فوزية ضيف الله - قصة مجنون وباري الجزء 6

نهضت احلام و انتفضت من رمادها. عانقت ألوان الحياة. فتحت الغرفة التي اغلقتها على نفسها منذ أيام.وسارت نحو الشاطئ، ملطخة ببريق موادها الملونة. كان كل من في البيت نائما. إلا قطتها، التي تبعتها. كان الوقت فجرا، بدأ الليل يتراجع

ويسحب سواده وكان النهار يسترق اللحظات ليمد شعاعه في الكون.
كان الطريق طويلا، ولكن أحلام تماسكت وأقنعت نفسها يالخروج، جرت وراءها فستانها، يتقاطر ألوانا، ولم تعبأ بكل من حدق فيها يمنة أو يسرة. لم يكن الصبح قد تجلى بعد، ولكن بعض المسافرين، كانوا يعترضونها محملين بأوزارهم، ينتقلون من بلاد إل أخرى، كما كان بعض عملة التنظيف يرتبون ما تساقط من أوساخ الليل.
سرت في جسمها قشعريرة باردة، ولكنها تذكرت أنها سترتمي في دفء الموج الغارق.
قاربت على الوصول إلى الشاطئ، كانت تبصر من بعيد كوخ الصياد حسونة، يصدر عنه نور خفيف، فقررت أن تعرج عليه، تتبادل معه أطراف الحديث. اقتربت من الكوخ ودقت على أطرافه الخشبية. كان عم حسونة يغط في النوم العميق، ولكنه سرعان ما نهض لما أحس بالصوت الذي رن في اذنيه. لقد نهض مذعورا، وراح يسألها أسئلة ممتالية، ما بك يا أحلام؟ ما خطبك؟ هل تعرضت لمكروه؟
صمتت أحلام ثم قالت. لا تقلق عم حسونة، أن بحار وتفهم ثورة البحار، وأنا نقطة ما من هذا البحر الثائر. لا تتصور أن ألواني ستصعد لولا ثورتها، ولا تتصور أن البحر سيكون جميلا لولا مراوحته بين الغضب والهدوء. اني البحر في هدوئه الغاضب، والموج في غضبه الجميل. فهلا أخذتني في جولة صباحية بقاربك عم حسونة؟ لقد ضاقت السبل أمامي، اريد أن أتنفس هواء جديدا، اشتقت الى البحر. كان بحري هو الفتى الذي تعرفه، سعد، ولما غاب عني سعد، صارت امواجي بلا أعماق، وذبلت ألواني.

بقي عم حسونة ينصت لها مليا، ثم نهض متهجا نحو القارب، يستعد ليبحر رفقة أحلام، فتتفاعل ألوانها مع موج البحر الهائج. ورغم أن البحر كان لا يشجع على الابحار إلا أن عم حسونة لم يستطع أن يرفض تلبية رغبتها، بعد أن فهم من حديثها ما تشعر به من فراغ ومن حزن.

تلهفت أسماء لقراءة الجزء السادس من القصة التي شغلت بالها طيلة فترة الحجر الصحي, ولما انهت قراءتها، سارعت بالرد على الراوي قائلة:
سعيدة باتمامك انهاء الجزء السادس .لقد قمت بقراءته و للامانة احسست بالانسجام معه على قدر إعجابي به .
يثير الجزء السادس من الرواية في القارئ احساسا بالإنفراج تكشفه محاولة أحلام الثانية لإنقاذ ما تبقى من مشاعرها نحو الحياة عامة ونحو سعد رفيق دربها في الماضي خاصة. لقد إستنجدت بعناصر الطبيعة لتنسى أحزانها وتوجهت نحو الشاطئ وقت شروق الشمس، و لعل البحر في هيجانه يماهي ما كانت تشعر به أحلام من سخط و تمرّد وغضب على هذا الواقع. بينما يكشف الفجر في دلالته على البداية الجديدة و النور . ففي آخر الأفق ينبعث الامل، فالحقيقة لم يتبقى لأحلام الا الامل في غد افضل، فأصبحت الفنانة و عناصر الطبيعة واحد متحد و كان "عم حسونة" هو الشخصية التي حققت هذا الوصل بعد أن تمكن من مساعتدها على العودة إلى الطبيعةـ أي إلى الحياة، لقد كان يشعر بما كنت تشعر به هذه الفتاة الشابة من اضطراب وفراغ. ورغم ذلك ظل صامتا وفي داخله يدور ألف سؤال.


بقلم د. فوزية ضيف الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى