د. طيب تيزيني - الحروب وكرامة المرأة..

في زمن الحروب ينقسم العالم عموماً إلى فريق للرجال وفريق للنساء، وهذا الانقسام يأخذ طابعاً رمزياً. أما هذه الرمزية فتتجسد في أن الفريق النسائي يقدّم نفسه في معظم مراحل التاريخ البشري بمثابته الأضعف، لذا يطول مكوثه في بيت الإقامة بسبب الأوضاع الفيزيولوجية العضوية التي ترافق مراحل الطمث والولادة وغيرها، وهذا ظهر وتبلور كحالة مرتبطة بتلك الفيزيولوجية العضوية، إضافة إلى ما سيظهر ويتبلور في الحياة الاجتماعية وقيمها ومستلزماتها النفسية والأخلاقية.
نحن نتحدث هنا عن الكثرة الساحقة من النساء، على الأقل في التاريخ الذي انتهى إلى مرحلتنا الراهنة، ومع التشديد على تلك المعطيات، نرى أن النساء بقين خاضعات للتقسيمات الديموغرافية المكوَّنة من موقع أن الرجل ظل سيد الحال، بالمعنى الذي يفترضه الموقف «السيادي». ولنذكر أن النساء الألمانيات اللواتي كنَّ يعتقلن في العهد الهتلري النازي، ويجبرن على نزع ألبستهن لنقلهن بباصات مكشوفة، لمنعهن من الهروب! وهذا يدلل على أهمية الحفاظ على ما تعتبره النساء هناك ضرورياً من لباس أثناء الخروج والظهور في المواقع العامة، خصوصاً حين يتصل الأمر باعتقال سياسي ما. إن هذه الواقعة وغيرها تدلل على أن «العري العام» غير مسوغ حتى في الغرب.
وإذا انتقلنا إلى العالم العربي، وجدنا أن مسألة تعري النساء تأخذ طابع المحظور، حيث نواجه ثنائية الرجال الفاعلين والنساء المفعول بهن قسراً، وفي ذلك الحال تكتمل الثنائية وتأخذ طابعها، إضافة إلى كونها تتجسد رمزياً في حالة استغلال المرأة من حيث هي تتحول إلى رمز يمس النساء عامة، مع الإضافة إلى أن ذلك يخرق قانون حقوق الإنسان، ويترك آثاراً يصعب الخلاص منها.
حقاً، إن اغتصاب النساء وهن في سجون اعتباطية إجرامية، هو جرم يعادل اغتصاب نساء العالم كله، والشيء المثير للاستفزاز أن معظم المؤسسات القضائية في العالم العربي مخترقة من قبل الوسائط التي تتم لابتلاع قضايا الاغتصاب وغيرها، إما بالاعتبار القضائي أو المالي أو السياسي أو غيرها.
إن تفعيل المؤسسات في حقول إعادة تأهيل النساء أصبح أمراً يتصل بالكرامة الوطنية والقومية والإنسانية في العالم العربي، فنحن نعيش مرحلة خاصة! وفي هذه الحالة، يصبح من قبيل المفارقة أن نسعى إلى إعادة تأهيل نسائنا مجدداً، فيما نعلم أن بعضهن قابعات في السجون، تاركات أبناءهن وأزواجهن، بحيث تتحول الحالة الفظيعة لهؤلاء النساء إلى مآسٍ قد تترك آثاراً رهيبة في حياتهن ومستقبلهن، مما قد يأخذ في قادم الأيام صيغاً ربما تصبح شأناً عاماً مزمناً في العالم العربي، كمقدمة لانهيار جديد.
بيد أن ذلك كله لن يحول دون النظر إلى نسائنا كموضوع، ونكون قد أعلنا إدانتنا لمن زج بهن في سجون تهدر الكرامة، وهنا يبرز سؤال ذو طابع أبستمولوجي يحدد الجواب عنه: من هم المجرمون في كثير من المسرحيات الإجرامية بحق المرأة العربية حالياً؟
إن مسائل كهذه من شأنها أن تدمر جيلاً من النساء وتقضي على كرامة وسمعة أبنائهن وأزواجهن، مما قد يرتفع إلى مستوى الخيانة العظمى بحق الوطن العربي، الوطن الذي يمرّ بأقسى مرحلة في تاريخه. لم يكف أن تكالبت عليه سهام الأغراب، حيث أحالوه إلى كومة حجارة، بل إن أبناءه أسهموا في استرجاع الطائفية والفساد والتقسيم على نمط سايكس بيكو.
ستبقى نساؤنا صامدات شريفات وطنيات، فهن يقمن بتربية أطفال هذا الوطن الذي هزم أولئك الأغراب، وأنتج حجارة بناء وطن حر وشعب على طريق الحرية والكرامة الإنسانية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى