غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (الجزء الثالث)

إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا الهَرْجُ؟ قَالَ: الكَذِبُ وَالقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
محمد بن عبد الله

(7)

كما سَبَقَ لي أَنْ ذَكَرْتُ في القسمِ السَّادسِ (والإضافيِّ، كذلك) من هذا المقالِ، لَمْ يَفْتَأْ فَلُّ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ من العَرَبِ والعُرْبَانِ والمُسْتَعْرِبِينَ أولئك، على اختلافِ أشكالِهِمْ وأَخْتَالِهِمْ وعلى ائْتِلافِ مَضَامِينِهِمْ و«مَيَامِينِهِمْ» في البلدانِ المعنيَّةِ من هذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لَمْ يَفْتَأُوا يَتَفَنَّنُونَ بِلا رحمةٍ وبِلا هَوَادَةٍ بِمَا يتيسَّرُ لِأَرِبَّائِهِمْ ولأذنابِهِمْ من فنونِ التنكيلِ والتعذيبِ والتزهيقِ من مَحَلِّيِّهَا ومُسْتَوْرَدِهَا، عَلى حَافَّةِ «الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ»، ولَمْ يَفْتَأُوا يُسَوِّمُونِ بناتِ وأبناءَ سَائرِ الشُّعُوبِ العربيَّةِ الأبيَّةِ، أيْنَمَا حَلَّتْ سَائرَةً بِثَوْرَتِهَا على الطُّغْيَانِ، سُوءَ هذهِ الفُنُونِ كَافَّتِهَا أيَّمَا تَسْوِيمٍ. فَهَا هو الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ، عبد الفتاح السيسي، يتولَّهُ في الفُسْطَاطِ بتجميلِ أحكامِ الإعدامِ التعسُّفيَّةِ القبيحةِ وَفْقًا لِكَوْنِهَا في الاعتقادِ المزيَّفِ «حَقًّا إلٰهِيًّا حَقِيقًا» مُنْزَلاً ومُنَزَّلاً من السَّمَاءِ على «العِقَاقِ» منهنَّ شَابَّاتٍ وعلى «العُقَّقِ» منهُمْ شُبَّانًا (وقد تَمَّ التَّنفيذُ المُريعُ لهكذا أحكامِ إعدامٍ تعسُّفيَّةٍ قبيحةٍ، في النهايةِ بالفعلِ، في آخِرِ تِسْعَةٍ من أولئك الشُّبَّانِ «العُقَّقِ» منذُ أسابيعَ معدوداتٍ، وتلك بدايةُ الجَرَائِرِ النَّكْرَاءِ إيذانًا بأنْكَرَ منها حَسْبَ ذاك الاعتقادِ المزيَّفِ في حدِّ ذاتِهِ). وهَا هو الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ اصطناعًا، بشار الأسد، يتولَّعُ في الفَيْحَاءِ بتحطيمِ الأرقامِ القياسيَّةِ المَدْمِيَّةِ الدَّمَوِيَّةِ كلِّهَا في ارتكابِ أفظعِ، بَلْ وأشْنَعِ، ما توصَّلَ إليهِ «العقلُ» الإجراميُّ البهيميُّ، بَلْ مَا دُونَ-البهيميُّ، من جَرائمَ فظيعةٍ شَنْعَاءَ ضدَّ الإنسانيةِ في المطلقِ (وقد قتلَتْ وشرَّدَتْ عِصَاباتُهُ الذَّلُولُ المَأْمُورةُ والدَّخُولُ المَأْجُورَةُ منهنَّ إناثًا ومنهُمْ ذكورًا من كافَّةِ الأعمارِ من الشَّعبِ السُّوريِّ اليتيمِ في غُضُونِ أقلَّ من ثمانيةٍ من السَّنواتِ العِجَافِ أضعافًا مضاعفةً مِمَّا قد قتلتْهُ وشرَّدَتْهُ عِصَاباتُ الكيانِ الصُّهيونيِّ منهنَّ ومنهُمْ كذاك من الشَّعبِ الفلسطينيِّ اللَّطِيمِ على مَدى أكثرَ من سبعينَ سَنَةً أشدَّ عُجُوفًا حتَّى). ومَا بَيْنَ هٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ العَتِيَّيْنِ عُتُوًّا مُبَاحًا ومُحَلَّلاً بوصَايةٍ أجنبيَّةٍ، علاوةً على ذٰلك، ثَمَّةَ طاغيتَانِ عَتِيَّانِ آخَرَانِ يتخبَّطانِ تخبُّطًا متوتِّرًا متواترًا، أوْ يكادُ بازدواجيَّةٍ رَعْنَاءَ لافتةٍ للعِيَانِ، قدَّامَ مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ ملتهبَيْنِ كلَّ الاِلتهَابِ بعدَمَا طفحَ الكَيْلُ بهما من كلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ، مشهدَيْنِ شعبيَّيْنِ تارةً يبشِّرانِ تورُّدًا بأنباءٍ ثوريَّةٍ «سَارَّةٍ» وطَوْرًا ينذرانِ تَشَوُّكًا بأخبارٍ لاثوريَّةٍ ضَارَّةٍ، في ذاتِ الآنِ والأوانِ، وفي ذاتِ ذاك الجَانبِ الإفريقيِّ من هذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ والرَّائِهِ رَيْهًا جَمُوحًا كعادتِهِ في الخَوَالِي من تلك الثَّمَانِي سَنَوَاتٍ، لا بَلْ رَيْهًا حتَّى أشَدَّ جُمُوحًا مِمَّا كانَ عليهِ في ذاتِ هذا الجَانبِ الإفريقيِّ منذُ إرْهَاصَاتِهِ الأولى، وقدْ بانتْ بالفعلِ أولى هذهِ الإرْهَاصَاتِ قبلَ نهايةِ السَّنَةِ التي خَلَتْ بأسابيعَ معدوداتٍ.

ثَمَّةَ، من طرفٍ أوَّلَ، طاغيةٌ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ يمتازُ بالتَّبَجُّحِ استقواءً في «عُقْرِ دَارِهِ»، ليسَ إلاَّ، ويُحَاوِلُ إثْبَاتَ فُحُولَتِهِ العسكريَّةِ قبلَ نظيرتِهَا السياسيَّةِ بنَحْوٍ أو بآخَرَ، كمثلِ طاغيةِ السُّودَانِ عمر حسن البشير، هذا الطاغيةِ الذي لَمْ يفتأْ يلمِّحُ كَامِخًا بهذهِ الفحولةِ العسكريَّةِ على أكثرَ من صَعِيدٍ، والذي لَمْ ينفكَّ يلوِّحُ شامخًا بِمَدَى سِحْرِيَّةِ تلك «العَصَا الجَوْقَلِيةِ» Airborne Baton، الإنكليزيةِ المنشأِ والوَصِيدِ – كُلُّ ذلك كانَ، ومَا زَالَ، قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ، على الرَّغمِ من كونِهِ (أي كَوْنِ البشيرِ) الطاغيةَ «العربيَّ» الأوْحَدَ من حيثُ انصياعُهُ العتيدُ لأمرٍ روسيٍّ مباشرٍ و/أوْ إيرانيٍّ غيرِ مباشرٍ بتنفيذِهِ زيارةً مدروسةً بعنايةٍ فائقةٍ لطاغيةِ سوريا العَتِيِّ، بشار الأسد، وتذكيرِهِ (أي تذكيرِ البشيرِ) من ثمَّ بماضٍ دبلوماسيٍّ «تَقَارُبِيٍّ» و«تَحَابُبِيٍّ» بينَ السُّودَانِ وإيرانَ (أيَّامَ هاشمي رفسنجاني، في التسعينياتِ من القرنِ الفارطِ)، وعلى الأخَصِّ حينما كانتْ أمريكا دُونَ غيرِهَا تمارسُ، وَهْيَ مَشْغُوفَةٌ شَغَفًا سَلِيقِيًّا بغَلْوَاءِ ذلك «القِصَاصِ الازدواجيِّ» الشَّهِيرِ في حَدِّ ذَاتِهِ، حينما كانتْ تمارسُ أشْتَاتَ الضَّغْطِ السياسيِّ والاقتصاديِّ «التَّبَاعُدِيِّ» و«التَّحَاقُدِيِّ» على الدولتَيْنِ المقصُودَتَينِ، في آنٍ واحدٍ، وبحُجَّةِ أنَّهُمَا رَاعِيَتَانِ جِدُّ سَاعِيَتَيْنِ لكُلِّ أشكالِ الإرهابِ وأنَّهُمَا مُنْتَهِكَتَانِ جِدُّ حَيَّاكَتَيْنِ لجُلِّ حُقُوقَ الإنسانِ – وكُلُّ ذلك كانَ، ومَا زَالَ، قائمًا وسَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ كذاك، على الرَّغمِ من قيامِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الوَاغِرِ صَدْرًا والحَانِقِ نَحْرًا بتحطيمِ سَائرِ جدرانِ الخوفِ المُزْمِنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ السَّادِيِّ الذُّهَانِيِّ، على اغتراقِ دَرَجَاتِهِ وعلى افتراقِ دَرَكَاتِهِ، وبالرَّغْمِ من هَبِيبِ أطيافٍ ملحوظةٍ من هذا الشَّعْبِ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ من ثمَّ، في طُولِ البلادِ وعَرْضِهَا، وهي تَهْتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، كما هَتفَتْ شُعُوبُ «الربيعِ العربيِّ» بادئةً بالمَطْلَبِ اللاهِبِ باتِّقَادِهِ الوَقِيدِ، من قبلُ، هكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وثَمَّةَ، من طرفٍ ثانٍ، طاغيةٌ عَتِيٌّ مُصْطَنَعٌ آخَرُ يمتازُ بالتَّرَنُّحِ استعلاءً من وَرَاءِ «حَدِّ دَارِهِ»، ليسَ سِوَى، ويُحاولُ إِنْكَارَ عُنَّتِهِ السياسيَّةِ حتَّى قبلَ مثيلتِهَا العسكريَّةِ بهيئةٍ أو بأخرى، كمثلِ طاغيةِ الجزائرِ العِنِّينِ القَعيدِ عبد العزيز بوتفليقة، هذا الطاغيةِ الذي لَمْ يَبْرَحْ يتشدَّقُ بِلِسْنِ مَنْ يَشْدِقُونَ نِيَابَةً عنهُ بـ«النَّزَاهَةِ المُثْلى» تغاضِيًا متعمَّدًا عنْ آثامِ مَاضي سِجِلِّهِ الاختلاسيِّ المُؤَوَّجِ حتَّى بعشراتِ الملياراتِ من «السنتيماتِ» عندما كانتْ فُرَادَى تيك «السنتيماتِ» تتكلَّمُ آنَذَاك فعليًّا منذُ أكثرَ من أربعينَ عَامًا (ومَا بينَ سنتَيْ 1965-1978، على وجهِ الضَبْطِ)، وهذا الطاغيةِ الذي لَمْ يَزَلْ يتمنطقُ أيضًا بِلَغْوِ مَنْ يَنْطِقُونَ وَكَالَةً عنهُ بـ«العَدَالَةِ الحُسْنَى» تعامِيًا متعمَّدًا أيضًا عن شُرُورِ مَاضي مِلَفِّهِ التَّعَسُّفيِّ المُتَوَّجِ، بدورهِ هو الآخَرُ، حتَّى بمَكِيدَةِ اغتيالٍ مدبَّرَةٍ كَادَتْ أنْ تُودِيَ بحياتِهِ كلِّهَا قبلَ أحَدَ عَشَرَ عَامًا، أو يزيدُ (وفي اليومِ السَّادسِ من شهرِ أيلولَ سَنَةَ 2007، على وجهِ التحديدِ)، حتَّى قبلَ أنْ يشتدَّ بِهِ ذلك الدَّاءُ العُضَالُ مقترنًا بنوعٍ من أنواعِ التَّجَلُّطِ الدِّمَاغِيِّ الذي صَيَّرَهُ طاغيةَ الجزائرِ العِنِّينَ القَعيدَ بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ الفرنسيِّ بـ«إسْبَاغِهِ الجديدِ». وها هو، الآنَ، يتحرَّكُ بكُرْسِيِّهِ المتحرِّكِ هذا وَسْطَ هتافاتِ الشعبِ الجزائريِّ الثائِرِ عن بَكْرَةِ أبيهِ كذلك، ذلك الشَّعْبِ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ الذي يَهْتِفُ واقدًا متَّقدًا ومُسَالِمًا بمطالبَ حتَّى أوْقَدَ لهيبًا في منطوقِ لهجةٍ، أو أكثرَ، من لهجاتِ العاميَّةِ الجزائريةِ بِمَا تعنيهِ في جُلِّهَا (وباختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ الآنِفِ الذِّكْرِ، لكنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هذا السياقِ)، يَهْتِفُ واقدًا هكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!».

وهكذا، وهذا الرحيلُ الذي يريدُهُ الشعبُ الجزائريُّ هَابًّا بأسبوعِهِ السَّادسِ من هَبيبِهِ التاريخيِّ العَارمِ إنَّمَا مبتغاهُ رحيلُ نظامِ حُكْمٍ مَافْيَويٍّ قديمٍ عجوزٍ مُتَهَرِّئٍ مُهَرِّبٍ للأموالِ (من تَهَرُّئِهِ) آسِنٍ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، في المقامِ الأوَّلِ، وإنَّمَا مبتغاهُ كذاك من الدستورِ الجزائريِّ، على أقلِّ تقديرٍ جذريٍّ لا لَبْسَ ولا التباسَ فيهِ، تفعيلُ كلٍّ من المادةِ 7 التي تنصُّ على أنَّ «الشعبَ مصدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ 8 التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ ملكٌ للشَّعْبِ»، في المقامِ الثاني – فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ» أنْ يُعْمَدَ إلى إجْرَاءِ مقارنةٍ وَقَائِعِيَّةٍ إلى حَدِّ التشابُهِ الآليِّ بينَ المشهدَيْنِ الجزائريِّ والمصريِّ، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر جادًّا في مقالهِ «الجزائر إلى أين؟» (القدس العربي، 12 آذار 2016)، نظرًا للفارقِ البنيويِّ والعقائديِّ الكبيرِ بينَ تركيبَتَيِ المؤسَّسَتَيْنِ العسكريَّتَيْنِ المَعْنِيَّتَيْنِ في الدَّاخِلِ، وخَاصَّةً فيما لهُ رِبَاطٌ بتَسْيَارِ العَمَالةِ والتبعيَّةِ الأمنيَّتَينِ والاقتصادِيَّتَيْنِ، على حسَابِ الإرادَةِ الشَّعْبِيَّةِ، بالمَسَارِ الذي يُرْضِي رَغَبَاتِ الآمِرِ الأجنبيِّ في الخارج (فرنسا بوَصْفِهَا «سَيِّدةً» استعماريةً لِذَاتِهَا في مقابلِ إسرائيلَ بوَصْفِهَا «رَبِيبَةً» استيطانيَّةً لآخَرِهَا، على الترتيبِ، في هذهِ القرينةِ، مثلاً): فالمشهدَانِ المُتَحَدَّثُ عنهُمَا، ها هنا، لا يمكنُ بَتَّةً أنْ يُوَازَيَا ببعضِهِمَا البعضِ بتلك البساطةِ «البنيويةِ» التي تَمَّ اعتمادُهَا في هذا المقالِ، سَواءً استمرَّ الطاغيةُ العِنِّينُ القَعيدُ «مُفْلِحًا» في التجديدِ بإشعارٍ للولايةِ الخامسةِ أمِ استمرَّ «مُخْفِقًا» في التمديدِ دونَمَا أيِّ إشعارٍ للولايةِ الرابعةِ أمِ استمرَّ «أذْرَعَ إخْفَاقًا» في الاحتفاظِ بمقعدٍ دفاعيٍّ في حكومةٍ مَافْيَوِيَّةٍ «جديدةٍ» أمْ حتَّى لَمْ يستمرَّ مُعْلِنًا عن تَنَحِّيهِ (وقد أعلنَ، بالفعلِ، عن تَنَحِّيهِ منذُ سُوَيْعَاتٍ خَلَتْ) وإخْلائِهِ السَّبيلَ من ثمَّ لرئيسِ مجلسِ الأمَّةِ وَفْقًا لنصِّ المادةِ 102 من الدستورِ الجزائريِّ، في آخِرِ المَطافِ – ومنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ» كذاك أنْ يُعْمَدَ إلى إجْرَاءِ مقايَسَةٍ شِعَارَاتِيَّةٍ إلى حَدِّ التطابُقِ الإلكترونيِّ بينَ المشهدَيْنِ الجزائريِّ والسُّوريِّ، وذلك استئناسًا بالشِّعَارِ الأسديِّ «التَّشْبِيحِيِّ» الغنيِّ عن التعريفِ «الأسد أو نحرق البلد!»، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر ذاتُهُ كذاك بذاتِ الجِدِّ في مقالهِ الآخَرِ «بوتفليقة أو نحرق البلد!» (القدس العربي، 5 آذار 2016)، نظرًا، والحَالُ هذهِ المَرَّةَ، للفارقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ الملحُوظِ للعَيْنِ البَصَرِيَّةِ (حتَّى قبلَ العَيْنِ العَقْلِيَّةِ) بينَ ما تتمخَّضُ عنهُ كلٌّ من صِيَاغتَيِ الشِّعَارَيْنِ «الإحْرَاقِيَّيْنِ» المَعْنِيَّيْنِ على الصَّعيدِ الجَمَاهِيريِّ دونَ أيِّمَا صَعيدٍ آخَرَ، وخُصُوصًا فيما له مِسَاسٌ بمدى وتَمَادِي الانْحِسَارِ والأُفُولِ الفرديَّيْنِ وَ/أوِ الجَمْعِيَّيْنِ لتأثيرِ ذلك الشِّعَارِ البدائيِّ الأوَّلِيِّ بصِيَاغَتِهِ الأسديةِ «التَّشْبِيحِيَّةِ» الوَعِيدِيَّةِ والتَّخْوِيفيَّةِ في أذْهَانِ الشَّعْبِ الجزائريِّ الواعيةِ وما قبلَ الواعيةِ، على حدٍّ سَوَاءٍ، تمامًا كما كانتِ الهَيْئَةُ الاستجابيَّةُ التلقائيَّةُ، وما زالتْ، في أذْهَانِ الشَّعْبِ السُّودانيِّ، من طرفِهِ هو الآخَرُ. وهكذا، على سبيلِ التمثيلِ، يتجلَّى نوعُ المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ (ومَا يَسْتَتْبِعُ منها دَلالَةً بالحَرْفِ – ناهيكُمَا عنِ اسْتِتْبَاعِ المَجَازِ)، من هذا الخُصُوصِ عَيْنِهِ، تلك المهزلةِ النَّحْوِيَّةِ التي خَفِيَتْ على الكثيرِ الكثيرِ من المحلِّلينَ والمعلِّقينَ السياسيِّينَ العربِ وغيرِ العربِ، في حقيقةِ الأمرِ، يتجلَّى في مدلولِ ما يُسَمَّى، في علمِ المنطقِ، بـ«الوظيفةِ التَّخْيِيريَّةِ» Disjunctive Function، وبالأخصِّ حينما يدلُّ عليها مَحَلُّ الأداةِ العَاطِفَةِ المُتَوَخَّاةِ «أو» عَيْنِ عَيْنِهَا، هذهِ الوظيفةِ التي تقتضي اقتضاءً فَحْوَاءَ تَخْيِيرِهَا التَّنَافَوِيِّ (التبادُلِيِّ) بينَ طَرَفَيِ المعادَلَةِ التَّخْيِيريَّةِ، «الأسد» و«نحرق البلد»، لكيْمَا تقولَ قَوْلَتَهَا بواحدٍ، وواحدٍ فقط، من هٰذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ، لا لكَيْ تقولَهَا بكِلَيْهِمَا مَعًا: فإمَّا «بَقَاءُ الأسدِ» (وليسَ غيرَ) وإمَّا «إحْرَاقُ البلدِ» (وليسَ غيرَ، كذلك).

بَيْدَ أنَّ المهزلةَ النَّحْوِيَّةَ المُتَكّلَّمَ عنها، هنا، قدْ بلغَتْ ذُرْوَتَها الدَّلاليَّةَ لدى القَوْلِ اللاتَخْيِيريِّ النقيضِ (أو، بالحَرِيِّ، لدى ما يُدْعَى كذاك بـ«القَوْلِ التَّعْطِيفِيِّ» Conjunctive Assertion)، أي القولِ التَّوْكِيدِيِّ بالطرفَيْنِ كلَيْهِمَا مَعًا، في واقعِ الأمرِ: لقدْ تَمَّ «إحْرَاقُ البلدِ» بالقوَّةِ وبالفعلِ في آناءِ الليلِ وفي أطرَافِ النَّهَارِ، من كلِّ الجهاتِ، ولكنَّ شَخْصَ «الأسدِ» ما زالَ «بَاقِيًا»، بشكلٍ من أشكالِ «البَقَاءِ»، ليسَ لَهُ سوى أنْ يحكمَ ما «تَبَقَّى» من رَمَادٍ لكي يذرَّ مَا يستطيعُ أنْ يغرفَ مِنْ هذا الرَّمَادِ في عُيُونِ مَنْ يسْعَونَ جَاهدينَ بكلِّ مَا أُوتُوا بِهِ مِنْ جَهْدٍ مَادِّيِّ ومَعْنَوِيٍّ إلى إثباتِ، ومِنْ ثَمَّ إلى ترسِيخِ، تلك المَسْألَةِ، مَسْألَةِ «تعدُّديةِ الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ» التي أُشِيرَ إليها في أكثرَ من موضعٍ في أقسامِ هذا المقالِ – الشَّخْصِيَّةِ الواحدةِ التي تتعدَّد أكثرَ فأكثرَ، دونما قَيْدٍ أو شَرْطٍ، عندما يدافعُ كلُّ أولئك السُّفَهَاءِ والمُرَائِينَ والمتملِّقِينَ والمتزلِّفِينَ كُلِّهِمْ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندما يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، كمثلِ هذا «الأسدِ» بالذاتِ وكمثلِ شَخْصِهِ «الباقي» كذاك، تشويهًا وتشنيعًا لِوَجْهِ الحَقِيقَةِ!

(8)

قلتُ أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، وخاصَّةً في الأقسامِ الأولى من هذا المقالِ وفيمَا سَبَقَهُ من مقالاتٍ لا تَلْتَقِي وإيَّاهُ في الموضوعِ السِّيَاسِيِّ المَعْنِيِّ حتَّى، قلتُ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّما هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يستحْوذُ استحْواذًا فِطْرِيًّا ومُكْتَسَبًا على ذِهْنِيَّاتِ كُلِّ أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينمَا ثُقِفُوا في أصْقاعِ هذا العالَمِ العربيِّ المَطْمُومِ هَمًّا وغَمًّا فائضَيْنِ (من جَرَّاءِ مَا كَانُوا، ومَا زَالُوا، يرتكبُونهُ من جَرائرِ سِلْمٍ ومن جرائمِ حَرْبٍ، ومَا بَيْنَهُمَا، في حَقِّ هذا العالَمِ العربيِّ بأمْرٍ وبتَكْلِيفٍ ذَاتِيَّيْنِ أو آخَرِيَّيْنِ، منذُ أنْ أُثْقِلَ كَاهِلُهُ بحُكْمِهِمْ وبمُلْكِهِمْ عَضُوضَيْنِ قبلَ عَشَرَاتٍ من السِّنِينِ العِجَافِ): ولا يُسْتَثْنَى، بالطَّبْعِ، أيُّ من أولئك الطُّغاةِ النُّظَرَاءِ في أصْقاعِ مَا يُمَاثِلُهُ من بقايَا ذاك العالَمِ اللَّاعربيِّ المُسَمَّى تَسْمِيَةً تَمَاثُلِيَّةً بـ«العَالَمِ الثَّالِثِ». صحيحٌ كُلَّ الصَّحَاحِ أنَّ هؤلاءِ الطُّغاةَ العُتَاةَ المُصْطَنَعِينَ يلتقونَ ويتلاقُونَ بكَافَّتِهِمْ بِنَحْوٍ أو بِآخَرَ، نظرًا، في مَدَى كلٍّ من الطغيانِ والعُتُوِّ والاصطناعِ بالقوةِ، مثلما يدلُّ نَعْتُهُمْ بهذهِ النُّعُوتِ دلالةً جَلِيَّةً بكلِّ مَا تحتويهِ في سَيْرُورةِ «المَنْضُودِ الكلاميِّ» Verbal Collocation من مَعَانٍ ظاهريَّةٍ تصريحيَّةٍ أو حتَّى باطنيَّةٍ تضمينيَّةٍ. إلاَّ أنهمْ يفترقُونَ أيَّما افتراقٍ، مُمَارَسَةً، في «جَدَا» كلٍّ من هذا الطغيانِ وهذا العُتُوِّ وهذا الاصطناعِ بالفعلِ – وذلك افتراقٌ كلُّهُ رَهْنٌ باختلافِ الكَيْفِ الذي يسعى بهِ كلٌّ من هؤلاءِ الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ إلى اسْتِتْبَابِ تَسَلُّطِهِ العسكريِّ الفرديِّ المُطْلَقِ اسْتِتْبَابًا «توريثيًّا» قائمًا، جيلاً بعدَ جيلٍ، على صلاتِ الدَّمِ البيولوجيِّ (كما هي الحَالُ في سوريا، وما شَابَهَ) أو حتى على صلاتِ الدَّمِ الأيديولوجيِّ (كما هي الحَالُ في مصرَ، وما أشبَهَ أيضًا)، ويسعى من ثمَّ إلى إرْضَاءِ سيِّدِهِ الأجنبيِّ (أو فَلِّ أسيادِهِ الأجَانبِ)، من أوربا وَ/أوْ من أمريكا وَ/أوْ حتى من آسيا، بغيةَ الحفاظِ المُسْتَدِيمِ إلى أجلٍ غيرِ مُسَمًّى على هكذا كَيْفٍ بمثابةٍ أو بأُخرى – وذلك اختلافٌ بالكَيْفِ، كَيْفِ الاسْتِتْبَابِ «التوريثيِّ» القائمِ، كلُّهُ، بدورِهِ هو الآخَرُ، إنَّمَا هو رَهْنٌ كذلك باختلافِ النَّهْجِ الذي يَسُوسُ بهِ ذاك السيِّدُ الأجنبيُّ (أو أيٌّ من أولئك الأسيادِ الأجَانبِ) نوعَ سياستِهِ الخارجيةِ في أيٍّ من البلدانِ العربيَّةِ المعنيَّةِ من هذا الشرقِ الأوسطِ «الكبيرِ» المُكَابَرِ بينَ أواسِطِ «الأرضِ مَا بعدَ الخَرَابِ» The Post-Waste Land، لكي نذكرَ المَجَازَ الإلْيُوتِيَّ (نسبةً إلى الشاعرِ الأمريكيِّ-البريطانيِّ توماس سْتيرْنْز إليوت) مرَّةً ثانيةً. فَهَا هو طاغيةُ سوريا بشار الأسد، من جانبٍ، يتشدَّقُ بالإيعازِ الرُّوسيِّ جهرًا (والإيرانيِّ سِرًّا) بالنَّأْيِ بنفسِهِ عن فَرْضِ أيٍّ من القيودِ والشُّروطِ على مَا تبقَّى مِمَّا يُسَمَّى بـ«المعارضةِ السُّوريةِ» اِسْمًا (وثمَّةَ، في هذهِ القرينةِ، الكثيرُ مِمَّنْ يُصِرُّونَ على إزالةِ النقطةِ من على حرفِ الضَّادِ بالذاتِ!)، وعلى الأخصِّ فيما يَخُصُّ تشكيلَ «لجنةِ إصلاحاتٍ دستوريةٍ» من شَأنِها أنْ تُحدِّدَ، افتراضًا، تَسْيَارَ الحُكْمِ المستقبليِّ في سُوريا وتنظيمَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ والتشريعيةِ، ومَا إلى ذلك، وذلك بعد مَسَاخِرِ «الانتصارِ الذَّخِيرِ» الذي أحرزَهُ الطَّاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَقصُودُ إحرازًا بعدَ قصْفٍ مُكَثَّفٍ من كلِّ أنواعِ الغاراتِ الجويَّةِ الرُّوسِيَّةِ (أو «الرُّوسُورِيَّةِ»، بالأحرى) في الشمالِ الغربيِّ من سُوريا في الأيَّام الخَوالِي، على الرَّغمِ من إدانةٍ صَريحَةٍ لوَيْلاتِ هذا القصفِ المُكَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ آنِفًا) حتى من لَدُنْ رجلٍ دينيٍّ عراقيٍّ «حَمِيمٍ» بحُكْمِ الانتماءِ الطَّائفيِّ، كمثلِ مقتدى الصَّدر، وعلى الرَّغمِ من دعوتِهِ إلى تنحِّي هذا الطَّاغيةِ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَقصُودِ، وإلى الانسحابِ العَاجِلِ من أرضِ سُوريا بِسَائِرِ قواتِ «الحَشْدِ الشَّعبيِّ»، وإلى «تركِ زِمَامِ الأمورِ كُلِّهَا لشعبِهَا الأبِيِّ». وهَا هو طاغيةُ مصرَ عبد الفتاح السيسي، من جانبٍ آخَرَ، يتمنطقُ بالإيحَاءِ الأمريكيِّ جَلاءً (والإسرائيليِّ خَفَاءً) بالأخْذِ على نفسِهِ تجديدَ قانُونِ القِصَاصِ الطَّارئيِّ (قانُونِ حَالاتِ الطوارئِ وحَالاتِ الاتِّهَامِ الميدانيِّ المُبَادِئِ بشكلٍ أو أكثرَ من أشكالِ «الإرهابِ» من أجلِ كَتْمِ أصْوَاتِ أيَّةٍ من تلك «المُعَارَضَاتِ المصريَّةِ» الجَسُورَةِ، في هذا الآنِ، ومن أجلِ كَبْحِ هذهِ الأصْوَاتِ كَبْحًا كُلِّيًّا كالمعتادِ، كذلك)، وذلك بعد مهازلِ «الانتصار الكبيرِ» الذي حقَّقهُ الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ تحقيقًا في أعقابِ عَصْفٍ مُؤَثَّفٍ من كلِّ أصْنَافِ الاستفتاءِ والتصويتِ العَسْفِيَّيْنِ المزيَّفَيْنِ على تعديلِ، لا بلْ على إعادةِ تفصيلِ، الدستورِ المصريِّ على المَقَاسِ المطلوبِ كَيْمَا يظلَّ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ المُصْطَنَعُ المَعْنِيُّ في الحُكْمِ «المرغُوبِ»، كَيْمَا يظلَّ حاكمًا بأمْرِهِ هو بالذاتِ (لا بأمْرِ ذاتِ اللهِ) في المَدِّ، من أربعٍ إلى سِتٍّ من سَنَواتِ المُجُونِ، وفي العَدِّ حتى إشْعَارٍ آخَرَ سَنَةَ «ألفَيْنِ وثلاثينَ» سَنَةَ السِّنِينِ، وما بعدهَا كذلك من ذلك الحِينِ المُحَانِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، على الرَّغمِ من إدانةٍ أشدَّ صَرَاحَةً لآفَاتِ هذا العَصْفِ المُؤَثَّفِ (ومَا كَانَ منهُ فَائتًا أيضًا) من طرفِ لِجَانِ «حقوقِ الإنسانِ» على مستوى العَالَمِ العربيِّ، ومن طرفِ النَّظائرِ والشَّقَائقِ على مستوى الاتحادِ الأورُبِّيِّ.

ناهيكما، أيَّتُهَا القارئةُ النَّبيهةُ وأيُّهَا القارئُ النَّبيهُ، بطبيعةِ الحالِ، عمَّا يقومُ بهِ الآنَ طاغيةُ ليبيا (أو، بالقمينِ، «طاغيةُ شرقيِّ ليبيا» وحَسْبُ)، خليفة بلقاسم حفتر، ذلك المَوْسُومُ والمَوْصُومُ هَزْءًا ومَهْزَأةً بـ«أميرِ الحَرْبِ» Warlord، حتَّى تكتملَ مَهْزَأةُ المَهَازِئِ، هَا هُنا – ناهيكما عمَّا يقومُ بهِ الآنَ هذا الطاغيةُ العَتِيُّ الأكثرُ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ، ولا ريبَ، من اقترافِ كلِّ أشْتاتِ الشُّرورِ والآثامِ والفظائعِ والشَّنَائعِ بحقِّ البريئاتِ والأبرياءِ (وهُنَّ وهُمْ بعَشَرَاتِ الآلافِ) من غربيِّ هذهِ الـ«ليبيا» البلدِ التَّلِيدِ، وبالإلْهَامِ الفرنسيِّ والإيطاليِّ والأمريكيِّ على رَافَّةِ الملأِ «الأعلى»، بذلك (وبالإلْحَامِ السُّعُوديِّ والإمَارَاتيِّ والمصريِّ على حَافَّةِ الملأ «الأدنى»، كذلك)، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ أنَّ هذا الطاغيةَ العَتِيَّ الأكثرَ في الاصْطِنَاعِ الأجنبيِّ لمْ يتخلَّصْ بعدُ مِمَّا اسْتَعْصَى من تلك الاضطراباتِ النفسيَّةِ والاختلالاتِ العقليةِ بعدَ أن تَخَوْزَقَ أيَّمَا تَخَوْزُقٍ بشَتَّى أطوالِ وشَتَّى أعْرَاضِ الخَوَازِيقِ الإفريقيةِ واللاإفريقيةِ في جمهوريةِ تشادَ، على وجهِ التحديدِ. كُلُّ هذا الإلْهَامِ الدُّوَلِيِّ السَّيْدُودِيِّ وكُلُّ هذا الإلْحَامِ «المَحَلِّيِّ» العُبُودِيِّ، في واقعِ الأمرِ، إنَّمَا مبتغاهُمَا الأسَاسِيُّ لَمُبْتَغًى ثُنَائيٌّ مُزْدَوَجٌ مُتَكَامِلٌ تكامُلاً يتجلَّى في ذلك التَّكَالُبِ الأجنبيِّ العُصَابِيِّ الهُجَاسِيِّ، تكالُبِ «المُسْتَذْئِبِينَ» أوِ «المَذْؤُوبِينَ» Lycanthropes، على الاغترافِ المُغْدَقِ من جُلِّ الاحتياطِيِّ الليبيِّ من النفطِ والغازِ الطبيعيَّيْنِ الشهيرَيْنِ بجودتِهِمَا العَالميَّةِ فعليًّا، في الحَيِّزِ الأوَّلِ، ويتبدِّى كذلك في ذلك التَّناوُشِ «العَرَبِيِّ» و«العُرْبَانِيِّ» و«المُسْتَعْرِبِيِّ» الذُّهَانِيِّ الهُرَاعِيِّ، تَنَاوشِ «المُتَوَحِّشِينَ» أوِ «الوَحْشِيِّينَ» Ruffian Savages، على الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ لتفعيلِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ بأيَّتِمَا وسيلةٍ، أو حتَّى بأيَّتِمَا رذيلةٍ، كانتْ، في الحَيِّزِ الثَّاني. وقدْ كانتْ ذُرْوَةُ هذا الاسْتِبْقَاءِ المُطْبِقِ والمَرْعِيِّ، ارْتِعَابًا وارْتِيَاعًا سَرِيرِيَّيْنِ يعتريانِ كيانَ كلِّ من أولئك الطُّغاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي، وقدْ كانتْ تزامنتْ، بهيئةٍ أو بأُخرى، معَ اندلاعِ ثورةِ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ (منذ اليومِ التاسعَ عَشَر من شهرِ كانون الأول من العام الفائتِ)، ومعَ نُشُوبِ ثورةِ الشَّعْبِ الجزائريِّ (منذ اليومِ الثاني والعشرينَ من شهرِ شباط من هذا العام). فتلك، من طرفٍ، جماهيرُ الشَّعْبِ السُّودَانيِّ الصَّعْتَرِيِّ الخِنْذِيذِ مَا بَرِحَتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ لحظةَ الانفجارِ الأوَّلِيِّ، بعدما حطَّمتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ قُدَّامَ التغوُّلِ الطغيانيِّ العسكريِّ والأمنيِّ، مَا بَرِحَتْ تهتِفُ كما هَتفَتْ شُعُوبُ ذاتِ «الربيعِ العربيِّ»، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد إسقاط النظام!». وتلك، من طرفٍ آخَرَ، جماهيرُ الشَّعْبِ الجزائريِّ الفِرْنَاسِيِّ الصِّنديدِ مَا انفكَّتْ تهتِفُ بالهُتَافِ الوَلِيدِ ذاتِهِ، وقدْ قَوَّضتْ سَائرَ جدرانِ الخوفِ والرُّعْبِ المُزْمِنَيْنِ ذاتِهَا (وأكثرَ منها حتَّى)، مَا انفكَّتْ تهتِفُ باختلافٍ معجميٍّ طفيفٍ عن النَّظِيرٍ السُّودانيِّ، لكنَّهُ اختلافٌ لَهُ مدلولُهُ الدَّالُّ، في هذا السياقِ، تهتِفُ، هكذا: «الشعب يريد رحيل النظام!». فمنْ غَبَنِ «التحليلِ السياسيِّ»، مرَّةً أُخرى، أنْ يُعْمَدَ إلى النظرِ التمييزيِّ، أو حتَّى التفضيليِّ، إلى «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتى هذا الحينِ منها، دونَ النظرِ إلى ما يقابلُ هذهِ الـ«إنجازاتِ» فيما يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، بقدر ما يتعلَّقُ الأمرُ بها كذلك)، كما فعلَ الباحثُ الجامعيُّ جلبير الأشقر أيضًا بكلِّ جِدِّيَّةٍ في مقالهِ الأخيرِ «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019).

لا خلافَ على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا نسبيًّا بين النظامَيْنِ السُّودَانيِّ والجزائريِّ من حيثُ الوُصُولُ الانقلابيُّ إلى عُرُوشِ السُّلْطَةِ رَغْمًا عن إرادة الشَّعْبِ (كانَ وُصُولُ النظامِ الأوَّلِ قدْ حَدَثَ قبلَ ثلاثينَ عَامًا، وكانَ وُصُولُ النظامِ الثاني قدْ حَصَلَ قبلَ خمسةٍ وخمسينَ عَامًا). ولا خلافَ كذاك على أنَّ ثَمَّ تشابُهًا مُطْلَقًا بين هٰذَيْنِ النظامَيْنِ من حيثُ ذاك الالتصَاقُ الشَّغَفِيُّ الهَوَسِيُّ، التصَاقُ الطاغيتَيْنِ العَتِيَّيْنِ المُصْطَنَعَيْنِ المَعْنِيَّيْنِ بهذهِ العُرُوشِ التصَاقًا، كما يلتصقُ القُرَادُ المَاصُّ بأردافِ الخُيُولِ والحَميرِ والبِغَالِ – وهذا الالتصَاقُ القُرَادِيُّ (الأبديُّ أو شِبْهُ الأبديِّ)، ولا شكَّ فيهِ، لَهُوَ الصفةُ الرئيسَةُ المَسِيسَةُ الخَسِيسَةُ التي يلتقي فيها طُغاةُ هذا الوطنِ العربيِّ الكئيبِ، من محيطهِ إلى خليجِهِ، قاطبةً وبلا استثناءٍ. غيرَ أنَّ القَوْلَ بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، وذلك لمجرَّدِ أنَّ هذهِ الثورةَ تتميَّزُ بوجودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ تحتَ رايةِ ذلك الائتلافِ المُسَمَّى بـ«تحالف قوى الحرية والتغيير»، لَقَوْلٌ فيهِ إجحَافٌ وتسفيهٌ غيرُ مباشِرَيْنِ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى، عَامَّةً). فإذا كانتْ حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ لمْ تزلْ في طورِ التظاهُرِ الأسبوعيِّ «السَّلبِيِّ» لافتقارِهَا إلى أيِّ شكلٍ من أشكالِ القيادةِ الثوريةِ الاعتصاميةِ، على النقيضِ من الحالِ في الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ (ولمْ يقُلِ الباحثُ الجامعيُّ هذا النَّعْتَ الأخيرَ مَا بينَ المُزْدَوَجَيْنِ قولاً تصريحيًّا، بلْ قالهُ قولاً تضمينيًّا في الجوهرِ)، فإن هذهِ الثورةَ الشعبيةَ الجزائريَّةَ قد أطاحتْ بعَرْشِ طاغيةٍ عَتِيٍّ مُصْطَنَعٍ (عبد العزيز بوتفليقة) بزمنٍ أقصرَ بكثيرٍ من الزمن الذي أطاحتْ بهِ الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانِيَّةُ بعَرْشِ الطاغيةِ النظيرِ (عمر حسن البشير) – الطاغيةُ الأولُ بوتفليقة، الذي أفرزَهُ نظامٌ طغيانيٌّ عمرُهُ خمسةٌ وخمسونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الثاني من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في الثاني والعشرينَ من شباطَ من هذا العامِ (أي في غضونِ أقلَّ من ستةِ أسَابيعَ)، بينما الطاغيةُ الثاني البشيرُ، الذي أنتجَهُ نظامٌ طغيانيٌّ مشابهٌ نسبيًّا عمرُهُ ثلاثونَ عامًا، قد أُطِيحَ بِهِ في الحاديَ عشرَ من نيسانَ في ثورةٍ شعبيةٍ بدأتْ في التاسعَ عشرَ من كانون الأول من العامِ الفائتِ (أي على مدى ما يقربُ من أربعةٍ من الشُّهورِ). وإذا كانتْ كذاك حُجَّةُ الباحثِ الجامعيِّ أنَّ القيادةَ العسكريةَ السودانيةَ قد صيرَ إلى ردعِهَا، حتى الآنَ، عن اللجوءِ إلى استخدامِ قوَّةِ الحديدِ والنارِ ضدَّ الثائراتِ والثائرينَ بسببٍ من مراهنةِ القيادةِ المدنيةِ السودانيةِ للحراكِ الثوريِّ على جَيَشَانِ ذلك «التعاطُفِ الملحوظِ» الذي أبداهُ عناصرُ قادةٌ بالأخصِّ من هذهِ القيادةِ العسكريةِ، فيبدو أنَّ الباحثَ الجامعيَّ قد خفيَ عليهِ عاملانِ أساسيانِ قد أدَّيَا إلى الحَسْمِ النهائيِّ (أو، على الأقلِّ، شبهِ النهائيِّ) في أمرِ هذا «الرَّدْعِ الإنسانيِّ» بعد استمرارِ الحربِ الأهليةِ في السُّودانِ زمانًا طويلاً، ألا وهُمَا: عاملُ التَّدَهْوُرِ الاقتصاديِّ «الملحوظِ جدًّا» في البلادِ وما يقتضيهِ هذا التَّدَهْوُرُ من انتشارِ الفَسَادِ بينَ مَا يُعْرَفُونَ بِـ«رجَالِ الإنقاذِ»، أوَّلاً، وعاملُ الصِّرَاعِ الداخليِّ في المؤسَّسةِ العسكريةِ ذاتِهَا وما يبتنيهِ هذا الصِّرَاعُ من صِرَاعٍ «خارجيٍّ» مُتَعَاوِرٍ بينَ عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ يقفون إلى جانبِ الثورةِ الشَّعْبِيَّةِ وبين عناصرَ قادةٍ وغيرِ قادةٍ آخرينَ يقفونَ ضدَّ هذه الثورةِ، ثانيًا – ومنْ هذا الخُصُوصِ المَخْصُوصِ بالذات، كانَ على الباحثِ الجامعيِّ المَعْنِيِّ، وعلى الأخصِّ أنَّهُ ذو اتِّجَاهٍ اشتراكيِّ (ماركسيٍّ)، كانَ عليهِ، في أدنى تقديرٍ، أنْ ينظرَ في تأثِيرِ جَانبِ الاقتصادِ وأنْ ينظرَ في قانونِ صراعِ الأضدادِ!

(9)

قلتُ كذلك أكثرَ من مرَّةٍ من قبلُ، ورَغْمَ أنَّ سَيْرورةَ هذا الثَّوَرَانِ الشعبيِّ العربيِّ، في أطوارِهِ الأولى، لمْ تدأبْ ذلك الدُّؤُوبَ المَأمُولَ نحوَ حُرِّيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذهِ البلدانِ المقهُورةُ في اليَقَاظِ وفي المَنَامِ، وما بَرِحَتْ، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ، قلتُ وكُلِّي تفاؤُلٌ وافْتِآلٌ إنَّ ما نشهدُهُ الآنَ من طَوْرٍ هَجِينِيٍّ، أو مِمَّا يبدُو على السَّطْحِ أنَّهُ «طَوْرٌ لاهَجِينِيٌّ»، لِثَوَرَانٍ مُضَادٍّ تحملُ شتَّى «مشاعِلِهِ» سِفْلَةٌ، أو حُثَالةٌ، من أرْجَاسِ الظَّلامِ والشَّرِّ والعُهْرِ، على اختلافِ مَشَارِبِهَا وعلى ائتلافِ مَآرِبِهَا في المستوى المَحَلِّيِّ (أفرادًا وجماعاتٍ، على حَدٍّ سَوَاءٍ) وفي المستوى الدُّوَلِيِّ (دُوَلاً تابعةً ودُوَلاً متبوعةً، على حَدٍّ سَوَاءٍ كذلك)، لا يعدُو أنْ يكونَ، في إبَّانِ تَسْيَارِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مَكَانيًّا مهما امتدَّ زَمَانُهُ ومهما اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لهُ من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينما تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الكَنِينِ من جديدٍ عَاليًا عَاليًا، وحينما تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسْيَادِهَا الطُّغَاةِ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ المَعْنِيِّينَ، أمْ أبتْ. وكما هي الحَالُ في أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيَّةٍ، أو حتى في أيَّةِ نظيرةٍ «عَالَمْ-ثالِثِيَّةٍ» لاعربيَّةٍ، تثُورُ على الطُّغْيَانِ وعلى حَيْفِ الزَّمَانِ، ينجلي في ذلك الطَّوْرِ الهَجِينِيِّ لِلثَّوَرَانِ المُضَادِّ الآنِفِ الذِّكْرِ انجلاءً، بأضْعَفِ الاِحْتِمَالِ، ينجلي عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، فيما يتبدَّى، أوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ (يُسَيِّرُهُ أزلامُ الحُكْمِ المُتَشَبِّثُونَ بالبقاءِ)، وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ (يُصَيِّرُهُ أسيادُ أزلامِ هذا الحُكْمِ المُتَرَبِّثُونَ بالشَّقَاءِ)، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» يعملانِ بجِدٍّ وكَدٍّ على إدَامَةِ هذا الطورِ الهَجِينِيِّ، وعلى دَيْمُومَةِ مُجْتَباهُ إلى حَدِّ اجتباءِ ذاتِ «الطَّوْرِ اللَّاهَجِينِيِّ»، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ – والمشهدانِ الثوريَّانِ الشَّعْبِيَّانِ في السُّودَانِ وفي الجَزَائِرِ، حتى هذا الحينِ من الهَيَجَانِ والغَلَيَانِ الجَمَاهِيرِيَّيْنِ منهمَا ومَا يليهِ من أحيَانٍ قمينةٍ، لا يُشَكِّلانِ البَتَّةَ استثناءً مُسْتَثْنًى بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، في هذهِ القرينةِ. ولٰكِنْ، ولٰكِنْ، ومعَ كلِّ أشكالِ هذا التَّدْوِيمِ الدَّخِيلِ واللادَخيلِ وكلِّ أشكالِ هذا اللااستثناءِ «الضَّلِيلِ»، وبالرَّغمِ من كلِّ ما ينجُمُ عنهُمَا عِلاوَةً عليهِ من حالاتِ الاسْتِعْصَاءِ المُسْتَطِيلِ، فإنَّ كلاًّ من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ لَمْ يَزَلْ سَائرًا، حتى هذا الآنِ من ثَوَرَانِهِ السِّلْمِيِّ الجَلِيلِ، لَمْ يَزَلْ سَائرًا على قَدَمٍ وسَاقٍ مَتِينَينِ ثابِتَيْنِ بكلِّ ما يقتضيهِ السَّيْرُ من عَزْمٍ ومن حَزْمٍ لا يعرفانِ أيَّ معنًى لقيدٍ من القُيُودِ معنًى سَليلٍ، ولا حتَّى يعرفانِ أيَّ مغزًى للخُمُولِ أوِ الخُمُودِ أوِ الحُيُودِ مغزًى غَلِيلٍ.

ففيما لهُ رباطٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ السُّودَانيِّ، من ناحيةٍ أولى، وبعدَ الإطاحةِ بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ، عمر حسن البشير (ذلك الطاغيةِ العَتِيِّ الذي أفرزَهُ نظامٌ أوتوقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا مديدًا، مَدى ثلاثينَ عَامًا)، تواصلُ الثَّائراتُ والثَّائرُونَ السُّودَانيُّونَ سَعْيَهُمْ بسَائِرِ أطيافِهِمْ تارةً في الاحتجَاجِ بسِلْمِيَّةٍ هَا هُنا، وتارةً أُخرى في الاعتصَامِ بأكثرَ منهُ سِلْمِيَّةً هَا هُنَاكَ أمَامَ مَقَرِّ القيادةِ العامَّةِ للجَيْشِ «الوطنيِّ» (في العاصمةِ الخرطومِ، في المَقامِ الأوَّلِ)، يواصلونَ سَعْيَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إصْرَارٍ، على أقلِّ تقديرٍ، بتسليمِ «مقاليدِ» الحُكْمِ العسكريِّ إلى نظيرٍ مدنيٍّ قلبًا وقالِبًا، وبتمثيلٍ رَمْزِيٍّ من الجَيْشِ جِدِّ مَحْدُودٍ لأسبابٍ بَدَهِيَّةٍ بَيِّنَةٍ بذاتِهَا، مَهْمَا حاولتْ عناصرُ مِمَّا يُسَمَّى بـ«المجلس العسكري الانتقالي» أفَّاكَةً في تَسْويفِ التفاوُضِ الجَادِّ معَ قادةِ ذلك الائتلافِ المدنيِّ المُنْضَوي تحتَ لواءِ «قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، وذلك تشبُّثًا بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ برئاسةِ عبد الفتاح البرهان (ذي التَّواصُلِ «الحَمِيمِيِّ» معَ طاغيةِ مصرَ، عبد الفتاح الآخَرِ!)، ومَهْمَا حاولتْ كذاك عناصرُ مِمَّا يُدْعَى بـ«قوات الدعم السريع» فَتَّاكَةً بالقوَّةِ، أو حتَّى بالفِعْلِ، في استخدامِ العُنْفِ بارتدادِهِ العَكْسِيِّ في الضَّرَّاءِ لا في السَّرَّاءِ، وذلك تشبُّثًا أكثرَ حتَّى بـ«مقاليدِ» ذاتِ الحُكْمِ العسكريِّ أيضًا بنيابةِ رئاسةِ محمد حمدان دقلو، ذي اللَّقَبِ العَامِّيِّ الشَّهيرِ «حْمِيدْتِي» (وذي التَّواصُلِ «الأكثرِ حميميَّةً»، بدورِهِ هو الآخَرُ، معَ طاغيتَيِ السُّعوديَّةِ والإماراتِ، المحمدّينِ الآخَرَيْنِ!)، حتَّى تكتملَ، هَا هُنَا، مهزلةُ المهازلِ في التَّطَابُقِ الغريبِ والعَجيبِ مَا بَيْنَ الأسْمَاءِ الأوائلِ – وهذهِ القواتُ الأخيرةُ، للتذكيرِ العَابرِ، إنَّمَا هي قواتٌ «بَلْطَجِيَّةٌ» بامتيازٍ لا تختلفُ، من حيثُ الفَحْوَاءُ، عن قطعانِ «شَبِّيحَةِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الطائفيِّ المتوحِّشِ المُخْتصِّ بشتَّى صُنُوفِ الإجرامِ مَا دُونَ-البَهِيمِيِّ في سوريا. وفيما لهُ مِسَاسٌ بالمشهدِ الثوريِّ الشَّعْبِيِّ الجَزَائِرِيِّ، من ناحيةٍ أُخْرَى، وبعدَ الإطاحةِ أيضًا بعَرْشِ طاغيةِ البلادِ، عبد العزيز بوتفليقة، من طَرَفِهِ هو الآخَرُ (ذلك الطاغيةِ العَتِيِّ الذي أنْتَجَهُ نظامٌ بيروقراطيٌّ عسكريٌّ قدِ استبدَّ بالحُكْمِ استبدادًا أمَدَّ بكثيرٍ من استبدادِ «قَرِينِهِ» السُّودَانيِّ، مَدَى خمسةٍ وخمسينَ عامًا)، تتابعُ الثَّائراتُ والثَّائرُونَ الجَزَائِرِيُّونَ جَهْدَهُمْ في الاحتجَاجِ وفي الاعتصَامِ السِّلْميَّيْنِ بكافَّةِ أطيافِهِمْ أيضًا، وقد تأوَّجتْ هذهِ الأطيافُ مُؤَخَّرًا بازديادِهَا الجَمَاهيريِّ المَلْحُوظِ في جُمُوعِ طالباتِ وطُلاَّبِ الجَامِعَاتِ أمَامَ مَقَرِّ قيادةِ أركانِ الجيشِ «الوطنيِّ»، أو «اللاوطنيِّ» بالأحْرَى (في العاصمةِ الجزائرِ أيضًا، في الأغلبِ والأعمِّ)، يتابعونَ جَهْدَهُمْ مطالبينَ بكلِّ إلحَاحٍ، في الحَدِّ الأدنى من الدستورِ الجزائريِّ بالذَّاتِ، بتفعيلِ كلٍّ من المادةِ السابعةِ التي تنصُّ على أنَّ «الشَّعْبَ مَصْدرُ كلِّ سُلْطَةٍ» والمادةِ الثامنةِ التي تنصُّ على أنَّ «السُّلْطَةَ التأسيسيَّةَ مِلْكٌ للشَّعْبِ»، وبترحيلِ كُلٍّ مِمَّا تبقَّى من «أشلاءِ» النظامِ الفاشيِّ المَافْيَويِّ الهَرِمِ المُتَهَرِّئِ الهِرْدَبَّةِ الهِرْشَفَّةِ الآسِنِ حتَّى القِحْفِ من الرَّأسِ في مستنقعاتِ الفسَادِ والرَّذيلةِ والمُحَابَاةِ والمحسوبِيَّاتِ بكلِّ أشكالِهَا، وعلى رأسِهِمْ رئيسُهُ المؤقَّتُ (عبد القادر بن صالح) ورئيسُ وزرائِهِ الأكثرِ توقيتًا (نور الدين بدوي) وقائد أركانِ جيشهِ الأقلِّ توقيتًا (أحمد قايد صالح)، حتى لو تَوَغَّنَ هؤلاءِ بقايَا «الأشلاءِ» عَلى إجراءِ مَا يختلقُونَهُ ومَا يُسَمُّونَهُ بـ«الانتخابِ الرئاسيِّ» المُزْمَعِ مَوْعِدُهُ في اليومِ الرَّابعِ من شهرِ تمُّوزَ المُقْبِلِ من هذا العَامِ – وهو، على فكرةٍ، ذاتُ «الانتخابِ الرئاسيِّ» المَرْفُوضِ من أُسِّ أسَاسِهِ الاختلاقيِّ بالاِسْمِ رَفْضًا قَاطِعًا من لَدُنْ أولئك الثَّائراتِ المستمرَّاتِ والثَّائرِينَ المستمرِّينَ في ذلك الثَّوَرَانِ السِّلْمِيِّ الأُسْطُوريِّ بِجُلِّهِنَّ وجُلِّهِم، لا مَحَالَ.

وبالنظرِ الوَكِيدِ إلى كُلٍّ من هٰذَيْنِ المشهدَيْنِ الثوريَّيْنِ الشَّعْبِيَّيْنِ بعينَيْنِ عقلانيَّتَيْنِ لابَخْسِيَّتَيْنِ، وعلى الأخصِّ أنَّهمَا مشهدانِ ثوريَّانِ يتبدَّيَانِ بوَصْفِهِمَا استمرارًا «ربيعيًّا» في الجَانبِ الإفريقيِّ من هذا العَالَمِ العربيِّ التَّائِهِ والرَّائِهِ رَيْهًا جَمُوحًا كعادتِهِ في الخَوَالِي من تلك السَّنَوَاتِ الثَّمَانِي، فإنَّ أيَّ جِنْسٍ من أجناسِ ذلك «التحليلِ السياسيِّ» المُتَمَرِّسِ بحُكْمِ المِهْنَةِ، أو حتَّى المُتَمَرِّسِ بحُكْمِ غيرِ المِهْنَةِ، يلجأُ مَحْثُوثًا بذلك «الحَمَاسِ الثوريِّ» المُفْرِطِ إفراطًا إلى حَدِّ الافتعالِ (أو، بالحَرِيِّ، ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» Hyper-Revolutionary Fervour، إنْ جازتِ الاستعارةُ، هَا هُنَا، من مصطلحَاتِ علمِ النَّفْسِ الحَدِيثِ «المُسَالِمِ»)، يلجأُ مَحْثُوثًا إلى استخدامِ فَيْضٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا من دلالاتٍ تمييزيةٍ، أو من دلالاتٍ تفضيليَّةٍ – لا بل جِدِّ تفضيليَّةٍ، في مَعْرِضِ الكلامِ عن «إنجازاتِ» الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانيَّةِ، حتَّى هذا الحينِ أو حتَّى ذاك الحينِ منها، ودونَ الأخْذِ بالحُسْبَانِ بَتَّةً مَا يقابلُ هذهِ الـ«إنجازاتِ» فيمَا يتعلَّقُ بالثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ تحديدًا (أو أيَّةِ ثورةٍ شعبيةٍ عربيةٍ أُخرى، بقَدْرِ ما يتعلَّقُ الأمرُ بِهَا كذلك)، إنَّمَا هو جِنْسٌ من أجناسِ «التحليلِ السياسيِّ» الانتقائيِّ الاصطفائيِّ الحَائِدِ عن جَادَّةِ الصَّوَابِ والسَّدَادِ إلى حدٍّ كبيرٍ، ولا رَيْبَ، وخُصُوصًا كُلَّ الخُصُوصِ حينمَا يصدُرُ هذا الجِنْسُ عن المصدرِ المَرْبُوصِ على «اليسارِ العربيِّ» تنظيرًا وَ/أوْ تطبيقًا، وسَواءً كانَ هذا اليسارُ العربيُّ ماركسيًّا أمْ لاماركسيًّا أمْ في مَرْهَصَةٍ بينَ المَرْهَصَتَيْنِ. وقدْ أشرتُ، في القسمِ الثامنِ من هذا المقالِ، إلى شيءٍ من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ تلك، إشارةً إلى مَا قَامَ بِهِ الباحثُ الجَامعيُّ جلبير الأشقر بكلِّ جِدٍّ وجِدِّيَّةٍ في مقالهِ المُشارِ إليهِ، «التضامنُ مع الثورةِ السودانيةِ ملحٌّ!» (القدس العربي، 23 نيسان 2019)، إشارةً إلى قَوْلِهِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» بأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ إنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ تقدُّمًا وخطورةً» وإنَّمَا تشكِّلُ «الحالةَ الأكثرَ صَلابةً وجذريَّةً»، وذلك لمجرَّدِ أنَّ هذهِ الثورةَ تَمْتَازُ بوجودِ قيادةٍ ثوريَّةٍ يقودُهَا قادةُ الائتلافِ المدنيِّ بالذَّاتِ، «قوى (إعلان) الحرية والتغيير»، المذكورِ قبلَ قليلٍ. وقلتُ هناكَ إنَّ في هذا القولِ «الحَمَاسِيِّ فوقَ-الثوريِّ» إجحَافًا وتسفيهًا غيرَ مباشِرَيْنِ – وقدْ صَارَا مباشرَيْنِ الآنَ، في حقيقةِ الأمرِ، بحقِّ الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، خاصَّةً (وبحُقُوقِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ الأُخرى، عَامَّةً)، لماذا؟ – لأنَّ الثورةَ الشعبيةَ السُّودَانِيَّةَ من طَرَفِهَا، ومعَ اتِّصَافِهَا بصِفَةِ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ المُتَكَلَّمِ عَلَيْهِ، لمْ يميِّزْهَا حتَّى هذهِ اللحظةِ من نشوبِهَا أيَّ تمييزٍ موضوعيٍّ، ولا حتَّى ذاتيٍّ، من ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» عن شَقِيقَتِهَا الثورةِ الشعبيةِ الجزائريَّةِ، ومعَ اتِّسَامِهَا بسِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ على النَّقِيضِ. حتَّى أنَّ هذهِ الشَّقِيقَةَ الجزائريَّةَ الأخيرةَ، من طَرَفِهَا هي الأُخْرَى، قدْ أثبتتْ للعَالَمِ كُلِّهِ، من جَرَّاءِ سِمَةِ الغِيَابِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّسِمُ بِهَا، أنَّهُ مَا مِنْ قُوَّةٍ فيزيائيَّةٍ، ومَا مِنْ قُوَّةٍ مِيتَا-فيزيائيَّةٍ حتَّى، يُمْكِنُ لَهَا أنْ تَعْلُوَ بَتَّةً على قُوَّةِ مَا يُعْرَفُ بـ«المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ» Collective Human Agency، وعلى الأخصِّ حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ: حتىَّ أفراخُ الطَّيرِ تستطيعُ أنْ تُحَلِّقَ في السَّمَاءِ أعْلى مِمَّا تستطيعُ (على الأرضِ) بقُوَّةِ الإرادَةِ في حَدِّ ذاتِهَا، لا بقُوَّةِ الجَنَاحَيْنِ، كَمَا كَانَ الحُكَمَاءُ القُدَامَى يقولونَ وقدْ كانوا عَلى يَقِينٍ مُطْلَقٍ من هذا القَوْلِ، وأوَّلُهُمْ كُونْفُوشْيُوس. وهكذا، وهذا يعني بجَلاءٍ، بالغِرَارِ ذاتِهِ، أنَّ صِفَةَ الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ التي تَتَّصِفُ بِهَا الشَّقِيقَةُ السُّودَانِيَّةُ الأولى، ورَغْمَ «إيجابيَّاتِ» هذا الحُضُورِ السَّاطِعِ للعِيَانِ عَلى أكثرَ من صَعِيدٍ، ليسَ لهَا مَحَلٌّ من الإعْرَابِ في التَّألُّقِ الأشدِّ سُطُوعًا لِقُوَّةِ المَنَابِ الإنسَانيِّ الجَمْعِيِّ، وبالأخصِّ حينمَا يكونُ هذا المَنَابُ مُدَجَّجًا بقُوَّةِ الإرادَةِ الإنسَانيَّةِ الجَامِعَةِ (لكي نُعِيدَ التعبيرَ ذاتَهُ، مرَّةً ثانِيَةً، للتَّوْكِيدِ – من بُدِّهِ). هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ بالصِّرَاعِ بينَ طبقةِ الطُّاغِيَةِ العَتِيِّ وبينَ طبقاتِ الشَّعْبِ المَعْتِيِّ (عَلَيْهِ) أيًّا كانَ في تاريخِ مَدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي تمخَّضَ عن مَدَى القَمْعِ والقَسْرِ والقَهْرِ ومَا تمخَّضَ عنْهَا بدَوْرِهَا من بُؤْسٍ نفسيٍّ-اِجتماعيٍّ مدِيدٍ زائدٍ عنْ حدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي حَطَّ كلاًّ من أنظمةِ الطُّغْيَانِ المَعْنِيَّةِ في مَحَطٍّ مُنْحَطٍّ لَمْ يَعُدْ في مَقْدُورِهِ التَّحَكُّمُ فيهِ بالسِّيادَةِ والسِّيَادِ لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ السُّودَانِيِّ أوِ الجَزَائرِيِّ أوِ اللِّيبِيِّ أوِ المِصْريِّ أوِ اليَمَانِيِّ أوِ العِرَاقيِّ أوِ الأُرْدُنِّيِّ أوِ الفِلَسْطِينِيِّ أوِ السُّورِيِّ أوِ القَادِمِ والقَادِمِ، لا مَحَالَ، لَدَى اشتدادِ ذاك الزَّنْدِ، زَنْدِ الشَّعْبِ الزَّنُودِ في شَدِّهِ، هذا هو الوَعْيُ الطَّبَقِيُّ الجَمَاهيريُّ اليقينيُّ الذي سوفَ يُسَجِّلُهُ التاريخُ الإنسانيُّ وَعْيًا متزايدًا باطِّرَادٍ في سِجِلاَّتِ «النَّشَاطِ التاريخيِّ المستقلِّ» بالذَّاتِ – وقدْ تَطَرَّقَ إلى أشكالِ هذا النَّشَاطِ التاريخيِّ بالذاتِ لينينُ عَيْنُهُ مِرَارًا وتكرارًا في أكثرَ من سِيَاقٍ ثوريٍّ مَاثِلٍ، وخُصُوصًا بالاستنادِ إلى مَا عَنَاهُ ماركسُ عَيْنُ عَيْنِهِ من مرحلةِ التناقضِ الحَتْمِيِّ بين قِوَى الانتاجِ وبينَ علاقاتِ الانتاجِ، قبلَ أن يستحيلَ هذا التناقضُ الحَتْمِيُّ إلى قوَّةٍ تدميريَّةٍ شَاملةٍ لكَيْمَا يستهلَّ استهلالاً مرحلةَ الثَّوَرَانِ الاِجتماعيِّ الشَّاملِ.

وفَوْقَ ذلك كُلِّهِ، أيَّتُهَا القارئةُ الفَطِينَةُ وأيُّهَا القارئُ الفَطِينِ، لَمْ نَفْتَأْ في هذا الآنِ والآوانِ نَرَى مثقَّفينَ لامِعِينَ مِمَّنْ هُمْ (وهُنَّ) في عِدادِ المنتمينَ إلى «اليسارِ العربيِّ» الماركسيِّ أوِ اللاماركسيِّ أوِ الـ«مَا بَيْنَ بَيْنَ»، لَمْ نَفْتَأْ نَرَاهُمْ يلجأُونَ مَحْثُوثِينَ بذاتِ «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» إلى استخدامِ فَيْضٍ (أو فُيُوضٍ) من بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ المُنَوَّهِ عنهُ آنِفًا، مَثَلُهُمْ في هذا اللُّجُوءِ كَمَثَلِ ذاك الصَّبيِّ «العبقريِّ» حينَ يشاهدُ، وَهْوَ مُخْرِجٌ بجهازِ التَّحَكُّمِ مِنْ بُعْدٍ، مَشَاهِدَ لُعْبَةٍ إلكترونيَّةٍ من تلك الألعَابِ المُسَمَّاةِ جَمْعًا بـ«حُرُوبِ النُّجُومِ» Star Wars، فيختارُ مَا يَشَاءُ من هذهِ الحُرُوبِ «مثالاً مَلْحَمِيًّا» يَحْتَذِي بِهِ احتذاءً في تَجْوالهِ الاِفْتِرَاضيِّ المَائِرِ، ويُكْسِيهِ من ثَمَّ «فُسْتَانًا أُسْطُورِيًّا» بكُلِّ مَا يَبْتَنِيهِ من خَيَالاتِ الاِسْتِيهَامِ الحَمَاسِيِّ الفَائِرِ، وبغضِّ الطَّرْفِ كُلِّ الطَّرْفِ، في مَعْمَعَانِ هذهِ «الحَرْبِ الضَّرُوسِ»، عن أيِّمَا «مثالٍ مَلْحَمِيٍّ» آخَرَ. فهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ اللبنانيِّ إلياس خوري، في مقالِهِ المَعْنِيِّ «السودانُ والربيعُ العربيُّ» (القدس العربي، 6 أيار 2019)، هَا هو يتحدَّثُ عن الثورةِ الشعبيةِ السُّودَانِيَّةِ بوَصْفِهَا «مِرْآةً ناصِعَةَ» تسمحُ، والحَالُ هذهِ، بإعادةِ النَّظَرِ في كَافَّةِ الثوراتِ الشعبيةِ العربيةِ التي سَبَقَتْهَا (بما فيها كذلك الثورةُ الشعبيةُ الجزائريَّةُ التي تُزَامِنُهَا الآنَ)، دونَ أنْ يتجشَّمَ أيًّا من عَنَاءِ القولِ بالنَّحْوِ العكسيِّ تمامًا بأنَّ هذهِ المِرْآةَ الناصِعَةَ ذاتَهَا، ولا شكَّ فيهَا بتَّةً، إنَّما استمدَّتْ نُصُوعَهَا، بنَحْوٍ أو بآخَرَ، من هذهِ الثوراتِ ذاتِهَا في الحَيِّزِ الأوَّلِ، رغمَ كلِّ مَا اعتراهَا ومَا يعتريهَا من إخفاقٍ ومن إحباطٍ، على مدى تلك الثَّمَانِي من عِجَافِ السِّنِينِ. وقدْ أشارَ الكاتبُ الرِّوَائيُّ مُنَاقِضًا نفسَهُ بنفسِهِ إلى بعضٍ من أسْبَابِ هذا الإخفاقِ وهذا الإحباطِ، إشارةً إلى أتْرَاحِ المشهدِ السُّورِيِّ الرَّثِيمِ، وبعدَ الإسْهابِ الرِّوَائيِّ في بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الرَّنِيمِ، تلك الأسْبَابِ التي تأزَّمَتْ في آخِرِ المَطافِ في وُقُوعِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، أيَّامَ غُلِبُوا عَلى أمْرِهِمْ وأيَّامَ غُرِّرَ أيَّمَا تَغْرِيرٍ بِهِمْ، في وُقُوعِهِمْ بينَ فَكَّيْ نظامَينِ طُغْيَانِيَّيْنِ تَكَتُّلِيَّيْنِ يتقاتَلانِ تقاتُلاً هَمَجيًّا، لا بَلْ مَا دونَ-بهيميًّا، على السِّيَادةِ والنُّفُوذِ في أرضِ الشَّآمِ، من جهةٍ، ويتباريَانِ تباريًا لا يقلُّ هَمَجيَّةً ولا يقلُّ مَا دونَ-بهيميَّةً على إخْمَادِ الثورةِ الشعبيةِ السُّوريَّةِ باسْتنفَارِ شتَّى أولادِ الحَرَامِ، من جهةٍ أُخرى. وهٰذانِ النِّظامَانِ الطُّغْيَانِيَّانِ التَّكَتُّلِيَّانِ هُمَا: نظامُ السُّحْتِ الأسديُّ الإجْرَامِيُّ العَمِيلُ بقَرْنَيهِ الرُّوسيِّ والإيرانيِّ الجَلِيَّيْنِ (إضافةً إلى قُرونِهِ الخَفِيَّةِ من دولِ الغربِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بما فيها إسرائيلُ)، أوَّلاً، ونظامُ الزِّفْتِ السُّعُوديُّ النَّهْيَانيُّ الاجْتِرَامِيُّ الأجَلُّ عَمَالَةً بمخالبِهِ الجَلِيَّةِ من أشتاتِ المتوحشينَ التكفيريِّينَ والظلاميِّينَ (فضلاً كذلك عنْ مخالبِهِ الخَفِيَّةِ من دولِ الغربِ الإمبرياليِّ الحَدِيثِ، بما فيها إسرائيلُ)، ثانيًا – فـ«شجاعةُ» السُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ في تحطيمِ جُدْرَانِ الخَوْفِ، ولا ريبَ فيها بَتَّةً أيضًا، ليستْ مُنْعَدِمَةً على الإطلاقِ في أذْهَانِ الجزائريَّاتِ والجزائريينَ (ولا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أذْهَانِ السُّوريَّاتِ والسُّوريِّينَ، ولا حتَّى مُنْعَدِمَةً في أذْهَانِ أيٍّ من الشُّعُوبِ التي ثارتْ والتي لم تَثُرْ بعدُ)، حتَّى يفتتحَ الكاتبُ الرِّوَائيُّ بلاغيَّاتِهِ التَّخْيِيريَّةَ بهَا (أي بـ«الشجاعةِ» المُتَحَدَّثِ عنهَا) متفرِّدًا بالسُّودانيَّاتِ والسُّودانيِّينَ، دُونَ غَيْرِهِنَّ ودُونَ غَيْرهِمْ، ودُونَ أنْ يختتمَ البلاغيَّاتِ ذَاتَهَا إنْ كانَ يعلمُ أنَّ هذهِ «الشجاعةَ» المُتَحَدَّثَ عنهَا بالذاتِ إنَّمَا اسْتَقَتْ بَريقَهَا، بِنَحْوِهَا هي الأُخْرَى، مِنْ «شَجَاعَاتِ» مَنْ قَوَّضْنَ ومَنْ قَوَّضُوا جُدْرَانَ الخَوْفِ ذَوَاتِهَا قبلَ تلك «الثَّمَانِي من عِجَافِ السِّنِينِ»، ومِنْ قُدَّامِ أنظمةٍ طُغْيَانِيَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً وأكثرَ بربريَّةً وحُوشِيَّةً في الظَّنِّ واليقينِ.

وهَا هو، على سَبِيلِ التَّمْثِيلِ كذاك (والأنكى من ذاك كلِّهِ)، مثالُ الكاتبِ الرِّوَائيِّ الجزائريِّ واسيني الأعرج في مقالِهِ المَعْنِيِّ «أيقوناتُ الثوراتِ العربيةِ، والحراكُ السلميُّ؟» (القدس العربي، 21 أيار 2019)، هَا هو يتكلَّمُ، من زاويتِهِ هو الآخَرُ، بتفرُّدٍ أشدَّ عَلى المستوى الجَمْعِيِّ، وبتفرُّدٍ أشدَّ شِدَّةً حتَّى على المستوى الفرديِّ تحديدًا، هَا هو يتكلَّمُ عن شخصيَّةٍ أنثويَّةٍ برزتْ فجأةً في المشهدِ السُّودَانِيِّ، كمثلِ الشابَّةِ السُّودانيةِ آلاء صالح (ولا شكَّ، لا شكَّ، في كُلِّ الثَّنَاءِ وفي كُلِّ التقديرِ اللذَيْنِ تستحقُّهُمَا استحقاقًا، في هذهِ القرينةِ)، يتكلَّمُ عنهَا عَلى اعتبارِهَا «أيقونةً جَمِيلةً» أنْشَأتْهَا الثورةُ الشعبيةُ السُّودَانِيَّةُ تعبيرًا عن الحَرَاكِ السِّلْمِيِّ في هذا الزَّمَانِ، وعَلى اعتبارِهَا كذلك صُورةً أنيقةً و«تمثالاً للحريَّةِ في كلِّ مكانٍ»، وعَلى اعتبارِهَا عِلاوةً عَلى ذلك كلِّهِ جَسَدًا أُنثويًّا تجسَّدتْ فيهِ رُوحُ «الملكةِ النُّوبيَّةِ الأسطوريَّةِ كَنْدَاكَةَ» بالرُّوحِ فأصَابَهَا شيءٌ من خُلودِهَا المُصَانِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ، من أمثالِ بلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ الدِّعَائيِّ والدِّعَاوِيِّ التي تختصُّ بها وسَائلُ الإعلامِ الغَنِيَّةِ عن التعريفِ في الشَّرْقِ قبلَ الغَرْبِ (إنْ أرادتْ أنْ تُشْهِرَ شخصيَّةً أنثويَّةً، أو ذَكَرِيَّةً، إشْهَارًا لمَأْرَبٍ من المَآرِبِ، تمامًا مثلمَا تريدُ أنْ تُغْمِرَهَا إغْمَارًا، أو حتَّى أنْ تُفْنِيهَا إفْنَاءً، بمَقْلَبٍ من المَقَالِبِ). وهكذا ببساطةٍ، وهكذا لمُجَرَّدِ أنَّ هذهِ الشابَّةَ السُّودانيةَ وقفتْ على ظَهْرِ سيَّارةٍ «تُهَوِّسُ» وَسْطَ الحُشُودِ ببضْعٍ من عباراتِ الزَّجَلِ الشَّعبيِّ (الثوريِّ)، تحوَّلتْ بينَ عَشِيَّةٍ وضُحَاهَا إلى «أسطورةٍ ثوريَّةٍ» بهذا الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ العتيدِ الذي استقطبَ كُلَّ الاِستقطابِ يَرَاعَاتِ الكاتبينَ وحَنْجَرَاتِ المُغَنِّينَ من «اليَسَارِ العربيِّ»، أو المَحْسُوبِ عليهِ (كمارسيل خليفة وسميح شقير، مثلاً لا حَصْرًا)، وعلى الرَّغْمِ الرَّغِيمِ من أنَّ هكذا «أسطورةً ثوريَّةً»، في حَدِّ ذاتِهَا، لَمْ تتحوَّلْ حتَّى خالدة زاهر (1926-2015) إلى أيِّ شيءٍ منها، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، تلك الناشطةُ اليساريَّةُ الماركسيَّةُ الحقيقيَّةُ التي كانتْ من أُولَيَاتِ النِّسَاءِ اللواتي كُنَّ غَيْرَ آبِهَاتٍ بالاعتقالِ والتنكيلِ إلى حَدِّ الجَلْدِ بأنواعِهِ، حينمَا كُنَّ يَقُدْنَ المُظاهراتِ تنديدًا بالاستعمارِ الإنكليزيِّ في الأربعينيَّاتِ ومطلعِ الخمسينيَّاتِ من القرنِ الفارطِ (قبلَ خُرُوجِ هذا الاستعمارِ إبَّانَئِذٍ)، وحينمَا كُنَّ يَقُدْنَها كذلك احتجاجًا على كلِّ أشكالِ الطُّغْيَانِ والاستبدادِ (بعدَ خُرُوجِ ذاك الاستعمارِ عَامَ 1956) – وثَمَّةَ الكثيرُ الكثيرُ، عَلى اختلافِ الِانتمَاءَاتِ بكُلِّهَا، ثَمَّةَ الكثيرُ من أولئك الناشطاتِ اللواتي ارْتَقَيْنَ والناشطينَ الذينَ ارْتَقَوْا إلى مَصَافِّ «الأسطورةِ الثوريَّةِ» وإلى أرقَى مِنْهَا مَصَفًّا حتَّى، ثَمَّةَ الكثيرُ مِمَّنْ لَمْ يلتفتْ إليهِنَّ ولا إليهِمْ ضَميرُ «اليَسَارِ العربيِّ» أيَّ التفاتٍ بذلك الزَّخْمِ الرِّوَائيِّ الحَمَاسِيِّ العتيدِ. كَمَا قالَ أحدُ المُعلِّقينَ الفُطَنَاءِ مَا مَعْنَاهُ، هُنا، إنَّ أيَّ عَاملةٍ تعملُ في مَعْمَلٍ للمَلابسِ عَمَلاً شريفًا لكيمَا تُقَدِّمَ للنَّاسِ المَلابسَ جَيِّدةً، وحَسْبُ، إنْ هي إلاَّ أيقونةٌ وطنيَّةٌ لَأَهمُّ بكثيرٍ مِنِ امْرَأةٍ تَصْدَحُ بالصَّوتِ، لا لشيءٍ سِوَى لكيْ تكونَ «كَنْدَاكَةً»، ليسَ إلاَّ! وكَمَا يقولُ لِسَانُ الحَالِ كذاك لدَى أيَّةِ ذاتِ وأيِّ ذِي ضَميرٍ إنسَانِيٍّ في هذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسَانِيِّ مَا فَحْوَاهُ، هَا هُنا، إنَّ ظُفْرًا واحِدًا مِنْ أظْفَارِ الصَّبِيِّ الأبِيِّ حمزة الخطيب، تلك الأظْفَارِ التي اقتلعَتْهَا بكُلِّ وَحْشِيَّةٍ وبكُلِّ هَمَجِيَّةٍ وبكُلِّ حُوشِيَّةٍ كَمَّاشَاتُ نظامِ السُّحْتِ الأسديِّ الإجْرَامِيِّ العَمِيلِ، إنَّمَا يُعادلُ وَزْنًا لَأَجَلَّ بكثيرٍ مِنْ وَزْنِ «كَنْدَاكَةٍ» فَوْقَهَا سِتُّونَ ألفَ «كَنْدَاكَةٍ» مِمَّا يَعُدُّونَ!

وإنْ كانَ ثَمَّةَ مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَتَحَلَّى مَحْثُوثًا بفَيْضٍ مِنْ ذلك «الحَمَاسِ فوقَ-الثوريِّ» في هذا الزَّمَانِ الفَقِيرِ إلى الضَّميرِ الإنسانيِّ، وإنْ كانَ ثَمَّةَ مَنْ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنَ يَتَمَلَّى مَحْثُوثًا إحْثَاثًا أشدَّ مِنْهُ فَيْضًا أوْ فُيُوضًا مِنْ بَلاغيَّاتِ اللِّسَانِ التَّخْيِيريِّ، ومَا تَنْطَوِي عليهِ بدورِهَا مِنْ دَلالٍ تمييزيٍّ، أوْ مِنْ دَلالٍ تفضيليٍّ أوْ جِدِّ تفضيليٍّ، وسَواءً كانَ هذا الـ«مَنْ» بَاحِثًا جَامِعِيًّا أمْ كاتبًا رِوَائِيًّا أمْ مُؤَلِّفًا مُوسِيقيًّا أمْ نَاشِطًا سِيَاسِيًّا (يَسَارِيًّا ماركسيًّا أوْ لاماركسيًّا أوْ بَيْنَ بَيْنَ)، أمْ حتَّى أيَّ شَيْءٍ غَيْرَ ذلك في الفَضَاءِ الرَّقَمِيِّ واللارَقَمِيِّ، فليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُوَظِّفَ هذا الحَمَاسَ كُلَّهُ، وليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُوَظِّفَ هذهِ البَلاغيَّاتِ كُلَّهَا، لِصَالِحِ رُمِّ الشُّعُوبِ العَرَبيَّةِ (أوِ اللاعَرَبيَّةِ) المُسْتَمِرَّةِ في ثَوَرَانِهَا السِّلْمِيِّ، وليسَ غيرَ هذهِ الشُّعُوبِ. ذلك لأنَّ هذهِ الشُّعُوبَ، بمَا تُبدِيهِ للدُّنْيَا بأٍسْرِهَا من وَعْيٍ فَرْدِيٍّ وجَمْعِيٍّ حقيقيٍّ بوجودِهَا المَسْلُوبِ، لا تحتاجُ بَتَّةً إلى أيٍّ من «أيْقُونَاتِ» الحُضُورِ القِيَادِيِّ الثوريِّ، لا في الشُّرُوقِ ولا في الغُرُوبِ!

*** *** ***

لندن، دبلن، بلفاست،
29 آذار (مارس) 2019 – 19 حزيران (يونيو) 2019

/ عن الحوار المتمدن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى