فوزية ضيف الله. -. مجنون وباري (جزء 4)

التصقت أحلام بأرضية الغرفة، والتصق جسدها بألوانها، واصلت لعبها مع الألوان، كانت الألوان تخاطب كل ركن من أركان روحها، وتمسح الغبار عن كل مساحة من جسمها. تنامت في جوفها رغبة في العناق، تلوت. وراحت تتمطّط تنصت لموسيقى جسمها الناعم. تجردت من الحضارة التي قمعتها، تجرّدت من ماضيها وانغمست في عشقها لنفسها، توقظ في غرائزها ما نام وتلاشى. كان صراخها يوهم القوم أنها جُنّت، ولكن الصوت الذي يصدر عنها كان رغبة جامحة في الانقضاض على غرائز الموت التي سكنتها. اصطكت اسنانها، واكتسى جسمها حلة جديدة من الحياة، تُمرّر عبره ترانيم المعنى المتجسدن. ترنحت قناديل نهديها، وسالت مياه الحياة من جوفها، تنتظر نبتا الاخضرار اليانع. كانت تقاوم فريسة الموت التي تطل عليها من النافذة، وتغرس أظافرها في سطح الغرفة اليابس. تُمرّغ لونها المتموج بين الرغبة والبكاء في ألوان ملقاة بلا عنوان، تحرك في الظلمة نورا ينبعث من كتلة الرغبة الكامنة.

لم تكن ترى في الغرفة غير فتيل الحياة يشتعل في أعماقها، وانغرست أصابعها في التربة الملوّنة، لتصعد الى السماء في شكل شجرة يانعة، كانت ثمارها تزداد نُضجا، وتفرعت أغصانها، لتتصدع جدران الغرفة المغلقة. ينبعث في فوهة البركان المتأجج مياه حارة تُذيب سقم الحزن الغائم وتحوّل الفضاء إلى لوحة من الإرادة المقتدرة.

انتفضت مسارب الرغبة في الحياة من جديد، فصارت قسمات وجهها، مُزهرة بعد أن كانت مكفهرة. وانشقت رمّانتاها، في امتداد باسق، تحكي قصة ولادة جديدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى