أحمد رجب شلتوت - وائل وجدي يستطلع نهار الحلم

- 1 -
قبل أكثر من ثلاثة عقود أصدر وائل وجدي مجموعته القصصية الأولى البداية ، وكانت كأغلب البدايات ، يزيد فيها الحماس عن الفن .
ولعل إدراك الكاتب ؛ لذلك هو ما دفعه للتريث والانتظار لاثنى عشر عامًا ، قبل أن يصدر مجموعته الثانية : دبيب الروح مع ختام الألفية ، وفيها بدا وائل وجدي قابضًا على أدواته كقاص ، وواعدًا بصوت قصصي له خصوصيته .
تلك الخصوصية التي تبدت في مجموعتيه التاليتين حنين - رائحة الأيام ؛ حيث بنى وائل وجدي ، أغلب قصص مجموعتيه على استدعاء دواخل الشخصيات عبر لقطة يتم وصفها من خلال المزواجة بين الماضي والحاضر .. بين الداخل والخارج . ثم تأكدت هذه الخصوصية في مجموعته الخامسة نهار الحلم ، والتي تحوي بين دفتيها قرابة الخمسين نصًا قصيرًا ، وتترابط هذه النصوص الغزيرة معًا ؛ لتكون وحدة واحدة .
فنهار الحلم إذن ليست مجرد تجميع لقصص ؛ لذا تجنب وائل وجدي ما فعله في مجموعاته السابقة ؛ ولم يطلق على المجموعة اسمًا لإحدى قصصها بل اختار لمجموعته عنوانًا دالاً ؛ هو نهار الحلم ؛ وهو عنوان يعبر عن أجواء النصوص التي اختارها وائل وجدي ، بوعي وعناية لتكون مجموعته الخامسة .
- 2 -
تنقسم المجموعة داخليًا إلى قسمين ، يضم كل منهما نصف المجموعة تقريبًا .
القسم الأول : نهار أول ، ويضم نصوصًا يتراوح طولها ما بين صفحة واحدة ، وسبع صفحات بينما لا تزيد نصوص القسم الثاني نهار آخر ؛ عن بضعة أسطر . ولا أعتقد أن معيار طول النصوص ؛ هو ما لجأ إليه المؤلف لتقسيم نصوصه إلى قسمين . بل ثمة أسباب أخرى ، تتعلق بالرؤية . رؤية الكاتب ؛ ففي أغلب قصص القسم الأول ، يكتب الكاتب عن نفسه فوائل وجدي في أقاصيص نهار أول يعتمد بشكل كبير على الصورة القصصية ؛ لدرجة أن القاريء ، يظن الكاتب يصور عالمه القصصي ، ويلتقط مفرداته من خلال التقاط كل ما تقع عليه عينيه من جزئيات متناثرة في الواقع .
فهو يكتب عن هموم القاص الساعي إلى الذيوع والتحقق في خمسة من قصصه ؛ وهي لقاء – الفارس – أستاذ – انتظار - كرسي خال
وهي نفس هموم المصور في كاميرا والرسام في الهدية
وهكذا ، وفي حوالي خمس قصص لمجموعة ، نلتقي بالمبدع الساعي إلى التحقق ؛ وهو يعاني الإحباط والقلق .
ونجد ظلاً للمبدع نفسه حين يعاني قيود الوظيفة ، وضغوطها في قصص غروب – ساعات – ترانيم الوجع . وحين يكشف التشوهات التي تحدثها هذه الضغوط في النفس في قصتي امتثال – انتشاء .
وهو نفسه السارد ، المعاني لألام الفقد في لحظات – شارع – دموع الأيام – نقوش على جبين الأيام
وهكذا ، نصل إلى ما يقرب من نصف قصص المجموعة ؛ حيث ثمة واقع قابض كالكابوس .
أما في النصف الآخر ؛ ففيه يهرب القاص من الكابوس إلى الحلم ، حيث يقدم نصوصًا ؛ هي دفقات شعورية مشحونة بالمعاني والصور الفنية ؛ لكن أحيانًا تنتهي الدفقات دون أن تتراص أو تتجاور لتشكل نسيجًا واحدًا . بل تظل مجرد نثار غير متكامل.
وبهذا الفهم لدلالة تقسيم النصوص إلى قسمين ؛ أعتقد أن نص مقاطع من دفتر الوجد ، وهو مكون من خمس مقاطع ؛ لكل منها عنوانه الخاص ، مكانه القسم الثاني نهار آخر ؛ فهو أقرب إليه من حيث الرؤية والبناء . وكذلك أقصوصة نهار العمر .
في حين أن قصة دموع الأيام التي يبدأ بها القاص القسم الثاني ؛ هي أقرب على أجواء نصوص القسم الأول .
- 3 -
بداية من غلاف المجموعة نواجه بمفارقة دالة .
وائل وجدي يسمي مجموعته نهار الحلم ، ويختار للغلاف صورة التقطها هو بعدسته للشمس قبل المغيب .
في العنوان ؛ يقترن النهار بالحلم ، مما يبشر بميلاد جديد . وفي الصورة ينذر الغروب الوشيك بأفول النهار وتبديد الحلم .
هذه المفارقة - حتى وإن لم يقصدها الكاتب - إلا أنها تضع أيدينا على مفتاح العالم الذي تعبر عنه نصوص وائل وجدي ، كما أنها تكشف لنا الدافع وراء العملية الإبداعية عنده . فكل نص جديد يكتبه وائل وجدي ؛ هو محاولة فنية للقبض على الحلم قبل أفوله وتبدده .
- 4 -
يهتم وائل وجدي في أقاصيصه بالصورة اهتمامًا كبيرًا ؛ وهذا يستدعي وقفة قصيرة عند الصورة الفنية عنده.
وبداية ، نحدد بأن المقصود بالصورة الفنية ؛ هو اللقطة القصصية المعتمدة على التجسيد ، والتي تقترب من الصورة الشعرية ؛ خاصة في كثافة الشعور ؛ وهذا يجعل الصورة القصصية – عنده – تقترب من قصيدة النثر . كما في أغلب نصوص القسم الثاني من المجموعة .
والصورة ، عند وائل وجدي أحيانًا وصفية أي تصف الفعل في لحظة سكونه ؛ لكنها في أغلب الأحيان ، تكون صورة سردية أي تصف الفعل في لحظة تحركه في تتابع الزمان . كما في قصة الهدية ، حيث تمتد الصورة من بداية القصة إلى نهايتها .
ونفس الشيء ، يمكن قوله عن قصص أخرى ، مثل : كاميرا – عروس البحر ، حيث اعتمد القاص على الصورة السردية .
أما الصورة الوصفية ؛ فنجدها في قصص أخرى ، منها : قصة قارب ؛ حيث القصة مجرد لوحة رسمها القاص بقلمه ؛ لقارب في النيل ؛ حيث إمرأة تجدف ورجل يفرد شباك الصيد وطفلهما يتابعهما في صمت . فكأن القاص لم يرد إلا رصد لقطة أعجبته ؛ فاكتفى بالوصف لينقلها للقاريء .
- 5 -
يستخدم وائل وجدي الحلم كثيرًا في قصصه . وفي مجموعته نهار الحلم ، نجد الحلم في العنوان . وفي ثنايا السرد القصصي ؛ فكأن الكاتب الراصد لواقع كابوسي ، يهرب من الكابوس إلى الحلم .
ويستخدم وائل وجدي ، الحلم في قصصه بمستوييه المباشر وغير المباشر .
فبالرغم من أن أغلب قصص وائل وجدي ، تصور لحظات حياتية مجسدة لموقف ما إلا أن الحلم عنده ليس هامشيًا بل يطرح أطرًا للواقع الذي تعيشه شخصيات قصصه .
هذه الشخصيات الواقعة تحت سطوة رؤى كابوسية ، كما في قصة قهر .
والحلم في أغلب قصص وائل وجدي لا يعتمد على التداعي بل يقف عند حد السرد ، والحلم في هذه الحالة ، يكون رؤية عيانية مباشرة ، تعطي دلالة إيحائية معتمدًا على لغة شاعرية ومعان منسابة .فالكاتب ، يوظف الحلم لاستكشاف في اللحظة المعاشة ، والتي تكون مفارقة للحلم ومناقضة له مثل : قصة شارع – لحظات وغيرهما...
وفي قصص أخرى ، يرتبط الحلم ببناء القصة ؛ فنرى القصص تجنح إلى تصوير عوالم الذات ، وتعتمد على تداعي المعاني والصور في ديمومة مستمرة مع الزمن ؛ لكن هذا الزمن نفسه غير متسلسل وغير متتابع .
ولغة الكاتب في هذه القصص شاعرية ، تلجأ للتكثيف ؛ وهي أيضًا لغة مصورة تعتمد على التصوير ، لكن يشوبها القطع وعدم الاستمرار ، كما في قصتي الهدية - عروس البحر . ولعل ارتباط بنيتهما بالحلم ؛ هو السبب في كونهما من أطول قصص المجموعة .
- 6 -
و نهايات القصص عند وائل وجدي ؛ هي أهم ما يميزه .
فنهايات العديد من قصصه ، هي التي تمنح هذه القصص قيمتها الفنية بل شرعية وجودها كقصة . إذ أن النهايات عند وائل وجدي ، هي التي تجعل من بعض قصصه قصصًا ، فمثلاً أقصوصة قبلة لا تطول لأكثر من سطرين هما : ها أنت تلثم شفتيها . كم أنت مشوق للمسها . ولكن .. الآن .. ما تتمناه أن تنجح قبلة الحياة
فلولا هذه النهاية لقصة لما كنا أمام قصة أصلاً .
نفس الشيء في أقصوصة شارع : ترنو إلى أشجار شارعك ، المتشابكة أغصانها . تبحث عن السكون .. الأصدقاء .. الحبيبة .. أضحت سرابًا
فهذه النهاية ، تضعنا أمام التناقض بين حاضر الشارع وماضيه .
وكذلك قصة الليلة الأخيرة ، حيث لا تصبح الحكاية حيلة ، تبعد عنق شهرزاد عن سيف السياف . بل تصير دواء شافيًا لشهريار الذي يعاني سكرات الموت ، ويطلب من شهرزاد دوائه ؛ بفعل الأمر ، الذي تنتهي به القصة إحكي .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى