علجية عيش - الإصلاح الذي قضى على حلم الشهداء و آمال الوحدة العربية الشاملة

هكذا تمكن التيار التغريبي من القضاء على مشروع الوحدة الإندماجية بين الجزائر و ليبيا

(قراءة في كتاب جبهة التحرير الوطني المعتدى عليها للد/ محمد العربي الزبيري)


ما يحدث داخل حزب جبهة التحربر الوطني بعد انعقاد الدورة الإستثنائية لحزب جبهة التحرير الوطني في نهاية ماي 2020 و تعيين الأمين العام الجديد، يدفع المتتبع للشأن الداخلي للأفلان أن يعيد النظر في مسيرة جبهة التحرير الوطني منذ اعتمادها كحزب سياسي إلى غاية الساعة، و الوقوف على خلفيات الصراع و المتسبب الرئيسي فيه، فالأنظار كانت موجهة لنشاطات الحزب العتيد بحكم أنه القوة السياسية في البلاد، و قد أسالت تحركاته كثير من الحبر، عبر وسائل الإعلام المحلية و الدولية، لما شهده من تحولات تميزت تارة بالإنقلابات وتارة أخرى بالإصلاحات ، إلا أن هذه الأخيرة لم تكن في مستوى الجماهير الشعبية، و لقيت انتقادات الكثير من المحللين السياسيين و الباحثين الأكاديميين و على رأسهم الدكتور محمد العربي الزبيري في كتابه بعنوان: "جبهة التحرير الوطني المعتدى عليها"

IMG_20200602_040647.jpg
IMG_20200602_040647.jpg
الدكتور محمد العربي الزبيري في كتابه السالف الذكر صدرت طبعته في 2014 عن دار الحكمة للنشر تحدث عن الإصلاح داخل حزب جبهة التحرير الوطني و وصفه بالفاشل، لأنه كما يقول في الصحفة 159 ألغى دور الحزب كما هو مرسوم في الميثاق الوطني، و لم يُحَضِّرْ البديل الذي يخطط و يقود و يراقب، و لنتأمل هذه العبارات الثلاث ( يخطط و يقود و يراقب) و ما تحمله من معاني و دلالات، و هي واحدة من الصفات التي وجب على القائد أن يحملها على كتفه و يتحمل مسؤوليتها العظيمة، سواء كان القائد عسكري أو سياسي، و من يفقد هذه العناصر الثلاثة يفقد ثقة المناضلين فيه، أوالعناصر الذين يعملون معه و يساعدونه و قد يرفضون الإستجابة لأوامره، بل قد يتمردون عليه، و عادة ما يقود العصيان إلى التمرد الذي ينتهي إلى قيام حرب أهلية، فقد ذهب الدكتور محمد العربي الزبيري في الصفحة 160 من كتابه إلى القول أن الإصلاح قد قضى على مبدأ الوفاء لأرواح الشهداء عندما وضع في كفة واحدة للذين جاهدوا و الذين قعدوا، و هذا الكلام يجعلنا نقف وقفة تأمل على من نادوا بأن الجزائر حرّرها الجميع، الهدف منه هو "إجهاض الثورة" كمشروع شامل جاءت به جبهة التحرير الوطني لإسترجاع السيادة الوطنية كاملة

و قد سبق و أن تحدث الدكتور محمد العربي الزبيري في هذه المسألة بالذات و بشكل مفصل في كتابه "المؤامرة الكبرى أو إجهاض ثورة" شرح فيه أحداث 05 أكتوبر 1988 و قضايا أخرى ذات صلة بالحزب العتيد و كيف تم الإنقلاب عليه، أما في هذا الكتاب فقد حلل مفهوم الإصلاح في جانبه السياسي و لكن بنظرة تشاؤمية، ليس القضاء فقط على آمال الشهداء، بل القضاء على آمال الوحدة بين الجزائر و الجماهيرية العربية الليبية، و اختفاء مشروع الدستور الوحدوي الذي وضع للمناقشة و الإثراء بتاريخ 20 سبتمبر 1988 لتكوين نواة صلبة تتشكل حولها وحدة المغرب العربي كخطوة أساسية في طريق الوحدة العربية الشاملة، غير ان هذا المشروع أجهض و لم يعد له وجود يذكر، المشروع كما ذكره صاحب الكتاب يعود إلى اتفاق بين الجزائر و ليبيا لتحقيق الوحدة الإندماجية، و تحقيق هذا المشروع يتطلب تجاوز الخلافات الثانوية و توحيد وجهات النظر حول أمهات القضايا، إلا أن التيار التغريبي في الجزائر أدرك أن الوحدة الإندماجية بين الجزائر و الجماهيرية العربية الليبية لا يخدم مصالحه المرتبطة بالضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، بل يشكل خطرا عليه و على الغزو الثقافي الفرنسي.

و لذلك استعان التيار التغريبي بباريس لتحييد جبهة التحرير الوطني و قتل مشروع الوحدة في المهد، و كان شعار "التعددية الحزبية" الغطاء الذي تسترت به المؤامرة الهدف منها إجهاض ثورة نوفمبر 1954، حتى تتخلص فرنسا من حسابها التاريخي مع الأفلان، و يعود العربي الزبيري بالذاكرة إلى انقلاب 22 جويلية 1962 للقضاء على الجبهة باستعمال شرعيتها التاريخية، والسؤال هنا كالتالي: هل يتحدث العربي الزبيري عن أزمة صيف 1962 التي تمثلت في أول عصيان قامت به قيادة الأركان ضد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، و تمكن جيش الحدود من الإستيلاء على السلطة الفعلية في الجزائر؟ و التي منها جيئ بالرئيس بن بلة و فرحات عباس، خاصة و أن أصحاب الإنقلاب لم يكونوا من أبناء جيش التحرير الوطني، بل كانوا محسوبين على قوى أخرى خفية تنفذ أوامر الإستعمار لتأجيج نار الفتنة بين الأشقاء و تشتيت صفوفهم ، أم هناك أحداث أخرى لها علاقة بالإنقلاب الذي وقع في 1962 و بالتحديد الإنقلاب على التيارات الإسلامية التي كانت محل إزعاج للسلطة التي سارعت إلى إصدار الميثاق الوطني و طرحه للإثراء و قوبل بالرفض من قبل التيارات الإسلامية؟، كانت المعارضة من قبل قدماء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و على رأسهم الشيخ أحمد سحنون ،عمر البرناوي و عبد اللطيف سلطاني و جماعة بن خدة المبعدين عن السلطة منذ 1962، و بقمع السلطة للإسلاميين تمثل في السجن، الاعتقالات و المضايقات عاد الخطاب الإسلامي إلى "السرية" من جديد إلى أن جاءت التعددية السياسية عرفت فيها الجزائر سياسة الانفتاح و بدأت الحركات الإسلامية تتحرك مع ظهور زعماء جدد ( علي بن حاج، محمد السعيد و عباسي مدني).

الحقيقة التي يعرفها البعض بما فيهم هذا الجيل أن هذه الإصلاحات كما جاء في الكتاب فتحت الأبواب الواسعة لعودة الأقدام السوداء و الصهاينة و لمناهضي الثورة الذين فروا سنة 1962، كما دفع الإصلاح بثورة نوفمبر إلى الإستسلام لكامب ديفيد و تتنكر لإلتزاماتها مع حركات التحرر، الواقع أن ما جاء في الكتاب قد يدفع القارئ للتساؤل، هل هذه الإصلاحات كانت فاشلة حقا أم كانت مزيفة؟ اي موضوعة على المقاس؟ و لماذا لم يبادر قادة حزب جبهة التحرير الوطني بإصلاح الإصلاحات، أي بتصحيح الأخطاء و إجراء تغيير جذري، و ماهي الظروف التي جعلت الوضع يبقى على حاله و يسير في الإتجاه السلبي؟، هل لأن القيادة كما يقول هو كانت مفبركة و مفروضة في أعلى قمة الهرم (الصفحة 260) تضع مترشحين للإنتخابات من دون العودة إلى رأي القواعد المناضلة، سواء بالنسبة للمحافظين أو النواب في البرلمان، و إن أشركت القاعدة النضالية فإن العملية أحيانا تتبعها تصفية الحسابات و المحسوبية و أمور أخرى يابى المناضل صاحب المبادئ أن يمارستها، لعل الخلل يكمن في أن ما يحدث داخل حزب جبهة التحرير الوطني سببه افتقار قيادييه إلى "قاعدة إيديولوجية صحيحة"، مثلما ذهب في ذلك رضا مالك الذي كان يرى أن جبهة التحرير الوطني لم تبن نشاطها على قاعدة إيديولوجية و لكن تطور الكفاح هو الذي جعل الوعي الوطني يتحول إلى وعي ثوري.

في كل الأحوال لقد خاض الكثير من الباحثين الأكاديميين و المؤرخين في الكتابة عن مسيرة جبهة التحرير الوطني و وقعت بينهم حربا كلامية بينهم كما حدث مع المؤرخ زهير إحدادن رحمه الله في رده على رضا مالك حيث فرق هذا الأخير بين الوعي الوطني و الوعي الثوري، و قال إحدادن أن الوطنية هي إيديولوجية قائمة تكتفي بذاتها و بالأخص عندما تكون تحرُريَّة و جبهة التحرير الوطني كانت لها هذه الإيديولوجية، لقد أراد الدكتور محمد العربي الزبيري القول أن ما يحدث داخل حزب جبهة التحرير الوطني من اضطراب و فوضى ليس وليد الساعة، بل يعود إلى بداية الإستقلال و ما وقع من ممارسات حول أساليب الحكم، و بداية ترسيخ قواعد الحكم العسكري على حساب النظام السياسي، و الدليل أن كل رئيس جمهورية كان يُعَيَّنُ بمباركة الجيش و كل الإنتخابات التي عرفتها الجزائر كانت شكلية.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى