فوزية ضيف الله. -. في تأويلية النص الذي مات أبوه

إن النص إذا مات أبوه، صار مضغة في الأفواه. لا يستمد النص كيانه مقروءا، بل من وجوده الحي المسموع. لذلك فإن المحاضرات المسموعة، تكون أعمق من نفسها وهي مكتوبة. لعل الكتابة هي السم المتأرجح بين الداء والدواء. ترياق الفكر لا يتلاءم مع جميع النفوس. وقد تتقيؤه الأنفس الخبيثة. لأنها لا تتقبل إمكانية العلاج أصلا.
عندما يصدر عنك قولك وفهمك صوتا، تهتز له الأرض والحيطان، ولكن الذين غلفت نفوسهم صلفا وجحودا، تنتابهم سكرات الموت غير المريح. إذا صار نصك منشورا، فإنك ترمي به في ميزان القراءة، ليس كل نشر ملائم لما يقرؤون، وليس كل قول يتناغم مع صدى أنطولوجيا الفهم عندهم. كان لي أبوان. أبي الأول أنجبني ومات، وأبي الثاني علمني، ثم انكر الأبوة. ولما تحرر نصي من مفهوم الأبوة، صار طليقا. ربما يتألم أحيانا لكنه يتحرر إذا لامس كيانه سحب السماء وبواطن الأرض. لا يعيش النص في جلباب أبيه حرا، واولى به أن يتنقل من أب إلى آخر، يجرب صيغ الحياة المتعددة، يغني مواويله كما يريد. أن تكون بلا أب معناه أنك عدت للدرجة الصفر من الكتابة، تعانق ترانيم العدم لانشاء نصك من العدم. هكذا علمنا نيتشه، وهكذا قرر هيدغر من بعده أن يكون العدم أهم من الوجود، وأن يكون الموت تجربة للخلق، بينما تكون الحياة المألوفة سجن الحرف واللون. لن يتقرر ولن ينوجد الحرف ولا الأمل في غياب نفسك التي تهاجر بك من نفسك إلى نفسك الضائعة. تجرب مسالك الضياع لتحيا من جديد داخل نصك الذي انتحر ثم انبعث على يديك وأنت تصرخ من لذة الاحساس بطعم الحياة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى