عماد علي قطري - المهاجرون.. شعر

الماء في الشط الغريب مقامر

والأفق أغبر هامد

والفجر يقتله السكون

بعض الضباب ونورس مثل الغراب

والملح في الشفتين أغمد سيفه بعد الحراب

والنيل ملقى في الرصيف تحوطه جزم الجنود ..

عيون أسماك تموت

نيل يموت ..

ونصف نيل يحتمي بالخوف

والرعب الشديد مع السكوت

وجه كلون الطمي في الدلتا

يئن وسعلة هزت ذراع الأخطبوط

مصر التي باعت بنيها للمنافي

لم تعد ..

مصر التي في خاطري كالعنكبوت

ما عاد بيتك في البلاد

ولم تعد مصر التي في خاطري تحمى البيوت

ما عاد فقرك يكتفي بالجوع أو بعض الصغار

بل الرحيل مع القنوط

خمسون نيلى هناك تشرذموا

ما بين موتى .. وانتظار ..

من يموت ؟

الملح في مدن اغترابك حارق

والنيل ما اعتاد الحرائق والمرار

مدن الملوحة سيدي

أرض قفار والسماوات اقتناص

والمدى عار ونار

أنت المدان ؟ وجرحكم نزفُُُ ُ

ولا طين يداوي أو يعيد الإخضرار

والماء في الترع البعيدة راكد

رغم افتراش الضوء واجهة النهار

هي أمك الأرض البتول

وفي الجذور حنينها الوضاء يشتاق انتصار

الجوع ؟ يقتله القليل وجرعة

من ماء نيلك وانتماء للديار

لست الملوم ولا الملام وإنما

قدر البلاد تبيعنا بخساً وعارْ

فاصفع وجوه السارقين الضوء

لا تترك ديارك للصوص وللكبار

وإزرع إباءك في الوجوه وفي القلوب

وفي الديار

فلطينك المسفوك تاريخ انتصار

لم يزل يسق الهوى رغم انكسار

يا أيها السمسار رفقا بالوطن

لا تشتري الوجه المسافر في الجوارح بالسراب

المال في يده العفيفة دمعة ..

جوع تشرب بالعذاب

الطين غاب

وسفائن الفرعون في نيل الزمالك همها

فخذ تعرى للحراب

والماء في النيل المروض ساكن

والماء في البحر البعيد مكهرب يبدى اصطخاب

سفن المراقص تمخر النيل المكبل

تنتشي بالسائحين ورقصة

سيل الكئوس وعزفها

" العنب .. العنب .. العنب "

الطين غاب

والملح قاس في الظلام ورهبة

خفر السواحل ..

حلم مينا والعباب

الموج عات يا صحاب

وسفينة الأحلام تقهرها الصعاب

يا أيها المذبوح في الوطن الخراب

هل ذقت يوما فرحة ..

بلح الشآم .. وكسوة .. وحلاوة .. عنب اليمن ..؟

هل كنت غير أسيرها وحبيبها وابن الشهيد

هل تقت يوم الموج أحضان التراب؟

أشممت وحل زريبة

وودت لثم الطين أو لعن الكلاب

أرأيت دمع حبيبة كان المؤمل غرفة

بعض الحنان وشربة من ماء نيلك

قبل أيام الخراب

هل جاء في خلد الرحيل صمودها

تلك البتول ترملت

جاعت لتشبع أم سيلهيك اغتراب؟

أنسيت وجه مآذن الفجر السليب

وهل ترى كان الإمام يهزنا

بدعائه المكتوب يدعو للخليفة بالصواب

الملح قاس والسفينة أصبحت وهما

ولا أثر هنالك أو صحاب

جثث تحوطك والحقيبة والهموم

وريح رعب طوحت كل أحلام الشباب

أنت الذى يوما رسمت على المساء خريطة

الشمس فيها والقمر

هل كنت تحسب أنها يوم تخون

وتنحنى قدام كلب مندحر

أبدا تخونك بسمة أودعتها

دربا ووجها والشواشي والشجر

كل الذي يوما رسمت على الدروب

وفي الدفاتر غاله الجدب المجذر

والجنود ونصف صمت أو موات

كافور يتلو كل صبح في المدائن جوعنا

فيفر أولاد الشتات

لا شيء عندك غير وجه يرتدي زي الجنود

ووجه جدب بالبنات

سفن ستأتي بالدقيق وخلفها

سفن ستحمل نبض قلبك للموات

الماء ماؤك والأراضي خصبها فاق الحدود

وإنما الذل في عجز القرار

فاركب سفائن هجرة نحو الشمال

الكل مال

والمال في جيب العزيز وجوعنا ..

لا وقت عندك غير نصف مسافة

بين الخنوع وهجرة من سوء حال

ماذا تريد من العناكب غير أوهى منزل

والريح عاصفة وخبرك أجنبي

لم يكن في الجرن بعد حصاده يأوي العيال

لا شئ في مصر الحبيبة غير نسر فاتك

والجوع ينهش أرضك الحبلى..

وأحلام الكبار

ماذا تبقى من بهائك غير صوت الآه

أو بعض اجترار

وحضارة والسائحون

وطفلك المذهول من صمت المآذن والفنار

والصقر ما عادت صقورك سيدي ملء الفضاء

وريشها أمسى مخدات الكبار

الصقر تشويه النسور ولم تكن

يوما تدور إذا انتشى فوق المدار

الكل غادر والمقيم مجاهد

فارحل بصمتك وارتضي عارا بدار

أمست منافينا الوطن

وعلى المراكب وجه نيلك يختفى خلف الشجن

مزق جوازك واحتمي بالصمت

وادفع قوتك الملموم قرشا بعد قرش

بعد دمع والوجع

يا أيها النيلي تلفظك المراكب والبلاد

لشط موت ينتظر

فاحمل بقاع القلب بعض الماء

عل الماء يمسي ذات يوم مستقر

هو ماؤك النيلي ما عاد الفرات ولا القراح

النيل باعك واستراح

أنت الذي ترضى الكلاب فلا تلمها

لو تنجس شطك المنهوك من نزف الجراح

لو كل كلب قد عوى

ألقمته حجرا وبارودا

لما كانت بلادك تستباح

أنت ارتضيت كبيرهم ونظيفهم

وجمالهم وقبيحهم وصغيرهم

فاشبع بذٌلك من مسائك للصباح

قد كان حلمك في المشيب عبادة وتلاوة

والقبر في الأرض البراح

حتى القبور بعيدة

بعد المزار ولم تعد تتلى فواتيح الكتاب

النيل غاب ..النيل غاب..

***

من أي عهد في القرى

كان الدقيق مهاجرا

والهند تهديك الغلال؟

وبأي كف سوف تعجن خبزنا

مستورداً ؟!

ما كان من زرع التلال

وبأى طعم سوف تشعر سيدي

طعم انهزامك أم إجابات السؤال ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى