علاء نعيم الغول - الواجهة الثانية: خشب

هذي مقاعدُ من خشبْ ليستْ لنا بل للفراغِ وظلِّهِ ونهايةِ الماءِ الذي تركَ الشقوقَ وبلَّغَ الطينَ الرقيقَ بما جرى لا شيءَ يبقى غير رائحةِ السكونِ وما تبقى من عفونةِ ذكرياتٍ آثرَتْ ألا تظلَّ كما المقاعدُ تنتظرْ⓪︎ صدَقَ الماهوجاني حين غطى نفسهُ بالشمسِ أوهمَنا بأنا نستحقُّ الظلَّ أيضًا فافتتحنا شارعًا وتقاسمتْ خطواتُنا تعبَ المسافةِ واستمرَّ العشقُ في فهمِ العلاقةِ بيننا شجرًا يحاولُ أنْ يرتب ما ترتبَ سابقًا عندَ البحيرةِ أو بيوتٍ من حجرْ①︎ والشَّجْرةُ العجفاءُ شاهدةٌ على أنَّ الحياةَ رفيقُها فقطِ البقاءُ بلا رفاقٍ نستطيعُ الآنَ فهمَ الرملِ وهو يجفُّ تحتَ المانجروفِ وكيف تمتصُّ السماءُ الصفوَ من لونِ الهواءِ كفكرةٍ عرضيةٍ والشمسُ تلعَقُ مَنْ يظلُّ كآكلاتِ النَّمْلِ هذا الحرُّ ينخرُ في اللحاءِ كأنهُ القلقُ الذي في الليلِ أو بعدَ الفراقِ بقُبلتينِ②︎ ألا وتمتدُّ المقاعدُ سُلَّمًا للغيمِ يعبرُهُ بعيدًا ثمَّ أبعدَ ثمَّ لن نقوى على تركِ الطيورِ بدونِ أجنحةٍ ترانا صاعدينَ ولا نراها وهي تنبشُ في اليبابِ وقد تساوى لونُها وغصونِ أشجارٍ تلاشت في الحضورِ الغائمِ المُخْتَلِّ في هذا الضياعِ المستفِزِّ ولن يعودَ مَنِ ارتحَلْ③︎رأسي ورأسكِ من زجاجٍ ينفعانِ لما اعتقدنا أن يكونا هكذا حوضَيْنِ من ماءٍ وعشبٍ نُطعمُ الأحياءَ كي تبقى ونبقى قادرَيْنِ على احتمالِ الحرِّ أو دفءِ الأصابعِ أو عناقٍ بيننا متوقَّعٍ ④︎ رأسي ورأسكِ يستطيعانِ التنفسَ من خياشيمِ الخيالِ يصفيَّانِ الملحَ من بين القشورِ ولونِ أسماكِ الأوراندا⑤︎ ثمَّ هذا مقعدٌ آخرْ تعالَ نرى المدينةَ من هنا من خلفِ وجهٍ من زجاجٍ واضحٍ لا بدَّ أنَّ الماءَ يعطينا فضاءً للمعاني والحقيقةِ والشوارعُ لا تراعي ما على بابِ البنايةِ من رسوماتٍ وأرقامِ الطوابقِ والذينَ يشاركونَ الحيَّ في جمعِ القمامةِ من على هذا الرصيفِ وغيرهِ⑥︎ماذا حبيبتيَ البعيدةَ لو تكشَّفَ أنَّ هذا البحرَ كان زجاجةً زرقاءَ فاندلقتْ بما فيها وأصبحنا وأصبحتِ الغيومُ تحبُّ هذا الطينَ تجعلهُ أقلَّ تأثرَّا بالذكرياتِ وقسوةِ العطشِ الذي يبتزُّ فينا الريقَ في القُبَلِ القليلةِ وانتهى بالماءِ أَنْ صارتْ لنا هذي الشواطىءُ كي نحبَّ النورساتِ وننتشي قبلَ المغيبِ بموجةٍ⑦︎والأرضُ تحملُها أصابعُ مرأةٍ كانتْ غصونًا شجرةً خضراءَ غامقةً وإنَّ الأرضَ أنثى نَهْدُ كاعبةٍ رأتْ في نفسها نزقَ النضارةِ فاستدارتْ في فضاءٍ مولَعٍ بالطيفِ واخترنا البقاءَ بما لدينا في ظلالِ الشجرةِ الأولى وهذا الحبُّ ليس سوى وريقاتٍ هوتْ جفَّتْ وعادتْ في رسائلِ عاشقٍ ورقًا تبللَ مرةً بالدمعٍ مراتٍ بحبرٍ دافىءٍ أو نفحةٍ من عطرْ⑧︎ إذْ أنتِ شرنقةُ الفراشةِ رغبةُ التغييرِ في قلبِ الذي اعتدنا عليهِ تلونينَ الصيفَ بالحناءِ ملمسكِ القطيفةُ او قشورُ البندقِ الملأى برائحةٍ من الشمسِ البعيدةِ حين تقتربينَ أكثرَ سوف أفتحُ نافذاتي للهواءِ وأكتفي بكِ كي نطيرَ معًا بعيدًا حيثُ تنعدمُ الأماكنُ ثمَّ يأخذنا الغيابُ شرانقَ الصيفِ الذي لم يأتِ بعدْ⑨︎أبوابُنا خشبٌ وسقفُ البيتِ من سعفِ النخيلِ وحينَ يختمرُ الشتاءُ تفوحُ رائحةٌ تذيبُ لحاءَ هذا الوردِ تأخذُنا إلى صوتِ الهواءِ وعتمةِ الضجرِ الذي يعطي الغيومَ توقعاتٍ لالتهامِ بقيةِ الصفصافِ هذا في عطونةِ سلمِ البيتِ اختبارٌ للبقاءِ وذكرياتِ الراحلينَ وهكذا في بابنا الخشبيِّ أقرأُ سِفْرَ عمرٍ كان يمكنُ أنْ يكونَ كما أريدْ⑩︎هذي حياضُ الفلِّ بين مقاعدِ الشمسِ التي لم تنتقلْ من ألفِ وقتٍ لم تقلْ للطيرِ إنَّا نستحقُّ الحبَّ أفضلَ نفهمُ العشبَ الذي ينمو على حجرِ الممرِّ وكيفَ تنتصرُ القلوبُ على الدقائقِ والحياةُ تراكماتٌ غير واعيةٍ وندركها وقد فاتَ الأوانُ ولم نعدْ نقوى على تغييرِ طعمِ الخوخِ واللوزِ الذي غطى الحديقةَ بالبياضِ وزهرةٍ لا تنطفىءْ⑪︎ والشمسُ تتركُ نفسها في كلِّ شيءٍ في احتضانِ السروِ للعبقِ الذي فتحَ الغِلالَ وجففَ الليمونَ في غرفِ الجدودِ ومِجْرَنِ الشوفانِ والقمحِ القديمِ وقبعاتُ القشِّ أحجيةُ الخزامى شهوةُ التفتيشِ عن سببِ اتساعِ العشبِ تبديلِ المسافةِ بالمسافةِ والتلالُ بعيدةٌ خلفَ الصنوبرِ والبيوتِ المستفيضةِ بالهدوءِ وغفوةٍ منعتْ نوافذَها من الهمسِ الخفيِّ وقبعاتُ القشِّ تنفعُ لاستعادةِ فكرةٍ هزليةٍ عن مرأةٍ تعدو لتلحقَ بالفراغِ وحينَ يدركها المغيبُ ترى الحكايةَ صورةً للشمسِ يمحوها الغروبُ وتختفي⑫︎يتشبثُ الموتى بمن ماتوا وتفلتُ في الهواءِ خطى الذين تدافعوا نحو النهايةِ مخطئينَ كتبتُ ما قال الرفاقُ الغائبون عن اعتذارِ الصيفِ للوردِ الذي لم يُعْطَ فرصتهُ ليصبحَ فكرةً أما أنا لا شيءَ يعطيني إجاباتٍ تريحُ وفكرتي عني تغيرتِ الكثير وما يدورُ الآن في رأسي مسارٌ لولبيٌّ صاعدٌ حتى إذا بلغَ السماءَ وجدتُ أني لم أصِلْ و وجدتُ رائحةَ الصعودِ مريحةً وتثيرُ رغباتٍ تجددُ لهجةَ البوحِ التي فتحتْ شقوقَ الوجْدِ والتفكيرِ في نفسي قليلًا والتلاشي صورةٌ بيني وبين الوقتِ وانتهتِ الحكايةُ بالفراغِ وإنهُ الصمتُ الذي يبقى ونبقى بعد ذلكَ متعبين⑬︎ وضاقَ بي قلبي وقلبي غرفةٌ بيضاءُ فيها نصفُ نافذةٍ ونصفُ حكايتينِ وشاطىءٌ هربتْ نوارسهُ وبعضٌ من ثقوبِ الليلِ أدعوها نجومًا وانتشلتُ يديَّ من عرقِ الطيورِ ورغوةِ البارودِ وهي تفيضُ من جسدِ المدينةِ رغبةً في الإمتثالِ لما يريدُ الجائعونَ على الحدودِ وفي جنازاتِ الذينَ تخلصوا من وهمهم بالموتِ⑭︎ صوتُكِ شهوةٌ وتريةٌ تزدادُ حينَ يجفُّ ظهرُ العودِ أكثرَ وصلةُ النهاوندِ قبلَ النومِ أو عندَ انتهاءِ مذيعةِ الأخبارِ من ترتيبِ خصلةِ شعرها وتوقعاتٌ للهروبِ معًا هناكَ ألا ترينَ هناكَ في وادٍ على أطرافهِ نبتت رياحينُ الليالي المقمرةْ⑮︎ شيءٌ ولا شيءٌ وهذا كلُّ شيءٍ لا تسلني كيفَ صارَ لكل بابٍ ذكرياتٌ كيف تنبتُ مرأةٌ من نفسها وتصيرُ غيماتٍ وواحاتٍ ومأوى للسنونوةِ الوحيدةِ كيفَ تنقسمُ المسافةُ بينَ جاراتي ورغباتِ الصغارِ وبينَ مَنْ ضحُّوا وتجارِ الحشيشِ وبينَ من ماتوا وأشجارِ النخيلِ وبين قلبي والتسولِ عند مفترقٍ يقودُ لساحةِ (الجنديِّ)⑯︎ غزةُ لوحةٌ خشبيةٌ مرسومةٌ بالنارِ تعرفنا جميعًا ثمَّ ترخي شعرها فوق البيوتِ وبائعاتِ التينِ والنعناعِ وامتلأت رئاتُ الريحِ بالشوكرانِ والكينيا وأشواقِ المواسمِ في قشورِ البرتقالِ وهكذا وحدي أرى كلَّ المدينةِ من وراءِ السورِ واضحةً وعاريةً وقلبي مرةً أخرى يراني من وراءِ قصيدةٍ جربتُ فيها أنْ أكونَ بلا شروطٍ أو قواعدَ غير أني الآن مأخوذٌ بعينيها وبين شفاهها أحلامُها⑰︎ هذي نهايةُ ما اقترفتُ من الخيالِ ونزعةٍ للإنقضاضِ على العباراتِ الطويلةِ والطيورِ على فروعِ الكستناءِ ومغرياتِ الأسكدنيا أيها الورقُ السخيُّ لكَ اعترفتُ بأنني حاولتُ مراتٍ لأفلتَ من هنا ففشلتُ في تغييرِ ذاكرةِ الحواري والنساءِ العابراتِ على الطريقْ.
الثلاثاء ١٩/٥/٢٠٢٠
واجهات
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

أعلى