أ. د. عادل الأسطة - حزيران الذي لا ينتهي..

"حزيران الذي لا ينتهي" هو آخر إصداراتي وهو أشبه بسيرة ذاتية لسنوات عديدة من حياتي هي السنوات الممتدة من 5 حزيران 1967 حتى 4 حزيران 1982، ولم أكن قبل إنجازه أفكر في كتابة سيرة ذاتية، ولم يخطر ببالي وأنا أكتبه أن أقلد جبرا إبراهيم جبرا في الجزء الأول من سيرته "البئر الأولى" 1985 حيث اقتصر على سبع سنوات من طفولته هي السنوات الممتدة من الخامسة حتى الثانية عشرة، ففكرة الكتابة عن حزيران وما تلاه فكرة تلح على ذهني حتى قبل أن يصدر جبرا سيرته.
منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي أخذت أكتب سلسلة رسائل تحت عنوان "رسالة من المخيم "باسم مستعار هو عادل الراوي ونشرت قسما منها في جريدة "الفجر" ثم توقفت عن نشرها لأنني كنت معلما في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وكانت الكتابة سببت لي مشاكل مع إدارة الوكالة في منطقة نابلس.
يوم أخذت أنشر الرسائل كنت واقعا تحت تأثير رواية اميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل "1974، من حيث الأسلوب.
بنى حبيبي روايته معتمداً على أسلوب الرسائل وأنا أخذت أكتب رسائل، وهو أسلوب روائي معروف أعتقد أن أول من سار عليه هو الأديب الألماني (غوتة) في روايته "آلام فارتر" التي نقلت إلى العربية وبلغ عدد ترجماتها حوالى 18 ترجمة، وكانت الترجمات موضع دراسة، وممن ترجموها الأديب المصري صاحب مجلة الرسالة أحمد حسن الزيات.
أفدت من حبيبي من الشكل فقط - أعني طريقة القص فقط، ولم أنجح في أن أكون ساخراً أو قادراً على الكتابة بلغة اميل التراثية. يومها كنت كاتبا مبتدئا.
هل أقول إن الفكرة ظلت تلح على ذهني؟
وأنا أكتب قصصي ورواياتي بعد العام 1982 غالباً ما كنت اقتنص اللحظة التي أعيشها لأكتب عنها، وهكذا كانت نصوصي نصوصا يتطابق فيها الزمنان؛ الكتابي والقصصي/ الروائي.
القصص التي كتبتها في 70 القرن العشرين كانت أحيانا ترتد إلى أزمنة تاريخية ولكنها كانت تقول الراهن اتكاء على التاريخ.
كان التاريخ مجرد ديكور لها، والقصص التي كتبتها في 80 القرن العشرين كانت تقتنص اللحظة المعيشة وتنبني عليها.
أول روايتين كتبتهما في 1992/ 1993 وهما "تداعيات ضمير المخاطب" و"ليل الضفة الطويل" تطابق فيهما الزمنان؛ الكتابي والروائي.
في الأولى كتبت في 1992 عن تجربة شخصية عشتها في ألمانيا بين 1987 و1991، وفي الثانية كتبت في 1993 عن العام 1993. ويمكن القول إن بقية ما أنجزت من قصص وروايات لم يختلف عما سبق.
الأمر في "حزيران الذي لا ينتهي: شظايا ذاكرة " يختلف. إنني منذ الخامس من حزيران 2016 أكتب يوميا لمدة 70 يوما عن فترة خمسة عشر عاما - تحديدا من 5 حزيران 1967 حتى 4 حزيران 1982 - أي فترة ما بين حربين؛ حرب جيوش عربية مع الجيش الإسرائيلي واستمرت 6 أيام "حرب الأيام الستة "التي أوحت لاميل حبيبي بكتابة مجموعته القصصية "سداسية الأيام الستة" وحرب المقاومة الفلسطينية مع الجيش الإسرائيلي التي بدأت في الرابع من حزيران 1982 واستمرت 88 يوما.
والكتابة هذه التي كانت تلح علي وأنجزت قسما منها ورقيا في 70 القرن العشرين - ولم أعتمد عليه إطلاقا فقد تجاهلته - هي كتابة فيسبوكية تماما.
كنت كل صباح أنهض من نومي وأكتب.
في البداية كنت أحاول أن تكون الكتابة صافية تماما - أي أن أكتب دون أن أترك الزمن الكتابي يؤثر على الحدث المعيش المسترجع.
أكتب الحدث كما عشته وكما بقي في الذاكرة، ثم أخذت أكتب تاركا الزمن الكتابي يعيد صياغة الزمن المسترجع، وربما انعكس هذا على الكتاب بشكل واضح، فالكتابات الأولى تكاد تكون مكثفة قليلة الحجم قياسا للقسم الباقي.
قبل هذا الكتاب كنت أكتب ورقيا، وكنت أكتب بعد أن أخطط للمقال أو القصة وإن كتبت عبارة ضعيفة في نهاية الصفحة أتركها حتى لا أعيد كتابة الصفحة من جديد. صحيح أنني كنت أكتب ببطء شديد ولكن جل من لا يسهو.
الكتابة الفيسبوكية مختلفة تماما. لقد علمتني الدقة أكثر. أكتب وأجري تعديلات كثيرة، وربما أهم التعديلات والتغييرات تمس الأسلوب.
كلما قرأت ما كتبت ووجدت عبارة لا تروق لي أحذفها وأكتب عبارة أمتن، وأعتقد أن "حزيران الذي لا ينتهي؛ شظايا ذاكرة" في الجانب اللغوي والأسلوبي من أفضل ما كتبت، ولا يعود الفضل في هذا إلى تجربتي في الكتابة، وإنما أيضا إلى الجهاز الذي أكتب عليه وإلى الـ( فيسبوك).
يأتي حزيران ويذهب حزيران، ومنذ أخذت أكتب كان حزيران يستوقفني لأكتب عنه. إن من يراجع مقالاتي في جريدة "الشعب "حيث كنت أحرر الصفحة الثقافية فيها سيلحظ أنني في حزيران من كل عام كنت أخص المناسبة بكتابة وجدانية يغلب عليها طابع الحزن، فنحن جيل الهزيمة. وعينا على هذه الدنيا ونحن نجر أذيال نكبة 1948 وعشنا أجواء حرب 1967 وظلت الأجواء حاضرة في ذاكرتنا وما زالت.
وإن أردت ترتيب أعمالي حسب الزمن الروائي لها فيمكن القول إنها تبدأ بآخر كتاب كتبته، بـ "حزيران الذي لا ينتهي".
هل انتهى حزيران 1967؟ إذن ما معنى أن أكتب عنه وما دلالة عدم عودتنا إلى حيفا ويافا؟ وما معنى أن نسافر إلى الأردن ونرى العلم الإسرائيلي يرفرف على ضفة النهر؟
كل حزيران ونحن بخير.




عادل الأسطة 2018-06-10


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى