أمل الكردفاني- مقطورة الرجال- قصة قصيرة

-آسف إنه آخر قطار لهذا اليوم..
قال بائع التذاكر..ثم اضاف
- بعد ساعتين ستبدأ الدورة الجديدة، سيتحرك القطار في الثانية صباحاً..هل يمكنك الانتظار لساعتين أم تبحث عن وسيلة نقل أخرى؟..
وقف الرجل حائراً...ثم غمغم:
- أليس ذلك الواقف قطار...
- إنه هو ولكنه سيتحرك بعد ساعتين يا سيدي..
- حسنٌ..تذكرة واحدة من فضلك..
نقده الثمن ورفع حقيبته الجلدية ذات اللون الزهري الفاتح ثم جرجر قدميه المتعبتين باحثاً عن مقعد في الجوار، كانت محطة القطار مزدحمة بالمتعجلين للرحيل، ولم يجد مكاناً فاتجه لقطاره الذي لن يتحرك إلا بعد ساعتين...
كما توقع فقد كانت المقطورة خالية تماماً حينها وضع حقيبته تحت رأسه ومدد جسده بالكامل وأخذ يشخر..
كان النوم متقطعاً، فهناك صفارات وضجيج فاستمر كذلك لنصف ساعة حتى هدأ المكان. استيقظ بعد ساعة أخرى ووجد المقطورة لا زالت في مكانها. نظر من النافذة، فلم يجد سوى عامل نظافة يحرك مكنسة كهربائية جيئة وذهاباً..قال بغيظ:
- إنه يتحرك في بقعة واحدة..
حمل حقيبته ونزل..
- يا طيب...
التفت إليه عامل النظافة..
- لقد لاحظت أنك تنظف بقعة واحدة..لا أريد أن أتدخل في عملك..لكن المكان أوسع من ذلك..
كان عامل النظافة يرتدي قبعة يغطي ظل مقدمتها نصف وجهه، وحين رفع رأسه تبين أنه امرأة بجسد ذكر.
- أوه أنتِ سيدة..أنا آسف..
ابتعد وتركها تراقبه بنظرات حانقة..
"هل هذا هو الشقاء الذي حول جسدها لجسد ذكر؟ أم انها الجينات؟"
غمغم وهو يجلس على كرسيه في المقطورة ، فسمع صوت رجل يقول:
- بل هي الجينات والهرمونات..هذا نوع من الأجنة لا تكتمل هويته الجنسية في رحم الأم..
لاحظ رجلين آخرين، أحدهما يجلس في آخر مقعد والثاني في المنتصف وأما الذي تحدث معه فوراءه تماماً..كان الذي وراءه نحيل بوجه مليء بالتجاعيد ويرتدي نظارة، أما شعره فكان بُنياً خفيفاً على الجانبين وأما في المنتصف فكانت جلدة الجمجمة لامعة كالمرآة الصقيلة..نظر إليه وقال:
- ماذا تقصد؟.. هل تقصد أنه أو أنها خُنثى؟
حرك الرجل رأسه من أعلى لأسفل، فقال:
- ألا تمتلك أعضاء تناسلية؟
هز الرجل رأسه وقال:
- لا .. بل تمتلك عضوين ذكري وأنثوي ولكنهما غير مكتملين...
- عجيب..
جلس وقال بصوت مسموع للرجل الذي خلفه:
- هل يمكنه الزواج؟
سمع صوت إجابة الرجل:
- لا لا بالطبع...يجب تحديد الهوية الجنسية بالأول؟
- هل أنت طبيب؟
- لست طبيباً لكنني قرأت عن هذا الأمر..إنني سباك...
- أهلا بك..إنني كاتب مسرحي..
- أوه جميل جميل..
واصل:
- كتبت كثيراً وتنقلت كثيراً...
قال السباك:
- هذا عمل مرهق..إنني أفضل الاستقرار في منطقة واحدة من اجل العيال..
- جيد..
قال الرجل الذي يجلس في الوسط، وهو يرتدي تي شيرتاً أبيضاً...
- بل يمكنها الزواج..على الأقل سيسمح عضوها الأنثوي بذلك إن لم يسمح به الذكري..
قهقه الرجل في آخر المقطورة، فتبعه الثلاثة بالضحك.
قال المسرحي:
- إن وجود حفرة ميتة لا يعني إمكانية ممارسة الحب يا عزيزي...لابد من الإحساس المتبادل..
قال الرجل ذا التي شيرت:
- وهل لديهن إحساس..إن زوجتي لا تتفوه بكلمة في تلك الأوقات..
قال السباك:
- أما أنا فهي تصرخ مني طالبة إنهاء العملية بأسرع وقت..من الجيد أننا أنجبنا وأوقفنا المسألة كلها بعد ذلك..
قهقه الرجل في آخر القطار.
قال المسرحي:
- يا لحياتكما البائسة...
قال الرجل ذا التي تيشيرت الأبيض:
- مستحيل أن تكون زوجتك استثناءً من باقي النساء...إنهن يتعمدن إذلالنا في تلك اللحظة الفارقة...
قال المسرحي:
- أنت مخطئ تماماً...فليس ذنبي أنكم غير محظوظين مثلي.. إن زوجتي يا سادة عبارة عن قنبلة جنسية..
همهم الرجال الثلاثة بحنق..فواصل:
- أرجوكم توقفوا عن الحسد..
قال الرجل صاحب التي شيرت:
-لا نحسدك .. ولكن هذا مستحيل...
- حسناً...هذا الأمر في الواقع يعتمد على الرجل.. إن المرأة يا سادة كالقطة... لا يمكنك أن تقترب منها فجأة فتلعب بأناملك..يجب أن تروضها...
"حقاً..حقاً"
أمنوا على ذلك بصوت واحد.. فاستطرد:
- عندما تروض المرأة وبالتالي تعرف كيف تطلق سراح رغبتها من سجن كبريائها فسوف تشاهد كائنا شبقاً ..بل ومفترساً...
" يا إلهي..يا إلهي.."
ردد ثلاثتهم ذلك فأضاف المسرحي:
- يمكنك فجأة ان تجد نفسك معرضا للإغتصاب وأنت نائم..
يقهقه الرجل في آخر المقطورة فيتبعه الإثنان بالضحك..
- نعم...يمكنها أن تفعل أشياء عجيبة.. مثلاً..كنت أنا وهي معزومين مع أسرة ما في مطعم.. أثناء الطعام، وجدتها تحشر أصابعها من تحت الطاولة داخل بنطالي...
يقهقه الرجل في آخر المقطورة فيتبعه الإثنان بتعجب..
- لا تندهشوا..هكذا عودتها أن تتحرر من الكبرياء..ورغم أن الأسرة لم تلاحظ شيئا..أو ربما لاحظوا وفضلوا الصمت..لكنها كانت مستثارة جداً..لقد استئذنت لدخول الحمام وطلبت مني أن أتبعها..فخرجنا من المطعم ودرنا من وراء أسواره حيث الحديقة المظلمة وفعلناها هناك..ثم عدنا بعينين خائرتين إلى مائدة الطعام..
"أووه..كم أنت جريء...اللعنة..."
قال الأصلع:
- لو كانت زوجتي تفعل ذلك لتركت حرفة السباكة واعتكفت في المنزل..
قهقه الرجل في آخر المقطورة فتبعه الثلاثة...
واصل المسرحي:
- آه...المسألة كلها تعتمد على التفاهم...والصراحة طبعاً..
قال الرجل ذو التي شيرت الأبيض:
- حقاً..أو ربما لأنني لم أتزوج عن قصة حب..كانت زيجة عادية..وأصدقك القول لقد عانيت يوم الدخلة في اقناعها بالبقاء في المنزل لوحدنا...واستمرت المعاناة..لقد كانت فتاة ريفية من أسرة متزمتة..بعدها انقلبت وأصبحت عاصمية بامتياز...يتغيرن بسرعة..
قال الأصلع بحنق:
- هذا خطؤك..كان عليك ان تعاملها كما كانت عليه في الريف..
- وكيف لي أن اعرف...كانت خبرتي مع النساء ضعيفة...
ثم أضاف:
- ولا زالت ضعيفة حقاً..
قال المسرحي:
- اللعنة من هذا الزواج التقليدي..هل انت طبيب يا سيدي؟
اجابه ذو التي شيرت:
-نعم..كيف عرفت..
- بالتأكيد..فلا أحد قليل التجارب مع النساء كالأطباء فهم ينغلقون للدراسة..وهم يعتمدون على سمعتهم كأطباء في المستقبل للحصول على موافقة المرأة على الزواج...
- هذا حقٌ يا عزيزي..ولكن ولكن..لا أعرف ماذا أقول...الحياة الجنسية معها كانت ولا زالت كارثية...
يهمهم الثلاثة تهويمات متعاطفة معه..
قال المسرحي:
- يجب أن تطلقها وتتزوج غيرها..
- لا أعرف إن كنت قادراً على تخطي مرارة ما حدث عبر تجربة أخرى..
- يجب أن تحاول..في أحد الأيام اتخذت زوجتي موقفاً مماثلاً..فماذا فعلت...
نظروا إليه جميعاً..
- ابتلعت حبة مقوية.ثم هجمت عليها..كنت أعرف أنها كاذبة ولذلك كانت مقاومتها شرسة ولكن كاذبة...انتهى غضبها مني تماما بعد ساعتين.. بل ذهبَتْ وجهزت العشاء وهي مسرورة...
يقهقه الرجل في آخر المقطورة ويضحك الثلاثة الباقين..
يقول الأصلع:
- يبدو أن زوجتك تحبك..
- نعم اعتقد ذلك..وهي جميلة أيضاً...
قال مرتدي التي شيرت:
- انت محظوظ..
يكتشف الأربعة أن القطار كان قد تحرك منذ وقت ليس بالقصير وهو لا يحمل ركاباً غيرهم..إذ كان أول قطار الدورة الجديدة..
يغادر المسرحي القطار، ويستأجر تأكسي فيصل إلى البناية القديمة التي يسكن فيها، حيث يشم رائحة النفايات التي ينقلها الهواء من خلف البناية. ييتشبث بحقيبته الزهرية ويصعد السلم بصعوبة. وحين يعبر الردهة الموصلة لباب شقته يرى جارته العجوز فتنظر له بمقت وتقول بفم خالٍ من الأسنان:
- كم أخاف منك..شتغتصبني يوماً ما..
يحاول كتم ضحكته، ويسمعها تقول:
- متى تتزوج أيها الملعون؟..
يتوقف ثم يعود ويقول لها بغيظ:
- أنا متزوج بالفعل..
تحاول جمع قبضتيها المرتعشتين فوق خصرها:
- من؟
يمسكها من خصرها فيشعر بعظام كالدبابيس تخترف كفيه:
- منك أنتِ يا جميلة الجميلات..
ترد بغضب:
- كاذب ومنافق ولن تشتطيع خداعي أبداً...فلدي خبرة كافية..
يقول بحزن مفتعل:
- لا تقتلي الأمل في داخلي..
يخفق قلبها قليلاً..فتغمغم:
- حشنٌ..شأفكر في الأمر.. ولكنني لا أعدك بشيء..
- فكري كما يحلو لك..فقلبي دائما معك..
يفتح باب شقته الأستديو وينير المصابيح...ثم يتهالك على سريره واضعاً الحقيبة تحت رأسه..، بعد ذلك يشعل سجارة..يدخنها حتى نصفها.. ويتذكر أنه ترك باب الشقة مفتوحاً.. لكنه كان متعباً جداً.. فيلقى بسجارته على الأرض دون أن يطفؤها ليغوص في نوم عميق...

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى