أمل الكردفاني- تيتانيا (قصة تشويقية للتسلية)

-إضرب..إضرب على القفا.. إضرب بقوة..
كانت تضع رأسها تحت حافر الحصان، الذي استجابة وأخذ يضرب ضربات قوة أسفل جمجمتها...حتى تمزق جلدها وأنسال الدم ثخيناً، فمدت يدها المرتجفة وانتزعت الشريحة الرقمية الصغيرة، ودموعها لا تجف...
ألقت بالشريحة وأخذت تهرول خارجة من الاصطبل، لا تلوي على شيء.. ثم اقتحمت الغابة..
(نملك كل معلوماتك، حتى سلوكك المتمرد نعرفه، ونتوقع كل خطواتك القادمة)..
كانت الغابة تنغمر بأفرع الأشجار المتشابكة، وكانت هي تهرول دون أن يمنعها بكاؤها من التفكير..
- عليّ أن أفكر بشكل عكسي..عليّ أن أخيب توقعاتهم.. إن توقعاتهم هي أنني سأهرب نحو الجنوب حيث الصحراء...ولكنني سأفكر بشكل عكسي.. نعم .. سأهرب نحو الشمال...وإذا كان الأمر كذلك فهم سيتوقعون أنني سأفكر بشكل عكسي، لذا..فمنذ الآن سأفكر بكل غباء وسأتجه إلى الجنوب...
كانت تتابع ضوء الشمس الذي يتسلل من بين رؤوس الأشجار بين الفينة والأخرى، وكان عليها أن تصل سريعا إلى حافة الدغل حيث تبدأ التربة الفقيرة...
(تم تحليل كل معلوماتك على وسائل التواصل الاجتماعي، طريقة تفكيرك، استيعابك، هواياتك، تقدير ذكائك، رغباتك وأسرارك الجنسية، استجاباتك العصبية، تكيفك الاجتماعي، امراضك الجسدية والنفسية، تقييم مستقبلك)..
كانت تزداد بكاء وهي تتذكر تلك الرسالة التي قفزت امام وجهها مباشرة من المكثف الطيفي:
(سوف تتمردين على النظام العالمي...ولذلك عليك البقاء في غرفتك في النزل ولا تغادريها...نحن نعلم أنك لن تلتزمي بذلك وستهربين، لكن لا شيء يمكن أن يفلت من قبضتنا، إننا نعرف حتى متى ستحتاجين لشرب فنجان قهوة، والموسيقى التي ستسمعينها وأنت تحتسينها..)...
ظل الغضب يعتريها، وقد اكتشفت أن كل النظام قد عرّاها من كينونتها، النظام الذي يمنهج حياتها:
(كل قطعة اشتريتها للتمتع الذاتي،عُرضت عليك دعايتها التجارية بعد دراسات شاملة لشخصيتك، نعرف أنك مدمنة على التمتع الذاتي، ونملك كل صورك...احترسي، إننا نحذرك لتلغي كل تلك الأفكار العبثية التي تتلاعب بعقلك..يوم غد هو آخر قفزات لهذه الأفكار المقاومة وبعدها ستهدئين قليلاً..)...
النظام..النظام...النظام..
وازداد كُرهُها للنظام، وازدادت رغبة في المقاومة، وانفتحت أمام عينيها، بوابة الصحراء، مودعة آخر غصن شجرة في الدغل..
كانت الشمس تسقط عمودية على الكثبان الرملية، وقليل من الرياح تدفع بالرمال لتزحف ثم تستقر، ورأت الشمس تميل، فغذت اقدامها بطاقة المقاومة، وأخذت تعدو محاولة تثبيت جزعها مع تقلبات التضاريس الرملية...
(لا يمكنك المقاومة يا تيتانيا...هذا مُحال...إن الأرض تحت قبضة أقمارنا الصناعية...كل ذرة رمل محسوبة بحسابات رياضية، كل فراشة ترف بجناحيها في طوكيو نعرف تأثيرها على نيويورك..كل شيء محسوب بدقة.حتى قفزات النرد في طاولة بين لاعبين عجوزين، نحن من نحدد من سيفوز ومن سيخسر ومن سيموت منهما أولاً...توقفي عن المقاومة...استمتعي بمشاهدة أفلامنا..رواياتنا..شعرنا...)..
ظلت تصرخ وهي تعدو:
(لا..لن تؤثروا على عقلي...سأقاوم...سأقاوم حتى الموت..)..
(استمتعي بالحياة وتوقفي عن الوهم...)..
التفتت خلفها ورأت ناطحات السحاب تبرز من وراء الدغل مظلمة وملئى بالثقوب المضيئة...فازداد مقتها...ولكن لا شيء يتبعها...هل يراقبونها بشيء ترتديه...خلعت اقراطها الفضية، واستمرت في العدو...ثم خلعت فستانها القصير وعدت وهي عارية تماماً، كان الزبد يحيط بفمها الجاف...ولكن الموت عطشاً خير لها من تلك العبودية المقنّعة بالحرية الزائفة..
وقبل أن تسقط من الوهن تلقتها يد قوية..قال لها:
- انضمي لنا..نحن نعيش تحت الأرض في حفرة منجم قديم...
كان المنجم مضاءاً بالشعل البدائية، وكان المئات يقبعون فيه عراة...
كانوا صامتين.. لا يتكلمون كثيراً...
قالت امرأة أربعينية:
- لا تستطيع ذبذبات الطيف أن تصل إلينا...نحن محصنون..لسنا فصاميين كما يزعمون...
قالت تيتانيا:
- هل نحن أحرار...
قالت المرأة:
- هذا ما نظنه جميعاً..
- تظنينه؟!!
قالت المرأة:
- نحن نعيش بصعوبة هنا...قليل من ماء نبع قديم وأعشاب وطحالب...
سألتها تيتانيا:
- ولكن عقولنا حرة...أليس كذلك؟
هزَّت المرأة رأسها..
فسرح عقل تيتانيا وابتسمت برضى..
...
(لقد انضمت للمقاومة...كل شيء تحت السيطرة...إنهم قابعون تحت الأرض...ولا يشكلون تهديداً للنظام...لا أعرف يا سادة هل أفرح لهم أم أحزن...ماذا تظنون أنتم؟)..
(يقهقه بجزل).

(تمت)..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى