عامر الطيب - أنا امرأة سعيدة.. شعر

أنا امرأة سعيدة
و في المقارنة بين وجودي في البيت
و وجودي معك في الرحلة
يتضح كم على النساء
أن يعشن حذرات حتى وهن يغادرن
الظلام الرهيب الذي ألفنه
أو اعتقدن أنه لن يكون موحشاً
إلى الأبد.
لقد فتحتَ لي الباب لأركب
و حاولتَ أن تقنعني بالهرب مع أن الحب
لا يعتمد عليه كفاية
ففي النهاية لن يلام
الرجل مطولاً
لأن الرجال الذين يبكون
أبطالٌ يبكونَ في المشهد ثم ينسون الدور عادةً
أما النسوة اللواتي يبكين
فها هن يبكين وراء الكواليس أيضاً !

ضعي قدمكِ على قدمي
كما يهدأ العشاق في العالم أن قطعوا
طريقاً طويلة يداً بيد .
نحن في الظلمة
و القطار يهتز
و لعلنا نعرف كيف صارت قدمانا
عفنتين و سعيدتين أيضاً .
سنكون بعد ساعات قد وصلنا
و سينبغي علي أن أنبهك بمزيد
من اللطف قائلاً :
ارفعي قدمك، هذا
مدخل المدينة
أو أهمس بسبب لفتة رومانسية :
دعي قدميك،
أنه مدخل غير محبوب !

أرجوك ساعدني يا الله
نسيتُ يوماً حقيراً من حياتي في الطفولة
أو في شيخوختي
لا أتذكر لكن يجب أن أذهب
خلف حياتي كلها لأجده
و هذا أمر متعب
لكن بالنسبة لك فقد اطلعتَ
على البدء
و على النهاية مسبقاً.
يمكنك أن تصير حنوناً و تخبرني
بأنه هناك
وراء هذا الكوم من الأوراق
أو بين هذه الحزم الصغيرة من الألوان
أو يمكنك أن تظل جامداً
فيُخيل لي أنني ضيعتُ هذا اليوم!

رجل وحده في الزنزانة لكنه رجل يحبكِ.
يأكل وجبته سريعاً و يقرأ رسالة والديه
ثم يكمل حبك.
يحققون معه
و يتألم من كونه لم يقتل أحداً .
إنه يحبك و يبدو له ذلك الآن
غير كاف لإثبات براءته
و فيما بعد سيحبك بطريقة خارقة
إن تم الإفراج عنه
أما إن أعدموه
فهذا القدر من الحب
مع الموت يَكفي !

أحببتُ امرأة أخرى معكِ لأنك لم تعودي
كافية مثل النجمة
التي تعمل في الليل
عالياً و في أعمق البحيرات .
كنت تثيرين الرعب لكنك
انقلبت فجأة إلى مدينة هامدة
أو لعبة معروفة الأطراف
تضحكين لأنه أمر مضحك
و تبكين لأنها بوابة حزينة ليوم سيء
مع أنك فيما مضى
كنت امرأة غير مسكونة
يمكنك أن تختفي عن الأنظار مطولاً
فنظن أنكِ متِ
لكنك تقولين بلكنة عارفة:
لم يكن الموت
كانت خبرة جارحة ،
لقد جربت النسيان ولم يعجبني!

أنا هادئ لأن حياتكِ اليوم
على مسافة قريبة من يدي .
أنتِ في مدينتي أو أن بكاءك
صار غالياً
أو لأنني أحبك بطريقة لم أعهدها
من قبل
حيث اتفقنا أن ينتظر
كل واحدٍ منا في مكان قصي
أنت في زاوية و قد فهمتِ أنني لن أكون هنا
و أنا أجهل الذين يتدفقون
في المكان الغريب مثل النبع المالح
ثم سنسأم من خدعتنا
صدفةً و نطلب من أنفسنا
أن نكون عند حسن الظن.
في مكان واحد يجب أن نتلقى
الصدمة و الهجرة و الموت،
يجب أن نسمع خبر اختفاء الأرض
فنركل البقعة الصغيرة
التي نشغلها
في مكان مثل هذا سأحبك
فالأرض اختفت
لكن الناس سعداء
لأن المحبة ظلت تدور بدلاً منها !

أنا صورتي ولا يمكنني أن أتخلص
من أثر الرجل الثمين
الذي أخذني من يدي ذات يوم
إلى البراري
علمني حب النساء و الثرثرة
و المرح.
و طلب مني أن أصير عذابي ليبدو هيناً
أثر الرجل الذي بدا
طفلاً في أعين المارة و العمات
و الأقارب و في أعين الأعداء أيضاً
لكنه كبر مسافات طويلة
في الرفاهية
و مسافات مضاعفة في خسارة المدن
و ها هو يتوسل حياته
لتزهر كسماء ناعمة في الحلم.
أنا صورتي و إن بدت صورة
مألوفة لملاك عابر
أو لشيطان مغرٍ
فإننا نصطنع ابتسامات هائلة
من أجل الصورة ذاتها !

قلتُ سأنام الآن و لم أفعل
حسبت أنك ستحبني كثيراً إن نمتُ
على اعتبار أنني متُ
و صرتُ مغرياً
بأصابع جامدة و ملامح لا تشيخ.
استيقظتُ فوجدت أنك
لم تفتقدني
نمتُ و استيقظتُ
و كررتُ اللعبة مراراً
بعد ذلك متُ
و صار عليك أن تكتب لي
الموتى جميعا تصلهم أخبار أحبتهم
عاجلة
وأنا الميت الوحيد
الذي تصله أخبار العراق الجديد فقط !

لستَ الشخص نفسه.
لعلك انتبهت الآن ليد رحيمة تقودك إلى
الرزانة أو إلى العمق.
صرتَ أفضل بكثير
أو أسوأ بكثير
إلا أنك لم تعد ذلك الذي يترك
الحكاية مفتوحة.
يجب أن أحكم غلق كل شيء قبل أن أغادر
يجب أن أرتاح كالطير الضعيف
في الزاوية
قلتَ هذا و تقدمت بحياتك خطوتين صغيرتين
و مع ذلك
بدا خوفك من نفسك عظيماً
وهو خوف كلي
لأن الحياة ليست فرصة لطيفة
فيما يخص الحب
فقد يحاول المرء أن يصير
طيراً مئة مرة بإتقان
و يفشل
بنيما يقفز الآخر
مرة واحدة بطريقة فجائية
و يطير !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى