نقوس المهدي - رحلة عباس السادس.. 1- عباس البري

* إلى ضحايا قوارب الموت التي لا تعود ولا تصل

"يا سارق الشعلة
إن الصخب في السكون
فاقطف زهور النور، عبر الظلمة الحرون
نحن انتجعنا الصمت في المغارة
لأن نتن الملح لا تغسله العبارة
فانزل معي للبحر
تحت الموج والحجارة
لا بد
أن شعلة تغوص في القرارة
فارجع بها شرارة
تنفض توق الريح
من سلاسل السكوت
تعلم الإنسان
أن يموت ."
- أحمد المجاطي

( ذكرت وكالة الأنباء أن وحدات تابعة للحرس الإسباني ألقت القبض على مواطنين من جنسيات مختلفة في عرض السواحل الإسبانية بعد مطاردة دامت ساعات....)


1- عباس البري..

في البداية كانت الأوجاع والمهانة والصقيع ونحن قاب فقر أو أدنى من باء وحاء وراء البحر والبحر على مرمى رغيف يابس يشتكي للجوع من غلبته وسوء طالعه يتقدم شارعا ذراعيه ونتقدم منه متلهفين لمعانقته تسبقنا رغباتنا ويسبقنا الدليل والدليل حذر متجهم يعرف هذه الشعاب حجرا حجرا ولا يعرفنا ورفاق الدرب ليسوا رفاقي ولا معارف أعرفهم من قبل طفحت همومنا جميعا حتى عجزنا عن حملها فجمعناها وتوحدنا في الطريق مذعنين لأوامر تحثنا على الإمساك عن الكلام والبكاء والسعال والتدخين وعدم المشي في أقصى اليمين ولا أقصى اليسار وعدم الإبطاء والإسراع في الطرقات الملتوية على إيقاع مواويل النواطير وسط جغرافيا المنحدرات والمرتفعات والسهول ولفيف الأشجار الجرداء وخشخشة اليابس من الأوراق ونقيق الضفادع وجلجلة الصراصير ونعيب البوم ووعثاء الطريق والطريق مسالك والدليل يعرفها مسالك مسالك ونحن نجوس خلال كل ذلك متعوذين من الحشرات بخوص النخيل متسترين بعباءة الليل الكحلي خائفين من أن تصادفنا دورية ليلية أو ترصدنا مراصد الحكومة ومراصد الحكومة بلدية لها عيون تسقط الزرزور من فوق السور أو يلقى علينا القبض في ظلام الفيافي لنودع في ظلمات الثلث الخالي بتهمة التسلل خارج تخوم الإمارة وتخريب الاقتصاد العالمي وتحميل الميزانية الوطنية تكاليف إضافية من استضافة وإيواء ووجبات الخنافس المتبلة بحبات الفول والعدس والفاصوليا ونحن لا نود ملاقاة المالح سوى بقسط من الأسى والفرح الغامض كأعمى المعرة مستطيعون بدليلنا وهم مستطيعون بما أعدوا لنا من البصاصين والهراوات والسلاسل والزنازين والكوابيس والقهر والعيون العمشاء والحواسيب المبرمجة بالكذب والتزوير والولايات اللقيطة وسرقة أموال الغلابة من الشعب والفرمانات المزيفة والحروب الأخوية العدوانية الشرقية الغربية العشوائية التجريبية التخريبية العرقية الأهلية الضارية الشرسة الطائفية الدموية الثأرية القبلية الاستنزافية الباردة اللامجدية واللانفعية كل ذلك ونحن نتابع الطريق متبعين الدليل متسائلين في دواخلنا عن شكل البحر وحجمه ولونه وهديره ورائحته وعلاقته بإفساد الأخلاق وسر أحاديثهم عنه في أخبار النشرات كما يتحدثون عن السعالي والقناصلة والدليل المتجهم ينحدر ويصعد ويستوي وكلنا في أعقابه نستوي ونصعد وننحدر في الطريق الوحيدة والهموم المتوحدة والطموحات المتحدة في خفية من رجال الوقت وفي منتصف الليل البهيم الحالك الغامق البارد تماما كاللصوص والمهربين والقتلة وقطاع الطرق والبرد يصفر ويلوينا ذات الميمنة وذات الميسرة كأعجاز نخل حاملا إلينا رطوبة البحر الطويل المديد العميق الغامض الوافر الكامل المتدارك القريب ونحن نتقدم لا نلوي على شيء كأننا ذاهبون للاستجمام وللحقيقة فإن هؤلاء الفتية القادمين من عري البطولات المهيضة وأسفار التواريخ الكاذبة يودون الهروب من الفقر وأنا القادم من أسن طفولة مدموغة بالإحباط أود الهروب بجلدي مثلهم وإلا ما معنى أن تكون القملة بحجم السلحفاة وليلنا ليس كالليالي ما له صبح ونهارنا ليس كالنهارات لا له ليل وأجسادنا ذاوية ليس لها ظل حتى أصبحنا لا نفرق بين سواد الليل وإشراقة النهار نبني السدود ونعلي العمارات ونعبد الطرقات ونبصم على الكمبيالات وننذر أرواحنا ترياقا لسموم حواة السلاطين وعظامنا وشيعة لعرائس البحر يغزلن بها الفائض من بؤسنا وهمومنا وهذياننا المباغت وهم يسرقوننا ويقتلوننا ويحتقروننا ويزدروننا ويسجنوننا ويجلدوننا وينكحوننا واضعين على جباههم نظارات سوداء كي يهربوا من صلصالهم يطقطقون بسبحات كجنازير العجلة وفي العجلة الندامة وفي التأني السلامة ونحن نروم سلامة الوقت نتبع الدليل والدليل يغذ السير متجهما حذرا ما يزال يحذرنا من عواقب الحلم والحنين والبوح والشكاة والنشيج والهمهمة والدمدمة ونحن لا نستطيع أن نعصي له أمرا أو نسأله حتى لأنه منعنا من السؤال ومن الكلام والتدخين والسعال ومن استعمال الأجهزة اللاقطة وإظهار أطقم الأسنان الذهبية والليل له آذان كما للنهار عيون والدليل الحذر ينحدر ويستوي ويصعد دافعا جذعه إلى الأمام كاتما أنفاسه مكتفيا بالإشارة واللبيب بالإشارة يفهم والأعشاب المحتكة ببرد البراري تحدث حفيفا ينضاف لحس الحصى تحت الأقدام وعواء الذئاب ونباح الكلاب في الدواوير البعيدة وأسراب الحشرات تدخل مساكنها كي لا تحطمها سلالة الرعاة والظلام مطبق تماما والنجوم تغمز في الفراغ السديمي والبحر يتقدم منا فاتحا ذراعيه ونتقدم منه لا نهمهم ولا ندمدم متلهفين لمعانقته مبتلعين غصاتنا كاظمين الغيظ مطرقين هكذا نجتاز المنحدرات والمرتفعات والمنزلقات والأحراش والمطبات حتى لامست المياه أقدامنا ولامست أقدامنا الماء تابعين الدليل المتجهم الحذر الذي انفرجت أساريره وافتر ثغره عن طقم أسنان ذهبي معلنا نهاية البر وبداية البحر ففغرنا أفواهنا وضربنا على صدورنا مبهورين بعظمته وقوته


(... وعمد المبحرون الذين كانوا على متن زورق صغير إلى القفز في عرض البحر وقت محاصرتهم.. وتم اعتقال الناجين فيما بقي العديد من الأشخاص في عداد المفقودين....)




نقوس المهدي
  • Like
التفاعلات: أريج محمد أحمد
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى