سمير الفيل - الكف التي تبعث الرعب، وتطرح الأسئلة! قراءة في قصة: " محاولة جادة لقراءة الكف" لحسام المقدم.

يختط الكاتب طريقا مثيرا، ينتمي لغرائبية حكائية تلامس هامش المجتمع، فأبطاله ثلاثة أشخاص بلا أسماء، وضع الكاتب لهم صفات دالة عليهم: القصير، الأوسط، الطويل. وهو ما يعني أن النظرة للأشياء حسبما يعتقد الراوي تمس الشكل والملامح أكثر منا تمس السمات والجوهر.
العنوان محير وهو كالتالي: "محاولة جادة لقراءة الكف"، والعنوان مرتبط بذلك "الشيء" الذي عثر عليه الأصدقاء. وقف واحد منهم ليقول أنه لاحظ طائرا غريبا شبه رمادي يزحف جنب سور المستشفى. إذن فقد تحدد المكان بدقة، ربما هي حديقة أو أرض فضاء تجاور المستشفى . يعتقد أنه رأى " الشيء " يقفز قفزات متعبة ويتكور على نفسه وراء أحد الأعمدة الحديدية ، وحين يفحصون المكان لا يلفت انتباههم غير البوابة الحديدية المفتوحة.
الوقت هو الآخر محدد بدقة : ساعة الفجرية حيث الشوارع نائمة وعارية ، وفي هذا الوقت يهبط الندى ويسقط على أسطح الأسوار والمقاعد .
سنلاحظ هنا اهتمام الكاتب بالتفاصيل لكنها مفيدة وتحمل حسا فقد خلع عليها مشاعر البشر " نائمة وعارية دون أي مكياج".
يبحثون ويسمعون خرفشة كائن انفلت مفزوعا من حضن الورقة ( لاحظ هذا التعبير الذي يؤنسن الجمادات ) ثم يظهر هذا " الشيء " مقطوع الرأس ، وله أربعة او خمس أرجل. يتساءل الراوي : هل هناك ما يسمى بالإخطبوط البري؟!
يسحبون بطانية رمادية قديمة تخص بائع الجرائد ، يتسلحون بعصا عندئذ يبصرون الشيء متكورا وهامدا. يحدقون فيه فيجدونه : " ينبض بقوة". هذا ما نطق به الطويل وقال شخص منهم :" جسمه يشبه القلب النابض فعلا ".
يمد الطويل يده ويكتشف بالملامسة انه شعر وليس ريشا ، أي أن الشيء أرضي لا سماوي. " هذا الرأس المشطوف غير الموجود يشارك في رجة الجسد" . يقول الطويل: " أصابع واظافر" . يخمنون إنها " يد مقطوعة عن المعصم". ونفهم أنها :" كف كاملة من خمس أصابع ". يبدو انه قد تغير لون الكف وتحول إلى ما يشبه طلاء الحوائط الحكومية. يلاحظون البشرة والشعر والأظافر ويسألون أنفسهم: " هل هي كف رجل أم امرأة؟"
يستمر الجدل بحثا عن الحقيقة ويقول شخص منهم :" اليد المقطوعة فال سيء ". إذ هي تستدعي فعل الموت بكل جبروته. يكتشفون أن نقش " الحناء " في اليد تكون حروفا عربية . وهي كتابة شغلتها يد فنان محترف. ويحضر في الذهن " حجر رشيد" الذي كشف أسرار الحضارة الفرعونية غير أن الملاحظ انه وشم لا كتابة. إذن علينا أن ننحي " شامبليون"!!
يحمل الأوسط الكف بين يديه، القصير المغرم بتفسير الأحلام يخبرهما أن اليد المنقوشة بحنة في الحلم هي ذل قادم . يصر الطويل على أن عصر المعجزات قد انتهى. يعتقد الطويل أن ظهور" الكف" هي رسالة من هيئة أو تنظيم وعليهم فك شفرتها ( لاحظت هنا ان الأحداث الجارية في المنطقة تلقي بظلالها على الحدث رغم لا منطقيته) .
ويبرز السؤال المنطقي :" الله اعلم من أي جحيم او مقبرة جماعية فرت؟ " , يقلبون اليد :" أفيقوا ، اسكتوا، لقد ماتت " يفكرون في حمل " الكف " والدخول بها إلى المستشفى. حين يواصلون التأمل والفحص يجمعون على ضمورها وانكماشها . فاليد قد ارتخت أصابعها برخاوة.
لقد اختفت الكتابة تماما وانمحت مع زوال الشعر وبات من المؤكد حملها ودفنها تحت طيات التراب.
القصة يصعب تأويلها تأويلا أحاديا لكننا يمكن ان نبعث بعض الإضاءات:
1ـ الحياة المؤلمة التي نعيشها تمزقنا ، ودون أن ندري تحولنا أشلاء.
2ـ من الضروري أن ندفن أشلاءنا وذكرياتنا وكل ما مات في عقولنا وضمائرنا.
3ـ سيان أن تكون هناك كتابة او فراغ فالنهاية تمحي كل شيء ناطق او مبصر او موثق.
4ـ ما اشد ضعة الإنسان الذي تسقط أجزاء منه دون أن يشعر مع معاناة جد قاسية.
5ـ قد يكون الإشارة إلى الثلاثة هي أفكار متعددة ، متشابكة ، لشخص واحد انقسم وتشظى في ساعات الفجر الأولى.
6ـ كل شيء يحدث في نقطة حرجة بين الظلام والنور، ومثلما هناك خلق فهناك عدم وموت.
7ـ من يدريك ان كفك الذي كتب سطورا ـ يوما ما ـ ضد القيم مثل الحرية والمساواة والعدل قد قطعت وسقطت في مشوار الحياة دون أن تدري.
المهم أن طريقة حسام المقدم في تشكيل نصه القصصي فيها حدس ومخيلة وتراسل الحواس وفيها تشكيك في الأشياء الثابتة ، فلا يوجد يقين وانت فوق ظهر الأرض.
كان حسام المقدم قد أهداني 2019 مجموعته القصصية الفريدة حين قابلته في المنصورة مع فكري عمر. قرأت نصوصا على الزملاء في المقهى ـ قبل محنة فيروس الكورونا الذي يحبسني حاليا في البيت ـ لم تكن منها هذه القصة وقد اختلفنا دائما في التأويل. قرأت: "الثلاثاء بالأبيض والأسود" ، "أزمنة الجميل"، "نجوم صغيرة فوق نافذة فايزة احمد "، "رقصة القيامة"، "أقوال جديدة في سيرة أمنا الغولة". وقد وجدت كل نص يختط سكة مغايرة وما يجمع بينها أمران: طزاجة المخيلة، والقدرة على التسلل لمناطق المتعة في السرود القصصية حيث الحياة متحركة ويمتنع عنها "الجمود". في نصوص أخرى جاءت أغاني فايزة احمد لتوشي النص، وفي كل الأحوال نحن أمام كاتب مجيد، محترف، له تجربته واجتهاده، ورغبته الدائمة في التجريب، وهذا يفرحني شخصيا ككاتب واقع حتى اليوم في شباك "الكلاسيكية" المجيدة!
سمير الفيل
31 مايو 2020.


***

محاولة جادة لقراءة الكف
..
أول مَنْ رأى ذلك الكائن العجيب كان القصير..
والقصير ثالث ثلاثة، تمر بهم الليالي وتتركهم على مقهى يتكلمون أو يتأمّلون، وربما يمشون على نهر يحتضن مدينتهم ويُحيطها في قوس حميم. الثلاثة الليْليّون، وصل بهم الأمر إلى الزهد في التعامل بالأسماء، والاكتفاء بصفات كانت تتفق مع أجسادهم: الطويل والأوسط والقصير. وأقصرهم كان صاحب الإشارة الأولى في تلك الليلة.
**
وقف مكانه وقال إنه لاحظ طائرا غريبا شبه رمادي يزحف جنب سور المستشفى، ثم يقفز قفزات مُتعَبة ويتكور على نفسه وراء أحد الأعمدة الحديدية القصيرة المرشوقة بمحاذاة واجهة المبنى. توقف الثلاثة ليروا: لا شيء غير البوابة الضخمة المفتوحة على امتداد خال تقريبا، والشوارع نائمة وعارية بلا أي مكياج في تلك الساعة الفجرية. حتى الإضاءة المتاحة لا تسمح بالتدقيق لعيون امتصّها سَهر دائم. اقتربوا أكثر.. "إنه هنا". أشار القصير نحو عمود تحته ورقة جريدة قديمة. تقدمَ خطوة وانحنى على الورقة المُلطخة المنفوشة. سحبها بحذر، وفي لمحة اصطك جسده بجسدي رفيقيه في لفتة عنيفة التهبت معها دقات القلوب. سخنت قشرات الرؤوس بتلك الخرفشة لكائن انفلتَ مفزوعا من حضن الورقة، قافزا على قوائمه الرفيعة مُتبادلة الحركة، في نقلات متتابعة متسارعة. يا الله، ما هذا؟ إنه يبدو مقطوع الرأس، وله أربع أو خمس أرجل! هل هناك ما يُسمى بالأخطبوط البري؟ هكذا، وبرؤوس تُمزقها الأسئلة، مشوا مأخوذين إلى حيث همد..
تقدموا في صف واحد. هذه المرة لابد من الحذر أكثر. الملعون اختار بطانية رمادية قديمة مفروشة على الصندوق الخشبي الذي يخص بائع الجرائد، واندس تحتها. تسلّحوا بعصا، واقترب الأوسط واخزا البطانية وخزات كانت تقوى كل مرة. لا شيء. أزاحها كلها للأعلى بطرف العصا. للأسف لا شيء أيضا! هذه المرة سيعود القصير للمشهد بكل ثقة: سحب رفيقيه بيديه، وعاد للإشارة نحو الأمام. بالفعل، كان الشيء الرمادي متكورا هامدا هناك جنب السور الخلفي للمستشفى. على أطراف أطراف أصابعهم مشوا. توقفوا تقريبا على مسافة خطوة. تقوسوا وداروا وتلاقت أعينهم. "إنه ينبض بقوة"، قال الطويل هامسا. هزّ الآخران رأسيهما. "جسمه يشبه القلب النابض فعلا". "لا إنه يرتجف. سيموت". الرأي الأخير وجد قبولا لديهم جميعا. مدّ الطويل يده نحو الكتلة الملمومة النابضة. بالكاد لمس إصبعه ذلك الكيان المرتعش. سحب يده بسرعة: "إنه شعر وليس ريشا"! "شعر؟ هل هو حيوان أم طائر"؟ "شكله طائر يا جماعة". "طائر؟ هل هو طائر؟ لابد أن نعرف أولا ما هذا الشيء"! انزرعتْ العيون الست من كل جانب في الجسد المنطوي على الجدار. لا رأس تقريبا، شيء منكمش داخل في بعضه ويشبه سُرّة طفل. هذا الرأس المشطوف غير الموجود يشارك في رجّة الجسد النابض، يعلو ويهبط في حركة دودية عصبية. القوائم ملتوية ونائمة تحت الجذع المتضائل في وضعيته هذه. هناك نقوش تشبه الحِنّاء على الظهر الدائر الملموم. "أظافر، له أظافر آدمية"، قال القصير. مرة أخرى تقوقعَ الثلاثة مُبحلقين: فعلا أظافر غاطسة في شعر القوائم الخفيف. لكن ما قاله الطويل هو الذي سيقلب الموازين: "أظافر وأصابع.. انظروا، إنها يد، كفّ مقطوعة"! هنا التمتْ المفردات مع بعضها، وتُرجِمَتْ أمام العيون والألسنة بسرعة خاطفة: نعم يد مقطوعة من عند المعصم، كفّ كاملة بخمس أصابع منزوعة من جسد ما. انسالت الكلمات لتفك مشابك الحيرة أمام عيون مفتوحة على آخرها: يبدو أنّ لها مدة طويلة منذ أن قُطِعت من جسدها. هذا الشعر العجيب الذي نما ليشملها كلها، هل هو تمويه وحماية من أعداء مُتربصين؟ لونها نفسه تغير وصار يشبه طلاء الجدران الحكومية القديمة. مَن يدري كيف كان مشوارها.. ألا ترون؟ إنها يدٌ مُنهَكة للغاية، ومرتعبة. حين رأتنا تقوقعتْ ووقفت في مكانها تكاد تدخل في الجدار. تمام، ربما كانت لا تتحرك إلا في أواخر الليل حين تهدأ الحركة نهائيا. هل رأيتم؟ هناك مخالب رفيعة معقوفة نبتت تحت الأظافر. احذروا، قد تنط في وجوهنا مرة واحدة. لا لا، لقد سكن نبضها قليلا. صارت ارتجافاتها هادئة ومنتظمة. صحيح نسينا، هل هي كفّ رجل أم امرأة؟ بقايا العروق النافرة تحت الشعر توحي بالرجولة، في المقابل الأصابع القصيرة شبه المخروطية فيها أنوثة. طيب، هل هي يُمنى أم يسرى؟ يا جماعة، وكيف نعرف. كل هذا لا يَهم. الأولى أن نفكر: ماذا سنفعل مع هذا الكائن؟ حقا ماذا سنفعل؟ هل نُمسكه؟ لا لا. اليد المقطوعة فأل سيّئ. في تفسير الأحلام تُبشر رؤيتها بموت وشيك لأخ أو صديق. لا تمسكوها. انظروا، نقوش الحِنّاء هذه عجيبة ومُتقَنة. كيف نُقشتْ هنا؟ اقتربوا، إنها تبدو ككتابة! فعلا، كتابة حقيقية بحروف شغلتها يد فنان محترف. لن يرى ذلك إلا مَن يقترب ويدقق. فلنحاول أن نقرأ هذه التشابكات. الحروف عربية، لكن تجميعها مع بعضها لا يُعطي معنى. هل هي مجرد حروف مرصوصة؟ يا جماعة نُمسكه لنرى. لا. ومَن يمد يده؟ أنا، ها هو في يدي، نائم وساكن تماما. هُس. بُصّوا، هنا. لا تلمسه! لقد انتفض فجأة. ما رأيكم أنه وشم وليست كتابة؟ نعم هو وشم. كتابة أم وشم لا يهم، المهم ماذا يعني؟ والله حجر رشيد نفسه لم يُدوّخ مكتشفه بهذا الشكل! اصبروا، "شامبليون" ظل سنين طويلة حتى فك طلاسم حجره. وهل سننتظر مثله؟! لا، قصدي أن نتأنى حتى نفهم شيئا. أف!
الثلاثة نفخوا دخانا غير موجود. ما زال الأوسط يحمل الكفّ بين يديه. العيون تعبت، تخلخلت الأرجل مُطالبة بالقعود. في مكانهم جنب السور انهبدوا، رموا ذلك الكائن في قلب الدائرة بينهم. لا يزال هادئا ومُتعَبا، ويظهر أنه لن يفيق أبدا. فكَّروا أنه سيموت بالفعل. مَن يخبرهم، بحق السماء، ماذا يكون هذا الشيء ومن أين جاء؟ القصير، المُغرم بتفسير الأحلام، سيضيف مرة ثانية أن رؤية اليد المنقوشة بالحِنّاء في حُلم؛ هي ذُلّ قادم أو حاجة. هنا أسكته رفيقاه، سدّا فمه بأيديهم. الأمر لا يحتمل ذُلا أكثر مما هم فيه. سيُغيّر الطويل الاتجاه بسؤاله المفاجئ: "هل هي كفّ أجنبية أم محلية"؟ لكنّه يعود ويُقرر أن الجزم بشيء مؤكد في هذه المسألة صعب، بحكم التغيرات التي طمست ملامحها. الأوسط يقول إن هذه الليلة ابتلاء من الله، وهذا الشيء رسالة وإشارة منه سبحانه لثلاثتهم. أضاف أيضا أن عليهم قراءة الرسالة جيدا، بل لابد من ترك هذه الكف تمضي في طريقها، فربما كانت مأمورة! القصير يستعجب لأنه لا يعرف ما هي الرسالة، ولا ما الواجب عليهم أن يفعلوه. لماذا يمتحنهم الله، وهم بلا أي تميز عن باقي خلقه، عن طريق هذا الكائن الممسوخ؟ يخرج صوت الطويل هذه المرّة مُؤمِّنا على أن عصر المعجزات لا يزال صالحا للدهشة.. "نعم هذه الكفّ قد تكون رسالة، لكنها لن تكون من ربنا سبحانه، لأننا أقل من هذه المنزلة بكثير. لا أستبعد أن تكون رسالة من جِهة أخرى"! سكت الطويل عند جِهته التي لم يُبين ما هي، تاركا رفيقيه ذاهليْن من المعنى الغامض والثعباني لكل الجهات الأخرى. سَرتْ كهرباء خفية في الجو: "وما الجهة أيها العارف"؟ ولأن الطويل كثيرا ما أفاض لهما من قبل عن أمور في الداخل والخارج؛ فقد خرجت كلماته كما لو أنها في رأسه منذ فترة طويلة، وليست وليدة الظرف الطارئ: "جماعة أو تنظيم من تلك التنظيمات المتوالدة بسرعة الأرانب هناك.. حيث أماكن الجحيم والفوضى المشتعلة في المشارق والمغارب من حولنا. آخر ما سمعته عن أساليبهم المُروّعة هو اقتطاع أطراف الأجساد الحيّة، أيد وأقدام وأنصاف أذرع، من الموجودين لديهم كأسرى، وإرسال تلك الأعضاء كرسائل إلى أشخاص وحكومات وأماكن أخرى آمنة". كلام غير عادي في الحقيقة، سيجد صدى عند الرفيقين بشكل متحفز: تقصد أن هذه اليد رسالة؟ ولكن ماذا يعني وصولها لنا نحن؟ وهذه الكتابة عليها، هل هي مُشفّرة؟ ربما، وما المانع؟ لا، لا يمكن. قد تكون مُفخّخة. يا رَجُل، هذه المسكينة، الله وحده يعلم من أي جحيم أو مقبرة جماعية فَرّتْ. اسكت. اسكت أنت. أنت لا تدري شيئا. أنت الذي لا تدري شيئا في أي شيء. عيب عليك. لا تنطق. تَكلّم أنت، أَسمِعني. أفيقوا واسكتوا، لقد ماتت! لا نامت. قلِّبوها، حرِّكوها. ها، هل تنبض؟ قرّبها من أذنك أكثر واسمع. لا أسمع شيئا. غير معقول، ثرثرتنا ضيعتها. لم يأت على بالنا أبدا أن ندخل بها المستشفى. كيف تركناها تموت؟
**
بصمت ممتد، وبلا كلمة واحدة، اشتغل الثلاثة معا. أخذوا وقتهم في تأملها وفحصها. تأكّدوا من ضمورها وانكماشها كثيرا. ارتخت أصابعها وانفرطت برخاوة. ها هي مُتاحة ومُستباحة كما لم تكن من قبل. فليفعلوا ما يريدون. مدّ أحدهم يده إلى أظافرها الخمسة، وبهدوء وبراعة نزعَ المخالب النابتة الحادة. أعاد تمرير باطن إصبعه أسفل كل ظفر، فتأكد من نعومة جديدة لم تكن موجودة. وحين غامروا باختبار الشَّعر ومدى تأصله في الجسد، وجدوا أنه هَشّ وبلا جذور. سحبوه ببساطة، ليفاجئهم ويخرج كله قطعة واحدة مثل جلد ثعبان. ابتسموا لشيء آخر غير متوقع بالمرة: لقد اختفت الكتابة المنقوشة وانمحت مع زوال الشعر. تبادلوا النظرات. الآن أصبحتْ الكفُّ كفا، جميلة وحقيقية.
الأول حملها بين يديه..
الثاني هَيّأ المكان..
الثالث دفنها في التراب.
***
حسام المقدم



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى