسير في الشوارع الضيقة وبعضنا يسند الآخر ونحن نحاول تذكر حماقاتنا القديمة ، حتى تذكرها نعجز عنه أحيانا ، كنا نتبادل القصص القديمة ونحن نضحك ، كان لكل منا صفة تميزه ، اشياء يتقنها ، كان سعيد الذي مات منذ عشرين سنة إثر مشاكل كلوية ـ تعاملت معه برعونةـ يتقن النكات فيداعبنا جميعا ، يلقب كلا منا بلقب مضحك ، " بوجناح / مليزم أحبيب / أقرشي / الديكراش / ، وأنا / المحكن " ، ـ طبعا لن تطلبوا مني أن أوزع الألقاب على اصحابها ـ حسب سعيد ـ ، لأن ذالك ليس من شأنكم ـ هذا هو سعيد " المشعور " عليه الرحة والرضوان ،


جميعهم كانو أشياء مهمة في حياتي ، لكن الرقم الأول والأهم فيها كانت تحتله زهرة حياتي " لالة " ،،،، نعم هي الآن زهرة تصارع الشيخوخة مثلي تماما ، لكن رغم كل الأزهار الشابة التي التي تنثر عبيرها على أرصفة الطرقات كنت لا أرى إلا زهرة واحدة ، قد تقولون أنها ذابلة ، لو قلتموها لقت ـ متأكدا ـ : أنتم لستم سوى مبتدئين في علم الأزهار ، إنها تتفتح كل يوم أمام ناظري ، نعم أراها تستند كل يوم و تتوكأ على عصاها وتمسك باليسرى حرقفتها ، وماذا في ذالك ؟؟؟؟!!! لقد كانت عادتها منذ عرفتها ، كانت تعشق عصاها وكانت تتوكأ عليها ايضا ، لقد عرفتها ذات شباب ـ أتكلم هنا عن نفسي ـ قبل اي لحظة متوكأة على تلك العصا ، لقد كانت سببا في إلهامي ، لست أذكر الكثير ،،، أعذروني فغريب على شخص في سني أن يتكلم عن الأزهار ،،، لكني أخشى أن تظنوا أني مجنون ، لأنكم ستكونون مخطئين ببساطة ، لم أعد أهتم بشيء الآن ، لكني مصر على على أن لا تصفوا زهرتي بالذبول ، حتى لو أستحقت ذالك ،

من حظ سعيد انه مات قبل الجميع وحيث كان يتمتع بالشباب ولم بذق ضعف الكهولة وامراضها ,

"محمد فال" ، أو" أقرشي " كان نحيفا ورشيقا جدا ، سريع الحركة ، كان يوقعنا في المشاكل ـ ونحن صبيان ـ ثم ينجو بنفسه ..... كيف تسألني ، كيف ؟؟؟ ، إنه سريع جدا ، وخفيف الخطوات ـ مشكلة هذا الجيل أنهم لا يفهمون ـ لذالك لقبه سعيد بـ .... لا ، الحمد لله اني لم أقلها ، لا يجوز تلقيب رجل مات منذ سنين ، ألم أقل لكم أني لن أوزع الألقاب ؟؟!!!! نعم يجب علي المحافظة على خصوصيات اصدقائي ، مات محمد فال في الخمسينات من عمره في حادث سير ، هو محظوظ جدا لأنه ـ على الأقل ـ لم يمت جراء السل .

"العتيق" أو "أمليزم أحبيب " ، المسكين مات جراء السل ، أخشى أن يكون كل ذالك دعوات سعيد الذي كان يصمه بالبخل ،،،،،، لا لم يكن بخيلا أبدا ، لقد كانت مشادات الاصدقاء القارسة أحيانا ـ كهذا الحر ، لا أقصد كهذا الحر ـ ،

رحم الله محمود ، لقد كسرت جناحه ونحن نتسلق شجرات الطلح ، لطالما كان ضعيفا هشا ، أصيب بأمراض في صباه وكانت عظامه ضعيفة جدا ، وقد ألتوى جناحه بعد ذالك الكسر ، كان من أكثر الناس لطفا وطيبة وقد أحزنني كثيرا وفاته في العام الماضي ، كان آخر الجميع موتا ، وكانت صداقتي به في شيخوختي أعمق ، رحمه الله كان سيموت منذ عقود لو لم ينقذه "المختار "،،،، "المختار" ، لقد حمله لمسافات طويلة على كتفه ، لقد ضاعا ذات مرة في إشتداد الحر وأصيبا بعطش شديد ، أغمي على محمود ، فحمله المختار على ظهره ومشى به على غير هدى ، تفاصيل ذالك لا أعرفها جيدا ، لكن أعرف أن بعض الجمالين وجدوا جثة المختار وقد خط على الارض " تحت الدراعة يوجد شخص " ثم غطى الجملة بدراعته، وجدو ا "محمود " ملقى على وجهه في حفرة مظللة بـ "دراعة" في ما يشبه خيمة أعدها له ديـكـراش .... لا أقصد " المختار "، رحم الله الجميع ،،، لقد سامحت سعيدا ، وجميعهم أيضا أظنهم سامحوه ، لقد تغيرت حياتنا بعده ، كلما فقدنا أحدنا تتغير الحياة ، الآن أفكر كثيرا وأخشى من التفكير ، و أتذكر ، نعم أنا مؤمن تماما ، لكني إنسان ، إنه قضاء الله فعلا ، لا راد له ، لكني أحس .مهما كان ما سيحدث فأظن أن من حقي أن أأكد لكم أني أتمنى أن أكون التالي ، لا شك أن ذالك سيكون مؤلما للالة .وتلك أنانية ـ شيئا ما ـ مني ، لكني أفضل لها أن تتألم مائة مرة على أن أتصور حياتي بدونها .

... هيا يا أصدقائي الصغار ليذهب الجميع ، أنتهت قصة اليوم ، يبدو أن "لا لة" قد وصلت ، هناك أشياء سأبحثها معها ، فل تسمحوا لي ببعض الخصوصية . .. من فضلكم . "

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى