مخلص الصغير - زنقـة الـفـايد

بينما ينشغل العالم بوباء كورونا، يهتم المغاربة بفضائح وأوبئة سياسية أخطر من ذلك. ففي الأسبوع الماضي، اهتز الرأي العام على فضيحة تسمية شوارع مدينة تمارة بأسماء الشيوخ السلفيين الوهابيين المعروفين بمواقفهم المتشددة، ولحاهم المنفوشة و”المشعككة”. وهي كلمة مصدرها فصيح، من “شعا الشعر” إذا انتفش، كما تقول معاجم العربية.
وقد كشف رئيس المجلس الجماعي لتمارة أن القرار اتخذ منذ دورة أبريل 2006. ما يعني أن السياسيين المغاربة ظلوا يفكرون 14 سنة قبل أن يقدموا لنا هذا المشروع التنموي الكبير، المتعلق بإطلاق أسماء الشيخ “بسام فرج” والشيخ “خالد الحمودي” والشيخ “حمد الدهلوس”…، و”الشيخ الفيروس”، على شوارع وأزقة مدينة مغربية بريئة من هؤلاء التافهين والمنتوفين.
ولأن هذه المدينة الجميلة والصغيرة إنما تنتمي إلى العاصمة الرباط، فقد كان حريا بالمسؤولين أن يطلقوا على هذه الشوارع أسماء شخصيات رباطية كثيرة، لا تنتهي، ويمكن أن نذكر من هؤلاء عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة والفيلسوف الفرنسي الرباطي آلا باديو، الذي ولد في العاصمة الرباط، وأسس شعبة الفلسفة في جامعة باريس الثامنة رفقة ميشيل فوكو وجيل دولوز وفرانسوا ليوتار. وماذا عن اسم عبد الفتاح كيليطو، الذي درس هو الآخر في جامعة السوربون، ومثله رولان بارت، الذي درس في الرباط؟ وماذا عن الشاعر ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فليبان؟ وفي الفن التشكيلي، ستكون البداية مع الرائد محمد بن علي الرباطي، ويمكن أن نستعين باسم الفنان الأمريكي برايس هدسون، وهو من مواليد العاصمة، ولنا أن نستحضر اسم المهدي قطبي والآخرين. يمكن أن نتحدث كذلك عن عميد الأدب المغربي الأستاذ عباس الجراري، ومؤرخ المملكة عبد الحق المريني، ويمكن أن نستحضر وزيرة الثقافة ورئيسة اللجنة التنفيذية لليونسكو السيدة عائشة بلعربي. وإذا أردنا الهروب من شيوخ السلفية المذكورين يمكن أن نفر بجلدنا على خطى “نزهة بدوان”، وهي ابنة العاصمة. ويمكن أن نتحدث عن يونس العيناوي، الذي كان على رأس قائمة أفضل لاعبي التنس في العالم… ويمكن أن نستحضر العابرين والمقيمين، الذين استقروا في تمارة، من محمد عزيز الحبابي إلى محمد القاسمي، ومن عبد اللطيف اللعبي إلى سعين يقطين…
أما إذا أردنا أن نطلق أسماء رباطيين من تراثنا الزاخر، فيكفي أن نعود إلى كتاب “الاغتباط بتراجم أعلام الرباط”، لبوجندار، ومعه كتاب “تعطير البساط بذكر تراجم قضاة الرباط”، وكتاب “مجالس الانبساط بشرح تراجم علماء وصلحاء الرباط”، لمحمد بن علي بن أحمد الرباطي. ولنا أن نعود أيضا إلى كتاب جاك كايي عن تاريخ وأركيولوجيا العاصمة. ويمكن أن نسأل أي شخص يسكن في درب عن اسمه، لنسمي الدرب باسمه. ويمكن أن نسأل أي أم من أمهاتنا، في مدينتنا تمارة، لنسمي أهم شارع باسمها، اعترافا بما قاسمته من “تمارة” في بلاد “تمارة”.
المشكلة أن رئيس المجلس الجماعي لتمارة سيصرح قبل أيام بأن المقرر الجماعي كان يهدف إلى تسمية شوارع تمارة بأسماء “أعلام البلاد والعلماء والنباتات والأشجار وغيرها”، على حد قوله. وكأنه يريد أن يخبرنا بأنهم قد يطلقون اسم “الخرقوم” و”القرفة” و”الحلبة” و”زريعة الكتان” وغيرها من لقاحات “الفايد” على شوارع المدينة، وقد يطلقون اسم “زنقة الفايد” على أي درب في مدينة تمارة.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى