امرؤ القيس - لمن طلل ( تعلق قلبي)

اختلف القدامى في نسب هذه القصيدة، وألحقها الكثيرون بامرئ القيس بن حجر الكندي، فيما تضاربت الاراء حولها بين مشكك ومتردد، لاعتقادهم بوجود كم هائل من الشعر المنحول في ذلك العصر، واحتوائها على عدة دلائل بعيدة عن البيئة الجاهلية، وقد تكون اقرب الى النمط والطراز العباسي، لأن الشطرنج والاسماء الغريبة الاخرى التي وردت بالنص لم يعرفها العرب قبل الإسلام فيما يبدو، ذلك ان النقاد يجمعون على تسمية معجم الشعر الجاهلي بالحيواني، لهيمنة صفات وسمات واسماء الخيل والنوق والجمال والظباء والاسود والسعالي ومناخ الصحراء الجاف ...إلخ، بعكس معجم العصر العباسي الذي يسميه النقاد بالنباتي لما يحتوي عليه من اوصاف الحدائق والبساتين والزهور والورود والانهار والقصور.

ومن الامور التي حدت بالنقاد الى الاعتراف باحقية امرئ القيس لهذه القصيدة وعلى رأسهم الاب شيخو اليسوعي، هي وجود اكثر من نص له يستهله ب " لمن طلل " واخرى بنفس الروي، وامكانية معرفته بالشطرنج لاختلاطه بشعوب اخرى كالساسنيين والروم ، ووجود اكثر من دلالة تثبت هويته منها نصرانيته وقبيلته كندة واماكن اخرى وردت بمختلف اشعاره
قتلتِ الفتى الكِندِيَّ والشَّاعِـرَ الّـذي
تدَانتْ لهُ الأشعَـارُ طُـراً فيَـا لعَـلْ
ألا يا بَنِي كِنـد اقبلـوا باٌبنِ عَمِّكـمْ
وإلاّ فمَـا أنـتُـم قبيـلٌ ولا خـَوَلْ
يستعين الشاعر بترديد بعض الكلمات لاضفاء نوع من الاعجاز والايقاعية والاقناع والتوكيد والترصيع على النص ، يقول ابن رشيق القيرواني هو أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى، ثم يردها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه،
اما التصنع اللغوي في قصيدة امرئ القيس فلا غرابة في ذلك ما دامت تسنهويه اللغة، لان هناك العديد من الشعراء عمدوا الى هذه الصيغ في التلاعب بالالفاط والمفردات، منهم المتنبي في قوله :
قدروا عفوا وعدوا وفوا سُئِلوا
أغنوا علوا أعلوا ولوا عدلوا
وقوله :
أقِلْ أنِلْ أقطعِ اٌحمِلْ علّ سلّ أعِدْ
زِدْ هَشّ بَشّ تفضّلْ أدنِ سُرّ صِلِ
وقوله :
عِشْ اٌبْقَ اٌسْمُ سُدْ جُدْ قـُدْ مُر اٌنْهَ اٌسْر فهْ تُسَلْ
غِظِ اٌرْمِ صُبِ اٌحمِ اٌغزُ اٌسْبِ رُع زَع دِ لِ اٌثنِ نلْ
وقول ابن المعتز:
لو شئت لا شئت خليت السلو له
وكان لا كان منكم في معافاتي
والاصمعي في قصيدته الشهيرة " صوت صفير البلبل" ...الخ
اما لعبة الشطرنج فمن الممكن ان يكون لشاعرنا اطلاع بها لاحتكاكه بالروم والساسانيين لانه كان كثير التجوال والتنقل والتغرب واللهو، مثل ما عرف عنه كثرة ترحال قلبه بين هند وسليمى وام الحويرث والرباب وغيرهن..


قراءة طيبة

من اختيار وتقديم نقوس المهدي


لمن طلل
امرؤ القيس

لمن طلل بين الجدية والجبل
محل قديم العهد طالت به الطيل
عفا غير مرتاد ومر كسر حب
ومنخفض طام تنكر واضمحل
وزالت صروف الدهر عنه فأصبحت
على غير سكان ومن سكن ارتحل
تنطح بالاطلال منه مجلجل
أحم إذا احمومت سحائبه انسجل
بريح وبرق لاح بين سحائب
ورعد إذا ما هب هاتفه هطل
فانبت فيه من غشنض وغشنض
ورونق رند والصلندد والأسل
وفيه القطا والبوم وابن حبوكل
وطير القطاط والبلندد والحجل
وعنثلة والخيثوان وبرسل
وفرخ فريق والرفلة والرفل
وفيل واذياب وابن خويدر
وغنسلة فيها الخفيعان قد نزل
وهام وهمهام وطالع انجد
ومنحبك الروقين في سيره ميل
فلما عرفت الدار بعد توهمي
تكفكف دمعي فوق خدي وانهمل
فقلت لها يادار سلمى وما الذي
تمتعت لا بدلت يادار بالبدل
لقد طال ما اضحيت قفرا ومالفا
ومنتظرا للحي من حل او رحل
ومأوى لأبكار حسان اوانس
ورب فتى كالليث مشتهرا بطل
لقد كنت اسبي الغيد أمرد ناشئا
ويسبينني منهن بالدل والمقل
ليالي أسبي الغانيات بجمة
معثكلة سوداء زينها رجل
كأن قطير البان في عنكاتها
على منثنى والمنكبين عطى رطل
تعلق قلبي طفلة عربية
تنعم في الديباج والحلي والحلل
لها مقلة لو انها نظرت بها
إلى راهب قد صام لله وابتهل
لأصبح مفتونا معنى بحبها
كأن لم يصم لله يوما ولم يصل
ألا رب يوم قد لهوت بدلها
إذا ما أبوها ليلة غاب أو غفل
فقالت لأتراب لها قد رميته
فكيف به إن مات أو كيف يحتبل
أيخفى لنا إن كان في الليل دفنه
. فقلت وهل يخفى الهلال إذا أفل؟
قتلت الفتى الكندي والشاعر الذي
تدانت له الأشعار طرا فيا لعل
لمه تقتلي المشهور والفارس الذي
يفلق هامات الرجال بلا وجل
ألا يا بني كندة اقتلوا بابن عمكم
وإلا فما انتم قبيل ولا خول
قتيل بوادي الحب من غير قاتل
ولا ميت يعزى هناك ولا زمل
قتلك التي هام الفؤاد بحبها
مهفهفة بيضاء درية القبل
ولي ولها في الناس قول وسمعة
ولي ولها في كل ناحية مثل
كأن على أسنانها بعد هجعة
سفرجل أو تفاح في القند والعسل
رداح صموت الحجل تمشي تبخترا
وصراخة الحجلين يصرخن في زجل
غموض عضوض الحجل لو أنها مشت
به عند باب السبسبيين لانفصل
فهي هي وهي هي ثم هي هي وهي وهي
منى لي من الدنيا من الناس بالجمل
ألا لآ لا إلا ليء لا بث
ولا لآ لا إلا لآليء من رحل
فكم كم وكم كم ثم كم كم وكم وكم
قطعت الفيافي والمهامة لم أمل
وكاف وكفكاف وكفي بكفها
وكاف كفوف الودق من كفها انهمل
فلو لو ثم لو لو ولو ولو
دنا دار سلمى كنت اول من وصل
وعن عن وعن عن ثم عن عن وعن وعن
أسائل عنها كل من سار وارتحل
وفي في وفي في ثم في في وفي وفي
وفي وجنتي سلمى أقبل لم أمل
وسل سل وسل سل ثم سل سل وسل وسل
وسل دار سلمى والربوع فكم أسل
وشنصل وشنصل ثم شنصل عشنصل
على حاجبي سلمى يزين مع المقل
حجازية العينين مكية الحشى
عراقية الأطراف رومية الكفل
تهامية الأبدان عبسية اللمى
خزاعية الأسنان درية القبل
وقلت لها أي القبائل تنسبي
لعلي بين الناس في الشعر كي أسل
فقالت أنا كندية عربية
فقلت لها حاشا وكلا وهل وبل
فقالت أنا رومية عجمية
فقلت لها ( ورخيز بياخوش ) من قزل
فلما تلاقينا وجدت بنانها
مخضبة تحكي الشواعل بالشعل
ولا عبتها الشطرنج خيلي ترادفت
ورخي عليها دار بالشاه بالعجل
فقالت وما هذا شطارة لاعب
ولكن قتل الشاه بالفيل هو الأجل
فناصبتها منصوب بالفيل عاجلا
من اثنين في تسع بسرع فلم امل
وقد كان لعبي كل دست بقبلة
أقبل ثغرا كالهلال إذا أهل
فقبلتها تسعا وتسعين قبلة
وواحدة أيضا وكنت على عجل
وعانقتها حتى تقطع عقدها
وحتى فصوص الطوق من جيدها انفصل
كأن فصوص الطوق لما تناثرت
ضياء مصابيح تطايرن عن شعل
وآخر قولي مثل ما قلت أولا
لمن طلل بين الجدية والجبل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى