عبد الرحيم التدلاوي - " الحب المرفوع" لتوفيق بوشري.. قراءة انطباعية:

قرأت البارحة باستمتع الديوان الزجلي "الحب المرفوع" للمبدع توفيق بوشري؛ والحق أن الرجل قدم إلى أرض الزجل بخلفية معرفية عميقة منحت نصوصه عمقا وخصوبة، يتجلى ذلك في ما تحمله النصوص من أبعاد فكرية وفلسفية، مع استثمار الفكر العلمي وبخاصة الفيزيائي في نسج نصوصه الجميلة.
حاور المرأة وجعلها نافذة ليطل منها على عالم الذات والخارج، وخلق حوار بينهما؛ حوار يبين الاتصال والانفصال بين الذاتين؛ حوار يتغيى منه اكتشاف ذاته، ونحت صورة عنها في علاقتها بالآخر وبالعالم ككل.
تتميز المجموعة بانزياحاتها المدهشة وصورها البليغة من مثل:

سكنتيني...
خرجني من كرش حلمة مغبونة
فرخ حمام
من ذاك السر الزاهي
ياك اللحظة حق؟
نداك نكون حمق؟
ها هي تتمايل
صارت زمان فصمت الموت
هرست الغمة!
سولت الشمس
يا ام الرجا
فين أنا؟
جيت ولا كنت؟
منين خرجت؟
ضحكت حتى زندت انوار
وشرارها تفرق فالسما اطيار
ها العار!
زادت ضحكات
حتى تبورش الليل
فدار التدبير
حتى القمرة
تخلعت وتفلت:
الله يجعلو خير! ص 73 و73.

ويقول في نص "حلمة/كلمة زعطوط " ص82:

الكلمة اللي كانت فحلق السر
مخبية كتسنى مراية مثقوبة
باش تشهق راسها
تخرج للنور نور
تكشف المستور
تسطع عراينة فباب المدينة
بلا ما تخاف من الوحوش المقهورة
يسكت الفقيه
يرفع غطاه على عينين المساجين
يسكت
حيت زابورو تفرش
يهديه للمسالي فالطلبة
يصنع طيارة بيها
يحلق مع خوتو فحصيدة شيوعية..

فالنصوص تعبر عن حيرة الذات وتمزقها في عالم تسيدت فيه إديولوجيات ماحقة للإنسان، ومقزمة لحضوره وفعله.
يبني الشاعر نصوصه على نصوص سابقة ليشيد معماره الخاص في تناص خلاق ومبدع.:

خبارك..
يجيبوها الاولين
غا نده فعروق الشوك
سير تا تحد الخطوة
تجيبك الندامة
ولا تزيد تتعامى
وتقول:
عليا ما كانوش معولين
يا أ السي الصباح
المسرج باحلام المتاعيس؟ ص.74

يعمد الشاعر إلى خلق إيقاعات متفردة اعتمادا على تكرار الحروف والكلمات والجمل والصيغ الصرفية لخلق أبعاد فنية وجمالية وغنى للنصوص:

عاودت شهقت
شهقت الروح
هيا لقات سعدها
وانا لقيت اللوح
مجروح
مفضوح
ياك أ الروح
شكون أنا؟
ولمن نبوح؟
تبسم صداها
انا الروح
ونتا كسدة
بجهالتك تفوح...ص 62 و63

فالمقطع أعلاه، تضمن البعد الفكري، وحيرة النفس، وقلقها الوجودي، وبحثها عن الانسجام بلقاء ذاتها في لحظة صفاء تبعد التمزق والخواء والجهل، الذي يهيمن عليها مع صور جميلة ومعبرة عن هذا التمزق والقلق، مصحوبة بإيقاعات تزيد الفكرة عمقا وتوضيحا.
يرفل الديوان في معجم معين تتسيده القمرة والشمس والشجر وغيرها من المفردات الدالة والمعبرة يمنحها أبعادا تنسجم مع المعاني التي يبنيها، يحاورها لخلق دينامية جديدة لها.
وإذا كان البحث عن الذات عنوانا للعمل، فإن التنديد بالطلم والقسوة والتهميش وغيرها من القضايا كان، هي الأخرى، محورية.
توفيق بوشري، صوت قصصي متميز، وصوت زجلي مهم في المشهد الزجلي العام. فهنيئا لنا به، وهنيئل للمشهد الثقافي بإضافاته العميقة والممتعة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى