علاء نعيم الغول - الواجهة الثالثة: زجاج

ما أغربَ الدنيا وأجملَ ما تبقى ليس يُعرَفُ ما سيأتي والذي مرَّ انتهى ومعي نقودٌ للطريقِ ونيةٌ للبحثِ عن خطِّ المشاةِ لكي أجربَ كيف أصبحُ حين أقترفُ النظامَ لمدةٍ نظارتي سوداءُ أجملُ في الظهيرةِ عادةً وقميصيَ الورديُّ يُبهجُني فقد أفرغتُ منتشيًا زجاجةَ عطريَ الأخرى عليهِ وهكذا أمشي سعيدًا من رصيفٍ واسعٍ لمحطةِ الباصِ القريبةِ من مقاهي البحرِ واجهةُ الزجاجِ كأنها المرآةُ أنظرُ في محلٍّ بالجوارِ يبيعُ ساعاتٍ وتبغًا فاخرًا لا بدَّ أني الآن مشتاقٌ لغليوني الصغيرِ وشرفتي والقهوةِ الملأى بنكهاتِ الصباحِ معي نقودٌ كي أتيحَ لرغبتي التفتيشَ عن أهوائها شيئًا فهذا مطعمُ (بييرِ) الفرنسيِّ المهذبِ فرصةٌ لتناولِ الآنَ plat du jour وبعدها سأبوحُ بالسرِّ الذي أخفيهِ عن حبي لبينيا كولادا حيثُ لونُ الحبِّ والأناناسِ في كأسٍ تُذكِّرُني بِبُوبْ مارلي يغني من جمايكا Three Little Birds وتأخذني الطريقُ ولا أزالُ كما أنا أشتاقُ أكثرَ للتسكعِ في مرايا العمرِ متخذًا من الرملِ البدايةَ⓪︎حين جئنا لم نجدْ شيئًا سوى زمنٍ يمرُّ وساعةٍ في الرملِ تدعو البحرَ أن يأتي بأجنحةٍ ليأخذَ غيرها يبدو غريبًا كلما تعبتْ عقاربُها تساقطتِ الدقائقُ نورساتٍ تملأُ الشمسَ العفيةَ وارتكبنا بعدها إثمَ التأنُّقِ في اختيارِ مناسباتٍ تظهرُ الساعاتُ أغربَ في معاصمِنا الطريةِ وارتكبنا كلَّ شيءٍ تاركينَ النورساتِ بلا مرافىءَ كافيةْ①︎لسنا سوى موتي وأعوادِ الثقابِ نجفُّ ننتظرُ اشتعالًا ما يليقُ بذكرياتِ الرملِ فينا ثمَّ نلهثُ خلفَ آخرِ ساعةٍ في الليلِ يشتدُّ الجفافُ بنا ونخفي أسوأَ الأفكارِ في أطرافِنا لسنا نموتُ من الهواءِ على بلاطٍ باردٍ بلْ من جنونِ الإنتظارِ أمامَ ساعاتٍ تدقُّ كأنها التيرمايتُ ينهشُ في أثاثِ الروحِ عن قصدٍ وجوعْ②︎قفصٌ زجاجيٌّ حوى أحجارَ نردٍ ساعةً مهجورةً تشدو بمفردها بعيدًا في هواءٍ هادىءٍ والبرتقالةُ نصفها ما زال غضَّا زهرةً بيضاءَ تفتحُ ساحةً وهميةً للعشقِ وروارًا بألوانِ الحياةِ وحولَهُ تنثالُ رائحةُ الفراشاتِ المثيرةُ تستجيبُ لشهوةِ الشجرِ الذي ما زالَ يغري غيمتينِ هو الشتاءُ إذاً سينزلُ غاسلًا قفصَ الحياةِ لكي تمرَّ الشمسُ منهُ إلى فضاءٍ ضيقٍ③︎لمَ كلُّ شيءٍ من زجاجٍ جارحٌ أو يستجيبُ لكلِّ ما في الجلدِ من ضعفٍ وننزفُ كلَّ ما فينا على هذا الرقيقِ الناعمِ المصقولِ ثمَّ السخرياتُ تزيدُ حين يصيرُ مرآةٍ لنا هي هكذا الأشياءُ تحملُ ضدَّها والقلبُ أيضًا والشفاهُ وحِبْرُ أوراقي التي احتملتْ نصوصًا لا تريحُ النفسَ وامتلأتْ سطوري بالغرامِ ورغبةٍ من غربةٍ④︎ في شارعِ (الشهداءِ) منعطفٌ وركنٌ ما يبيعُ لنا ال (كامبيرْ) وأذكرُ ليلةَ الحربِ الأخيرةَ صوتُ ضلفاتِ النوافذِ وهي تسقطُ فوقَ من مرُّوا وماتوا أوجعَ الحيَّ الصغيرَ هو الزجاجُ على الرصيفِ يقولُ إنَّ المتعَبينَ سيكنسونَ بيوتَهمْ قبلَ النهارِ وسوف ينسونَ القذائفَ كيفَ لونتِ الزجاجَ على طريقتِها وما زلنا نعدُّ على أصابعنا شظايا الأمسِ⑤︎ كم يبدو العقيقُ مسالمًا سببًا لأنْ نقوى على الذاتِ الخجولةِ أنْ يزيلَ تشنجاتِ الروحِ قالوا غير أني لا أراهُ سوى اعتصارِ الرملِ بين النارِ والزمنِ العفيِّ كما اعتصارُ النهدِ بين وسادةٍ والحلمِ نافذةُ الزجاجِ تطلُّ لو شئنا على الليلِ المجعدِ والقمرْ⑥︎ سقطَ الزجاجُ على الزجاجِ تصاعدتْ أصواتُ من ذابوا ترابًا في كؤوسِ الراحِ فيها صودِرَتْ أحلامُهُمْ ومراسلاتُ الحبِّ مَنْ ماتوا غدو أيضًا مرايا في البيوتِ وناقلاتِ الجندِ صالاتِ الحلاقةِ والمصابيحِ التي أمتدتْ على طولِ الطريقِ وكلُّ شيءٍ من زجاجٍ باتَ شيئًا من رفاتِ الأهلِ والصَّحْبِ الذين فقدتهم في الحربِ ⑦︎حين أشمُّ عطرَكِ فجأةً ينتابني هذا الشعورُ بأنَّ ذائقةَ القواريرِ الصغيرةِ دائمًا تبقيهِ فيها هل سمعتِ حبيبتي أنَّ العطورَ تُباحُ في غيرِ الزجاجِ وأنتِ لي معنى التصاقِ المسكِ بالجلدِ الشهيِّ ونحنُ في أرواحنا كلٌّ له قارورةٌ مفتوحةٌ بين الشفاهِ وفي الحروفِ الواسعةْ⑧︎ولأنَّ قلبكِ من زجاجٍ لن تكونَ أظافري بيضاءَ قاسيةً كلونِ الفُلِّ لن يحتاجَ ضوءًا غير ما اعتدنا عليهِ من الشموعِ وأنتِ تنتظرينَ وجهَكِ بين مرآةٍ تحاولُ أنْ تنامَ وقُبلتي قبلَ ارتخاءِ عقاربِ الليلِ الأخبرةِ في أصابعنا حبيبتي البعيدةَ جربي أنْ نقتفي معنى الزجاجِ على شفاهِ الكأسِ رشفاتِ فراباتشينو وفنجانٍ من الموكا أمام النافذةْ⑨︎ والرأس ُ ليسَ كما نرى في الليلِ حين ننامُ نفقدهُ فَراشًا في هواءٍ بعدلحظاتٍ هناكَ يصيرُ أضغاثًا لحلمٍ ضيقٍ والليلُ ثقبٌ واسعٌ مَنْ مَرَّ منه يمرُّ كالضوءِ الذي جعلَ الدفيئةَ رغبةً للوردِ كي ينمو سريعًا والزجاجُ مراوغٌ لا يُخْرِجُ الدفءَ الذي قد مرَّ منهُ ⑩︎ معي بطاقاتُ ائتمانٍ لستُ أعلمُ أيها يكفي لأُشبِعَ ليلتي باللهوِ والفوضى وتجريبِ الذي ما زلتُ أجهلهُ و وحدي سوفَ أفعلُ كلَّ ذلكَ لا يرافقني لهاتيكَ الأماكنِ صاحبٌ لا يعرفُ التفريقَ بين التوتِ من لونِ النبيذِ وتنقضي الساعاتُ ثمَّ أغادرُ المقهى وقد خلتِ الشوارعُ واتخذتُ البحرَ صوتًا مؤنِسًا ⑪︎ يبقى الذي يبقى وتنتحرُ الفراشةُ مرةً أخرى على أسنانِ هذا المِشْطِ في شعرٍ طويلٍ ثم تأْلَمُ لحظةً وتهبُ نسماتٌ لتأخذها إلى ما ليس يُعْرَفُ ثمَّ تنطفىءُ النجومُ كأنها لم تشهدِ التغييرَ في حجمِ الحناجرِ وهي تدعوا للفراشةِ أن تعودَ تحومُ لامعةً على ضوءِ الثريا عاليًا في صالةٍ مفتوحةٍ للقادمينَ من النشيدِ ليشهدوا بعثَ الحياةِ من الحياةِ ومن شرانقَ أنضجَتْهَا فكرةٌ أنَّا جميعًا نشتهي فقطِ النعيمَ ولمساتِ الحريرِ وشهوةَ الألماسِ وهو يضيءُ نصفَ النِّصْفِ من هذا الجمالِ وفي الجمالِ يعودُ نصفُ الحبِّ⑫︎ تنتظرينَ أن آتي صباحًا ربما لو جئتُ بعدَ الليلِ سوفَ أكونُ ممتنَّا لصوتِ نوافذِ السهرِ التي ستطيعُني أيضًا وتفتحُ لي ستائرَها على عزفٍ يناسبُ نبضَ قلبي شَعْرَةٌ بيني وبينَ شفاهنا هل تملكينَ الكشفَ عنها ربما قد أتعَبَتْنا ساعةُ الصفرِ التي ما جاء موعدُها ولن تأتي فقط أوهامُنا أقوى على تحييدِنا والرأيُ ليس لنا في معظمِ الحالاتِ فانتبهي معي خطُّ المشاةُ ممرُّنا حتى وإنْ خلتِ الطريقُ من الطريقِ وحافلاتٍ غير مسرعةٍ⑬︎ تعالَيْ نستحقُ الأنَ بيتًا من زجاجٍ لا ستائرَ فيهِ تحجبُنا نمارسُ فيهِ أطوارَ التشكُّلِ والتبدُّلِ فكرةٌ مجنونةٌ فعلًا فقدْ صرنا عبيدًا للطقوسِ وعادةِ التفكيرِ في ما ليسَ يُرضي أو يوافقُ ما تناقلهُ دهاقنةُ القبيلةِ نحنُ عاداتٌ مكدَّسَةٌ نسيرُ بها ونحملها بلا وعيٍ ونحقنها لمن ضعفتْ مناعتهُ وبيتٌ من زجاجٍ يستطيعُ الكشفَ عن سوءاتِنا وتفاهةِ الأحلامِ حين تكونُ عاريةً كأجسادٍ تلاصقُ بعضَها في مسبحٍ في الشمسِ هذا الخَدْشُ آخرُ ما ستصقلهُ عباراتُ التوددِ والأرقْ.⑭︎
الإثنين ٢٥/٥/٢٠٢٠
واجهات

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى