خالد الدامون - زمن الحياة بالكمامة : درس آخر لإنسان آخر ممكن؟

أصبحت الكمامة من عناصر حياتنا المعاصرة، وبالضبط في هذه الأوقات الصعبة من سنة 2020 ,( بداية الألفية الثالثة،) حيث لا مناص من استعمالها ليتمكن الإنسان من وقاية نفسه من عدوى فيروس كورونا، وليحمي نفسه كلما اقتضت الضرورة منه الخروج لتلبية حاجة من احتياجاته، وهي كانت تستعمل قبل اليوم ، فقد استعملها الناس في بقاع مختلفة من العالم ، خاصة في تلك المدن والفضاءات التي عانت وتعاني بشدة من وطأة الثقافة الصناعية السلبية، بتداعياتها الوخيمة على الوسط البيئي الذي أضر بشكل بليغ الوجود الإنساني وروح الطبيعة، أليس هاته الصناعات الغير الصديقة للبيئة والإنسان بمعنى من المعاني صورة للشر الذي يؤذي به الإنسان بعضه البعض ؟ الإنسان / الشر هنا قد يكون نوع من التهديد لوجوده دون ان يدري، او أنه يدري ويعاند لأن الشر وجه من وجوه الإنسان القاسي المناور حتى على حساب حياته، ثم أليست الكمامة في بعد من أبعادها وسيلة لوقاية الشر، الشر وقد اتخذ شكل فيروس خطير ومرعب؟

إن هاته الصناعات الموبوءة التي انجزها ويشرف عليها إنسان في المطاف الأخير، هي دون شك ولا مواربة نوع من أنواع الشر الذي يؤذي الإنسان،به أخاه الإنسان، فمهما تعددت الأوجه التجارية والخلفيات الإقتصادية لهاته الأنشطة الصناعية، فإنها تبقى في المحصلة النهائية الأوجه الشريرة والمتوحشة لاقتصاد بعيد عن الأنسنة، مستعد للتجارة في الكوارث وحياة الإنسان ، لكن الا ترون معي انه عبر مثل هاته الصناعات التي هي من إنجاز وإشراف إنسان بخلفية تجارية غير أخلاقية ، يكون في الدلالة العميقة للعملية يقدم صورة الإنسان الذي يعض أخاه الإنسان عضة الشر،؟

وعلى أساس هذه الصورة المستعارة فإن الخوف من العضة ، عضة كورونا من خلال الإنسان هذه المرة بسبب العدوى التي تنتقل بين الناس من خلال فيروس كورونا المستجد هي التي تجعل الإنسان يستعمل كمامة الوقاية، فالكمامة نفسها يمكن ان تحمل استعارة تصورية حسب إسماعيل شكري الباحث في المعرفيات بجامعة جازان ، وهي أداة وقاية تحيل على العضة / الخطر الذي يمكن ان يلحقه الإنسان بأخيه، وهنا يكون الإنسان ضحية ومتهما في نفس الوقت.

إن الشر صفة عموما التصقت بالإنسان ، لعدم استيعابه لعمقه الوجودي الراقي الذي هو الإنسانية، عدم الإستعاب هذا أخذ أبعاده الدرامية والمأساوية عبر النزاعات المسلحة والحروب ، حتى غدى هذا المعطى السلبي عن الإنسان الشرير موثقا في صفحات التاريخ أكثر من معطى إنسان/ الحب والخير .

وفي هذا السياق ..سياق الإنسان وكرونا، هل يمكن القول ان درس أخر لإنسان آخر ممكن؟ لن اجيب فالأمر متروك للتاريخ.. لما بعد كورونا! لكن يمكن أن أقول من خلال استقرائي لدرس التاريخ والفكر والإبداع أن الإنسان كائن غشاش مناور وعنيد ، حتى ان الروائي " جاك لندن فقد فيه الثقة نهائيا في روايته " الطاعون القرمزي" وان الفيلسوف " توماس هوبز" لا يتورع في اعتبار "الإنسان ذئب الإنسان" في إشارة للشر الذي يطغى عليه ، في الباطن أكثر من الظاهر ، هو نوع من المكر أيضا ، او ليس الذئب ماهر في الخديعة والمكر؟
-------------------------------------------------------------------

* خالد الدامون.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى