معاوية محمد الحسن - طفل الغازات.. قصة قصيرة

كان أحد اطفال (الجنرالِ) مدمناً لرائحةِ الغاز المسيلِ للدموع و لم تكن لعائلة الجنرال دموعٍ لتسكبها فهي بالاساس عائلة برجوازية تعاني إنسداداً في الغدد الدمعية لفرط قساوة القلب . بدأت تلك الحالة الغريبة لطفل الغازات عقب موكب ثوريً هادر اطلقت عناصر الشرطة في مواجهته عددا من قنابل الغاز المسيل للدموع ، و حدثَ ان الغاز اللعين قد تسلل نحو قصر الجنرال فالغازاتُ لا تعرف الفوارق الطبقية ولا تأبه للرتب العسكرية و مقاماتها فهي محضُ غازات .
حين استنشق الطفل الغاز ارتجفت حويصلاتُ رئتهِ الصغيرة و سقط مغشيا عليه ، لكنه حين أفاق أخذ يغرق في موجاتٍ عاتية من الضحك ثم يذرف دموعاً ما أنزل الله بها من سلطان ، و بعد أيامٍ قليلة أكتشفت الام أن طفلها لا يتوقف عن الصراخ و انها كانت تستحلب الدموع في عينيه فلا تري لها أثرا . كانت عيناه في واقع الامر قاحلتينِ مثل بئرٍ صحراوي غارت مياهها منذ ألف عام .

هرع الجنرال نحو الاطباء فحاروا في أمر تلك الحالة . مضت شهور و مواكب الثورة لا تتوقف و عنف البوليس لا ينقطع و قد لاحظت أسرة الجنرال أن طفلها يتوقف عن البكاء و تعتريه حالة من الخدر اللذيذ و يغرق في النشوةِ كلما سرت رائحةُ الغاز نحو البيت و هكذا أدركوا انه مصابٌ بإدمانِ (البمبان ) ،فطفق الجنرال و بايعاز من زوجته يعطي أوامره لقوات مكافحة الشغب بان تستدرج المتظاهرين قرب محيط قصره حتي تطلق عليهم الغاز هناك فينتشر في الهواء فيحصل طفله المدمن علي حصته من الكيف .

لاحقا و بعد ان تمكنت السلطات من قمع تلك الاحتجاجات و لم يعد رجال البوليس بحاجة لفرقعة غازات الدمع في الهواء ، صار الجنرالُ التعيس يسعي بشتي السبل لتأمين احتياج طفله من المخدر السحري فأخذ يتسللُ خِلسةً نحو مخازنِ السلاحِ و المهمات و يسطو علي عبوات البمبان حتي يطلقها في البيت كالبخور كلما أدركَت طفله حالة الهياج العصبيً . هكذا و في غفلةٍ عن اعين رجالات الشرطة أفرغ ذلك الجنرال مخازن الذخيرة من عبوات الغاز و قد حارت الحكومة في أمر ذلك اللص الخفي الذي ظل يسطو علي مخازنها ليسرق الغاز . ذهبت بهم الظنون ان عناصرا من الثوار ربما كانوا خلف الأمر كله فهم ربما كانوا يستخدمون تلك القنابل ضد رجالات الشرطة انفسهم و كانت تلك احدي التفسيرات المحتملة و لم يدر بخلد قائد الشرطة مطلقا ان رجل الامن الاول في البلاد هو من يتسلل خلسة لنهبِ المخزون الاستراتيجي من الغاز ، و قد شكلت الدولة بالطبع لجانا للحقيق حول الأمر برئاسة ذلك الجنرال نفسه و مضوا يسدون النقص باستيراد شحنات جديدة , و لكن تلك الشحنات كانت لا تتبخر الا فوق سماء بيت الجنرال حيث ما فتيء ذلك الطفل المعجزة يستهلك نحو ثلاثة الي أربع عبوات يوميا و مع تزايد وطاة إدمانه أصبح يحتاجُ نحو عشرين عبوة ، ثلاثةٌ في الصباح و اربع وقت الظهيرة و خمس وقت الاصيل حين ينهمك بمشاهدة أفلام الكرتون و اما العلب الاخري فقد كان يستنشقها في الليل قبل أن يخلد الي النوم و هو مستلق علي قفاه رافعا كلتا قدميه للسماء و متاملا النجوم البعيدة!

و مع تكرار حالات نهب الغاز ، اضطرت الحكومة لان تستجلب أجهزة متقدمة لرصد حالات انبعاث الغازات فوق سماء المدينة ،في خطوة مهمة لمعرفة المكان الذي يخبيْ فيه اللص المسروقات ، و حالما سلطوا الاجهزة فوق ذلك الحي البرجوازي الذي يقع فيه منزل الجنرال أخذت تلك الاجهزة تطلق صافرات تشبه صافرات انذار الحرائق فاقتحم الجنود البيت بأمر من السلطان ثم طفقوا يبحثون عن قنابل الغارزات . لم يعثروا علي شيءٍ ، بيدّ انهم أبصروا منطاداً هائلا يحملُ في جوفهِ مئات الآطنان من الغازات و العناصر المشعة يطيرُ محلقا فوق سقف البيت قبل أن يستقر في جوفِ سماء ِ المدينة مثل سحابةٍ عملاقة لا يدرك الناس حقيقة نواياها : أ تهطل أم تتبدد بفعل عوامل الضغط الجوي .
يقولُ الراويً :-
(الان و بعد مضي سنوات طويلة علي تلك الحادثة ، فان سكان مديتنا ما يزال يخالجهم إحساسٌ قوي أن طفلَ الجنرال سوف ينفجرُ لا محالة مثل قنبلةٍ هايدروجينية ، و وقتها سوف تجتاح الغازات المدينة فتهطل اعين الجنرالات الوقحة بينما سينضب الدمع في ماقي السكان الحزينة !!)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى