رسائل الأدباء رسالة من الأديب عبدالعزيز أمزيان الى الشاعر محمد عنيبة الحمري

الى صديقي الشاعر محمد عنيبة الحمري

مساء الورد صديقي العزيز

لست أدري لماذا كلما هممت بالكتابة إليك الا وألفيتني مدفوعا بغريزة دفينةإلى أن أبرهن لك عن اعتزازي بصداقتك وافتخاري بمرافقتك، مع أني أعرف -يقينا- أنك لست بحاجة الى أي دليل، يؤكد لك مشاعر من يرافقك أوبرهان يجلي لك نوايا من يجالسك، لأنك شاعر حقيقي، والشاعرالحقيقي يكون قلبه دليله الذي يرى من خلاله الوجود في جوهره وحقيقته، بعد أن يكون قد أزاح عنه الغلاف الذي يغشي العين ورفع عنه الحجاب الذي يعمي عنه البصيرة.
معذرة عزيزي محمد عنيبة إن كنت أنساق وراء هذا الشعور، وأعبر لك عنه في أكثر من مناسبة، أنت الشاعر محمد عنيبة الشاعر النبيل الصادق الذي تصفو السماء بقربه، وينقشع الغيم، ويزول الكدر، وتنجلي الأحقاد على إثره.
عند أول المساء حين نلتقي حيث تكون- بكامل بهائك ومنتهى أناقتك-جالسا تحكي بعض الوقائع التي يفرزها سياق الحديث، بطريقة ماتعة وأسلوب شائق مثير،لا يمل المرء من متابعتها، لما فيها من بهاء وسحر،أنت الحكاء البارع المدهش لا تخذلك عوالم السرد، ولا تخيبك أدوار المسرح .
فيك كل هذا العمق، وفيك كل هذا النغم الذي يسري في شرايين القصيدة الحالمة، منذ أن اعتلت دواوينك برج الماء ، وسحبت حروفك معاطف الليل، الى عمرك وجرحك الغائر في شرخ ذاكرة الوطن.
أنت الرقيق اللطيف الذي تهب نسمات روحه على ذاكرة المكان، فتحفر فيها وشوم الملائكة، وعثرات الرمل،ولمع الصدفات.
كم فيك من ألق! وكم فيك من حياة!معك يكون للوقت مذاق آخر، تعطيه من روحك فيمسي ناعما كما لو كان فيه رقص الماء، وعذوبة الأحلام، ولون النوارس على خدود البحر، وفيه السفرإلى طفولة أبدية وأراجيح معلقة، على غصون الريح وتحليق بلا نهاية مسماة .
أنت ايها الشاعر الذي يرسم الجمال في الحياة، قبل أن يرسمه في الحرف، كم فيك من سحر! وكم في حياتك من دهشة تصنعها كفراشة على أديم السماء ، وعلى صفحة المساء الطويل الذي تعتليه بكل الضوء،وبكل العطر وبكل البذاخة العالية الشامخة .
كم يروق لي أن أتتبعك الى آخر الليل، حيث تمسي نورسا حقيقيا، في حضرة عازف العود حسن السقاط الذي يركب حصان السفر الى عباقرة الغناء والطرب، محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وكوكب الشرق أم كلثوم، وحيث تمسي أنت الشاعر الذي يريد أن يغمس جناحيه في الريح، ويلبس سرابيل الكهنوت، كي يكشف سر الحرف وجمال اللون، ورقصة الضوء، تمسي في غمرة اللحن العالي والصوت الشجي (عاصفة سعيدة، لكنها رقيقة الحاشية، مثل هدب جفن) كما وصفك صديقنا أنيس الرافعي ذات شهادة احتفاء بك في دجنبر 2011 ضمن حلقة أصدقاء ديونيزوس، تمسي عاصفة هادئة تتعالى، وترسم بالأصابع موجات المطرالذي منه تأخذسحرالحياة، واليه ترحل الى منابيع الولادة .
كم يروق لي أن أراك على هذه الحالة ! تكون جميلا أكثر ! عميقا أكثر! نبيلا أكثر! فيك تكون الحياة لها معنى أكثر!
مودتي وكثير من المحبات.
صديقي الشاعر عبد العزيز
كدت انسى وفي معمعان الطوارئ أن استجيب لوعد الإجابة في حينه، عن رسالتك المنتقاة عباراتها، والمليئة حبا وصدقا بدون مجاملة او تنميق.
قد سننت اخي في الكتابة طقسا، تحاول فيه محاورة المبدعين باسلوبك المتميز قصد التواصل حقا، وحرصك دوما على الاهتمام بكل جديد، وانت تمارس صوغ التجارب شعرا، وبعث الرسائل نثرا، بكل المحبة دون التكلف او رغبة في الظهور.
وصحيح فقد سبق الآخرون صياغتها، بيد أن مضامينها في الشتائم والقذف، كانت كراجمة للصواريخ دونما سبب، بينما انت تسعى لضم الاحبة في القلب دون تعب.
وإذا كان من فضل (سومر)أن تركت خطها المسماري وسيلة وصل، لباقي العباد ، فإن العديد اكتفوا بالمسامير حقدا، وقد غرزوها بدون دوافع ترغمهم، تاركين خطوط الكتابة، اصل محبتهم، للفراغ.
فالذي قد يميز أصحابنا، غرق في الذوات، يقابله شبه إقصاء باقي الصحاب، فيبدو التناحر همزة وصل، على الرغم مما يلوح ، وعبر المواقع، من أدب و مجاملة، يقتضيها المقام، وتفرضها تبعات الخطاب.
وتذكرت موقفك المتألم ذات لقاء، وكنت تريد التعرف عن مبدع، للتأكد من اسمه، فسألت جليسا له، يدعي الشعر مستفسرا ليصيح وفي غضب، واصفا لسؤالك بالمستفز وغير البريء.
لم تجب حينها، فالمفاجأة ابتلعت للجواب لسانك، حيث تعجبت من لحظة لم تكن تتوقعها.
بصمتنا الأوائل حيث ورثنا اختصار الكلام، وحسن السماع، لنزداد معرفة بالمفيد، ونبحث عن متعة الأنس، كانت غناء وجلسة شعر يؤثتها الأصدقاء.
بمرور الزمان ، يودعنا النبل، يسكننا الحقد، ثم يغيب التازر، نفقد بوصلة الحب ثم نسمي تفاهاتنا : مبدعين.
دمت منبع صدق اخي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى