السينوجرافيا بين المسرح الملحمي ومسرح الشارع

#السينوجرافيا_بين_مسرح_الشارع_والمسرح_الملحمي
إن المفهوم التعريفي لمسرح الشارع الذي اتفق عليه غالبية الباحثين والمهتمين وصناع مسرح الشارع «هو كل عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحيه مستهدف الجمهور بشكل عشوائي يطرح من خلاله القضايا اليوميه للمتلقي بهدف اشراك هذا الجمهور في العرض لإحداث التفاعليه التي تؤدي لبلوغ هذا المتلقي لغايات دلاليه في العرض »
اي ان التشكيل في الفراغ المسرحي في مسرح الشارع هو تشكيل في فراغ الشارع أو بالاحري هو تشكيل في فضاء المتلقي الذي يذهب اليه العرض لا يذهب المتلقي للعرض
ولأن مسرح الشارع هو مسرح فقير من حيث الموارد الماديه الإنتاجيه لكنه غني من حيث الموارد البشريه الإبداعيه
فإن التشكيل في فراغ الشارع يعتمد علي جسد الممثل وعلاقته بالمتلقي وبالفراغ في الشارع او مكان العرض .
ولأن مسرح الشارع يهتم بالحوار مع المتلقي ويكترث لقضاياه اليوميه فلا يعمد للحفاظ علي مسافة بين المتلقي وممثل مسرح الشارع من حيث طبيعة المكان أو إشراك الجمهور في الحدث الدرامي ولكنه يعمد الي التباعدية التي قصدها بريخت وهي عدم توحد المتلقي بالأحداث حتي يتثني لهذا الأخير بلوغ الغايات الدلالية للعرض
••• التباعدية عند بريخت
أي ان يتمكن الجمهور من الحفاظ على مسافة بين الخشبة والصالة حتى لا يتوحد بالأحداث ويصير جزءا منها وبالتالي يكون عاجزا على إصدار أي حكم.- ينبغي على الممثل أن لا يفكر بنقل المشاهدين إلى عالم من الغيبوبة، أو أن يسمح هو لنفسه بالانغماس في عالم من الغيبوبة أيضا - و أن يحافظ دائما على مسافة بينه وبين الشخصية التي يمثلها ليعطي الجمهور الإحساس بأن ما يجري أمامه ليس إلا لعبة مسرحية،موجها إياه إلى رد فعل انتقادي. وهذا ما يسمى ب(كسر الإيهام)
•••ومسرح الشارع لا يعترف بإلإيهام لأنه منذ بداية العرض في الشارع يسعي لجذب الجمهور المتواجد بشكل عشوائي لمشاهدة العرض الذي يناقش قضاياه بشكل تعليمي توعوي يسمح فيه بالتشاركية والجدال وطرح التساؤلات من وعلي المتلقي كما في تقنية مسرح المنتدي عند اوجستوبوال

إن من أهم خصائص المسرح الملحمي عند بريخت هي إسقاط الحائط الرابع .والذي يعني عدم اندماج الممثل في الشخصية التي يقوم بتمثيل دورها وذلك حتى لا يندمج المشاهد معه فعلى الممثل ان يقوم بدور الشخصية فقط أي توصيل الفكرة للمشاهد لذلك يجب ان يعي الممثل جيدا انه يقوم بعملية التمثيل في اطار ثلاث حوائط اما الحائط الرابع فهو غير موجود ليحل الجمهور محله وبالتالي عليه ان لا يندمج في تمثيله حيث كان الممثل لا يرتدي زيا معينا على خشبة المسرح بل يرتدي ثيابا عادية ويتم وضع ورقة على صدره يكتب عليها اسم الشخصية التي يقوم بتمثيلها الممثل .
وهذا الحائط لا وجود له اساسا في مسرح الشارع بسبب التشاركيه والعلاقة الثنائيه المتكونه بين المتلقي في مسرح الشارع وممثل العرض منذ خلق الفكرة التي بنيت علي دراسة ديموجرافيه لقضايا المتلقي وللحوار المشترك بينهما أثناء العرض فالمتلقي منذ البداية يعي ويفهم وظيفة ممثل مسرح الشارع هذه الوظيفة التربويه التثقيفيه .
وايضا من خصائص المسرح الملحمي التي تشترك بقوة مع مسرح الشارع في كونها أبرز وسائل القوه التي تجذب المتفرجين علي رؤية عرض مسرح الشارع هي« التغريب»
ولقد استخدم بريخت التغريب بمعنى تقديم الأمور المألوفة في صورة غربية , ان القوة التي تجبر المتفرجين على رؤية أو إدراك شيء مألوف كما لو انه جديد ويرى لأول مرة بمعنى انه عندما نتعود على رؤية او سماع شيء تعودا تاما يصبح من السهل الاعتقاد بان هذا الشيء هو دائما كذلك وبأنه سيكون كذلك , ولكن عندما يقدم إلينا شيء جديد نعتقد بانه ليس حتميا وعلى هذا نقبله ونقتنع به وقد نرفضه , ولإحداث التغريب استعان بريخت في إخراجه بعض الأفلام السينمائية أو صور فوتوغرافية مكتوبة بالفانوس السحري .
وبإمكان مسرح الشارع وهو يقدم عروضه ان يحصل على تأثير التغريب بشتى الوسائل كالمكياج المبالغ فيه والماسكات والاقنعه الغير مألوفه والملابس التاريخيه أو جسد الممثل العاري الصدر الذي وضعت عليه لافته كتب عليها عبارة تخدم فكرة العرض .

لقد حاول المسرح اللاارسطي الملحمي الذي اسسة الألماني برتولد بريخت ان ينتج فنا لاارسطوطاليسيا بعد فترة طويلة جدا بقى أرسطو بتنظيراته مسيطرا عليها دون منازع ، بل بقى ا لجميع تحت عباءة هذا المنظر الإغريقي الذي هيمن على العملية الإبداعية حتى ظهور برتولد بريخت الذي كان يطمح الى تقديم مسرح )لايستند إلى مبدأ الاندماج في الدور الذي يسعى الى أظهار حياة المجتمع البشري من خلال القوانين التي تتحكم بها ولما كان اظهار حياة المجتمع من خلال القوانين الذكورة فان عددا من الطرق العامة لتصميم المنصة تكونت وذلك وفقا لأنواع درامية مغايرة من نواح عديدة تاريخية وسينوغرافية ومجازية إلاان العنصر المشترك بين هذه الطرق يستند في جميع هذه الأشكال الى رفض الاندماج الكامل في الدور وكذلك الى رفض مثل هذا التصميم للمنصة , هذا التصميم الذي يمكن ان يخلق وهما واسعا لقد كانت الأعمال الدرامية التي سبقت.برتولد بريخت لاتعير أهمية تذكر الى العالم الخارجي فكانت تعتبر هذا العالم الذي يحيط بالحدث المقدم مجرد أطاراً زخر فيا يكمل المنظر فقط ولا يدخل في جدلية أو ديناميكية الحدث . اما برتولد بريخت فانة أعتبر العالم الخارجي مهما للتجديد وفي تفعيل الفكر الدرامي .
وان تأثير الإنسان هذا الذي ناقشه بريخت لم يقصد به إيجاد نظرية سسينوغرافيا ثابتة تمثل برتولد بريخت في مجمل أعمالة بل أن النظرية السينوغرافية البريختية تأتي متغيرة ومتحركة وقابلة للتطور من خلال ألتزامها بـ (ديالكتيك ) يحتم تغيير فكرة فهم واليات تقديم السينوغرافيا وعلية فان كل مسرحية جديدة تحتم أعادة لبناء المنصة بصورة شاملة أي تصميم الديكور في كل مرة ليشمل عمق المسرح كله . فمن الصحيح أن ندخل مفهوم (بناء) هذا المفهوم الذي يطلقونه عموما على من يبني المنصة كشي قائم بذاتة ووفق هذا فان فكرة (البناء)هذة التي جاء بها (بريخت)هي فكرة تجمع ليس الجانب التقني الشكلي وانماهي متغيرة وفق المسرحية المقدمة وانها عامة شاملة لفكرة التداخل والترابط مابين الشكل والمضمون وأن السينوغرافيا أصبحت عنصراً رئيسياً بكافة عواملها الداخلة في أنتاجها ونقصد بها الديكور و الإضاءة والأزياء و اللون و الممثل ـ في أنتاج الحياة المتغيرة دائما في كل مسرحية تقدم او في المسرحية نفسها , وهذا متأت من فهم برتولد بريخت المسرحي للواقع المسرحي والحياة التي أستبدل بها (التطهير الارسطي) بالاندماج ومن خلال ايجاد فكرة (التغريب )والتأكيد على كسر الإيهام، ويمكن الاشارة الى النصوص المسرحية التي كتبها بريخت من امثال الام شجاعه ، كوريولانس ، غاليلو غاليليه،وغيرها

ووفق هذا يمكن ان نشير الى اهم النقاط الداخلة في بناء السينوغرافيا في مسرح بريخت الذي يقدم أعمالة أمام مجتمع طبقي مختلف تماماً ,ومتغير :-

أولا: لابد من أعادة لبناء المنصة بصورة شاملة في كل مسرحية جديدة . وأن إعادة البناء تتم من خلال :-

1. الاستعاضة عن الأرضية بالنقالة

2. الاستعاضة عن مؤخرة المسرح بالشاشة

3. الاستعاضة عن الكواليس الجانبية بالاوركسترا

4. تحويل السقف الى رصيف متحرك

5. نقل ساحة التمثيل الى وسط الصالة

وهذا التغيير المهم أن دل على شي فانة يدل على تغييرالمفاهيم الفكرية والجمالية المرتبطة بالفلسفة العامة والفلسفة السياسية خاصة.

ثانياً :- على مصمم المنصة الايضع شيئاً على مكانه ثابت مره والى الأبد .كما ان علية ان لايغيره بلا سبب . وذلك ان العالم يتغير وفق قوانين وليس تغييراً اعتباطيا على الرغم من ان هذة القوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائيه .

ثالثاً :- التأثير المتبادل بين الفنون الداخلة في عمل السينوغرافيا . كما ان الطبيعة التناقضية للعناصر الأساسية لاتلغى , فالتأثير واضح بين الديكور والموسيقى واللون والإضاءة والأزياء والممثل .
•••إن الخلط غير المبرر في مسرح الشارع والذي يقودنا للسعي إلي ازالته للتأكيد علي هوية مسرح الشارع كشكل مسرحي يهدف إلي جعل الجمهور إلي متلقيين يعوا ويفهموا ويشاركوا صناع العرض في بلوغ الدلالة من العرض استوجب علينا تفسير السينوجرافيا بين مسرح الشارع الذي ينتقل إلي فضاء المتلقي ويحاول تشكيل هذا الفراغ بأجساد ممثليه وبين السينوغرافيا في المسرح الملحمي الذي ينقل المنصة إلي صالة المتفرجين .

بقلم /حسام الدين مسعد

تعليقات

التباعدية التي قصدها بريخت وهي عدم توحد المتلقي بالأحداث حتي يتثني لهذا الأخير بلوغ الغايات الدلالية للعرض

لم أجد مبرراً واضحا لهذه التباعدية..بالتأكيد ليس لي تجربة مع مسرح الشارع..فلربما كان عدم منح الشارع موقفا للحكم عبر التباعدية فكرة ناجمة عن تجربة بريخت نفسه.
لكن ماذا لو حصلت الغيبوبة؟
إن طرح نتائج هذا الحصول للغيبوبة قد يفتح علينا بعض الفهم للتباعد..
 
لم أجد مبرراً واضحا لهذه التباعدية..بالتأكيد ليس لي تجربة مع مسرح الشارع..فلربما كان عدم منح الشارع موقفا للحكم عبر التباعدية فكرة ناجمة عن تجربة بريخت نفسه.
لكن ماذا لو حصلت الغيبوبة؟
إن طرح نتائج هذا الحصول للغيبوبة قد يفتح علينا بعض الفهم للتباعد..
التباعديه التي قصدها بريخت هي محاولة منه لجعل المشاهد في المسرح الارسطي او العلبه الايطاليه متلقي يعي ويفهم ويطرح التسأولات من اجل بلوغ غايات دلاليه في العرض اي انه يجعل من المشاهد متلقي يتفاعل بوعي مع ما هو مطروح .أما مسرح الشارع الذي يستهدف الجمهور المتواجد بشكل عشوائي ومصادفة فمسألة التباعديه او عدم الاندماج موجوده مسبقا ومعلومه للمتلقي الذي يصادف العرض
لأن مسرح الشارع ينتقل إلى فضاء المتلقي ويناقش قضاياه اليوميه وبجوار دياليكتيكي اي حوار جدلي من أجل بلوغ غايات دلاليه في العرض
وليس كالمسرح الملحمي الذي ينتقل فيه العرض من المنصة إلى صالة المتفرجين
 
أعلى