مرسي عواد - أزمة النقد.. التلقّي

مع تنامي الآلة النقدية التنظيرية وتوسّع مجالاتها المعرفية كل يوم، يصير التحدي أكبر أمام كل كتابة نقدية يتجشم أصحابها طباعتها ونشرها خارج دائرة الأكاديميا الضيقة. فإذا كان جمهور الشعر - والشعر هو النموذج الأعلى تركيبا من حيث الفكرة والمعالجة بين الأجناس الأدبية - هم "القلة الهائلة،" كما نكرر دائما مقولة (أوكتافيو باز)، فإن قُرّاء قراءات الشعر ومناهج تحليله ونقده سواء أكان تنظيرا أم تطبيقا هم قلة هؤلاء القلة. وقد نجد بين الأدباء أنفسهم من تشق عليهم متابعة دراسة نقدية أو استكمال قراءة كتاب في هذا أو ذاك إلى آخره.

صحيح إن السبب قد يرجع إلى عِيّ منطق الناقد وضعف آلته لغةً أو فكرا أو كليهما، لكن قد يكون أيضا قلة دربة القارئ على التعاطي مع هذا النوع من الكتابات المختصة، مهما تكن محاولة الناقد لتقريب الأمور والفكاك من سطوة رطانة الاختصاص. فالمفارقة أن ما يجده العامي (غير المختص) من لغة أو فكر عسيرين على النقاش و - أحيانا - على الفهم إنما هو الأيسر للناقد الذي أجهد أجهزة تلقيه كثيرا حتى لانت له واعتادت على اللغة والفكر المركَّب اللذين تزخر بهما مدونة النقد المتنامية دوما، فصار منتجا لهما فاعلا في دورة الأخذ والإضافة اللامتناهية. كذلك، يجدر التمييز بين ما هو حقيقي مختص يحاول صاحبُه تطويعه للوصول إلى غير المختصين من غير إسفاف يهين الاختصاص وعقلية المختصين من جهة وما هو زائف لم يُحصِّل صاحبُه علوم الفن الذي يتصدى له من جهة أخرى جنبا إلى جنب مع ما هو أجوف يتعالم صاحبُه بالتعمية على المختص المبتدئ وعلى غير المختص.

القراءة في النقد - مثل كل قراءة - فعل تلقٍّ منوط به كل ما هو منوط بالقراءة. وإن فعل التلقي مران عقلي؛ يحتاج إلى كثير من المثابرة للوقوف على عتبات المجال المعرفي المرجو ثم التعانق والاشتباك مع موضوعه وأدوات عرضه. والأمر هنا شراكة بين الناقد والقارئ إذ يبدأ الأول - حين يبدأ - وهو يكابد ما يكابده الثاني في خطواته الأولى.


......…..........

الصورة لفقرة من كتاب "شفرات النص" للقدير د. صلاح فضل، وقد وضعتُ علامة الابتسامة الإلكترونية :) اليوم بديلا عن علامات التعجب التي علقتُ بها على ازدحام المصطلحات المعربة حين قرأتُ الفقرة منذ أكثر من عشرين عاما. فيا للمغامرات النقدية التي يحاولها الناقد العربي لمواكبة تطورات فنه!

#نقد_مرسي_عواد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى