أ. د. عادل الاسطة - الفلسطيني في الرواية العربية : الفلسطيني ملتبس الهوية في " أولاد الغيتو"

في تتبع هذه الصورة نادرا ما يقرأ المرء عن الفلسطيني المتعاون أو الفلسطيني " ملتبس الهوية " ، وربما تكون رواية حيدر حيدر " حقل أرجوان " التي أتت على خلية فدائية مقاومة في الأرض المحتلة هي الرواية الوحيدة في القرن العشرين التي أتت على فلسطيني خائن سلم مجموعة فدائية ، وهذا يختلف عن رواية الأرض المحتلة التي حفلت بنماذج متعاونة ، وتعد رواية اميل حبيبي " المتشائل " مثالا لها ، فقد كانت الأولى في هذا ، وكل ما أتى بعدها كان تنويعا عليها واختلافا في التفاصيل .
كتب الياس خوري في رواياته التي ظهر فيها فلسطينيون عن الفلسطيني في المنفى ، وتحديدا في لبنان البيئة التي نشأ الياس فيها وفيها أنفق أكثر سنوات عمره ، وقلما حفلت رواياته حتى " سينالكول " ٢٠١١ بشخصية فلسطينية من الأرض المحتلة ، والرواية الوحيدة التي ظهرت فيها شخصية كهذه هي " باب الشمس " ، وسيختلف الأمر مع " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ٢٠١٦ و" أولاد الغيتو : نجمة البحر " ٢٠١٨ اختلافا كليا ، إذ يذهب الكاتب إلى اللد وحيفا ويافا في العام ١٩٤٨ والأعوام التي تلته ، ويختار شخصياته من هناك ، كما يختارها من فلسطينيي المنافي وقد تعرف إلى قسم منهم ، مثل ادوارد سعيد ومحمود درويش وغسان كنفاني واميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وراشد حسين وانطون شماس ، وكان هؤلاء ملهمين له في حياته وأدبه ، وقد توقفت ، بالتفصيل ، أمام حضورهم في " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ( مقالاتي في " الأيام الفلسطينية في ٢٠١٦ وكتابي " أسئلة الرواية العربية ، دار الآداب في بيروت ٢٠١٨ ) .
في الرواية بجزأيها نقرأ لأول مرة عن الفلسطيني ملتبس الهوية ونقرأ ثانية عن الفلسطيني المتعاون " الخائن " .
هنا سوف أتوقف أمام الفلسطيني ملتبس الهوية وهو آدم الشخصية المحورية في " أولاد الغيتو " .
في مقدمة الرواية التي كتبها الياس ، فكان فيها السارد المتكلم مباشرة ، إذ لم يختف خلف بطله ، يكتب عن علاقته ببطله وعلاقته بفلسطينيين آخرين مثل حنا العكاري " وهو مناضل قديم في الجبهة الشعبية " و" كنا نتردد معا إلى هذا المقهى كي نشرب كأسا ، ونسترجع أيام الأحلام الثورية التي مضت " - الفلسطيني الثوري ومآله .
يروي الياس عن فلسطيني من اللد ولد في العام ١٩٤٨ ثم هاجر من فلسطين إلى نيويورك ، شأنه شأن كثيرين مثل راشد حسين وانطون شماس وشأن فلسطينيين هاجروا إلى بلدان أخرى كصبري جريس ومحمود درويش وفوزي الأسمر ، ولكن آدم يختلف عن السابقين ، فيستقر في نيويورك وينشيء مطعما للفلافل يتردد عليه الياس مع طالبته الكورية ( سارانغ لي ) .
يصف الياس ملامح هذا الفلسطيني الخارجية ووسامته وإتقانه صنع الفلافل - أكثر من أهل بيروت الذين يعتدون بالفلافل - وتقديمه بلطف وبشاشة ، ويكتب عن ثقافته الواسعة ، ومن خلال حوارهما نعرف أنه لم يكن معجبا برواية " باب الشمس " كما لو أنه يستكثر أن يكتب لبناني عن فلسطين " كأنه لا يحق لي أن أكتب عن فلسطين لمجرد أنني لست من أبوين فلسطينيين " .
المهم في المقدمة هو الإتيان على الفلسطيني الذي ولد في عام النكبة وعاش في دولة إسرائيل وحمل جواز سفرها ، أهو فلسطيني أم إسرائيلي ؟
إن السؤال شائك جدا ولطالما خيض فيه وأثيرت حوله إشكالات مست رموز الأدب الفلسطيني مثل حبيبي ودرويش والقاسم .
" هل هو فلسطيني يدعي أنه إسرائيلي أم العكس ، لكنه شخصية فذة " والعبارة الأخيرة تذكرنا بسعيد المتشائل " أنا إنسان فذ " .
نقرأ في المقدمة :
" قالت إن الرجل ليس إسرائيليا ، " بلى ، إنه يحمل جوازا إسرائيليا ، لكنه فلسطيني ، أعتقد أنه من نواحي اللد ، لكنه يحب الالتباس ، ولا يمانع في أن يعتقد الناس أنه يهودي "
يروي الياس عن علاقته بالرجل بعد تعرفه إليه الآتي :
"لم ألتق هذا الرجل الذي يحب الالتباس بعد ذلك ، كانت تلميذتي تروي عنه الطرائف ، وتقول إنها تعتقد أنه زير نساء ، لكنه ساخر . لم أهتم بطرائف هذا الإسرائيلي الذي يتقن العربية ، أو هذا الفلسطيني الملتبس الذي يتكلم العبرية كأبنائها ، ولا بسحره ، شعرت بالغيرة منه ، لكنها كانت غيرة خرساء . لا أدري لماذا خطر لي أنه قد يكون عميلا للموساد الإسرائيلي ، وهذا هو سبب التباساته أو تنكره ، لكنني لم أهتم " .
آدم ملتبس الهوية ونشوؤه في دولة إسرائيل يدفعه لأن يثقف نفسه ومحاولة تفهم اليهودي الذي يضطهده ، لدرجة أنه يتقمص شخصية يهودية نجت من الهولوكوست ويسمي نفسه اسما عبريا ويتخيل له أبوين يهوديين ، بل ويدرس الأدب العبري ويسافر إلى معسكرات الإبادة في بولندا ، وهكذا جمع في ذاته الفلسطيني الضحية واليهودي الضحية ، ولما لم يقدر على استيعاب هذا العالم المتناقض هاجر إلى نيويورك ليقضي بقية حياته هناك ، مغتربا يعيش على الذاكرة . إنه في الدولة العبرية مواطن عربي ومشروع مخرب وفي عيون قسم من العرب مواطن إسرائيلي يبدو مشروع متعاون ، وهو غير قادر على الانسجام في الدولة التي يحمل جنسيتها ولا يستطيع العيش في عالم عربي يعاني فيه الفلسطينيون ويعاملون معاملة سيئة .
وعموما فإن تتبع صورة الفلسطيني في " أولاد الغيتو " تحتاج إلى مساحة واسعة ، وبما أنني أنجزت كتابا عن الجزء الأول ودراسة مفصلة عن الجزء الثاني ، فلن أعود إلى الكتابة ، بالتفصيل ، عن النماذج الفلسطينية فيها ، مكتفيا بالإحالة إلى الكتاب والدراسة .

نابلس
صباح السبت
٣٠ أيار ٢٠٢٠

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى