عبدالله البقالي - المدينة التي كانت

لا يزال في نفسي اشياء من المدينة
المدينة التي كنت أراها من ربوة الصبا ، و في الوقت نفسه احاول تقدير المساحة غير المكتشفة داخلي. و انا منشغل بهذا الامر، التقطت صدفة مقطعا اشهاريا يقول فيه المتحدث: الماضي ليس بامكاني اصلاحه. و المستقبل لا اعرف عنه اي شئ. و كل ما لدي هو الحاضر.
قلت في نفسي: يا لها من صدفة..ا
لقد اختصر المتحدث المشكلة من وجهة نظر هذه الثقافة القاتلة للانسان. و كشف ذلك المتن الكامن في الرؤية المعاكسة. فثقافة المستشهر هي التي قتلت المدينة و المدنية حين اختصرت الانسان في الجانب المحرض على الاستهلاك بتأجيجه للنزوات و الغرائز. غير ابه بالقيم و المبادئ التي تاسست عليها الحضارات. فلا شئ مرحب به خارج علاقة الانتاج و الاستهلاك. مع التغييب التام لكل ما صنع رقي الانسان و المدنية.
اعود لأسأل نفسي: ما هي هذه المدينة ؟
المدينة هي تلك المفقودة التي لم اغير اعتقادي بوجودها. ساحرة و مسحورة. مكان يقع داخل خارطة الاحاسيس. مصنع اخر له منطق اخر للانتاج و الاستهلاك. و لذلك احتفظت من اجلها باعتقادي الطفولي بانها المكان الذي ساوي اليه هربا من كون ضاق بتطلعات انسان لم يطمح في اكثر من حياة تحتفي بما هو جميل. و المفارقة اني و انا على الطرف الاخر من العمر، لا زلت محتفظا برؤية الطفولة. و لهذا اجد اني في كل الايام و الشهور و السنين التي عشتها، لم افعل اكثر من الانتظام داخل صف يفضي بي الى دور الراحل الى المدينة.
جميعهم كانوا يرحلون. المقاتلون القدامى. الطلاب. العمال. الراكضون وراء حلم يزينون به مخيلاتهم القاحلة. الباحثون على جعل قاماتهم اكثر طولا ، و التي يستحيل تمديدها وهم قابعون في ربوع الفقد.
اشتغلت كثيرا، لكن الجزء الاهم في ذلك الاشتغال تمثل في ذلك الانتظار. و كم هو العمر عسير حين يعاش بلا انتظار. و في انتظار فرصتي، كنت انظر كل صباح الى اطرافي، لاتاكد ما ان كان قد صار بوسع اطرافي ان تحمل جسدا انهكه حلم الرحيل. و في ذلك الترقب الطويل، لم اتخلف يوما عن مواعيد الحافلة القادمة من المدينة. انظر لاولئك العابرين و انا اقدر حجم الطول الذي ستتخذه قامتي و انا عائد من مدينة العجائب محملفا بعناوين البطولات ،و قصص الحب، و تذكارات المدنية التي صبت شلالاتها في داخلي من اجل تطهيري من وحل البدائية.
خين ركبت المكوك اخيرا. لم اهتم لصور الذهول المطبوعة في اذهان و عيون اقراني وهم ينظروز الي من النافذة. و استطيع ان اقدر حجم استعجالي لرؤية ذلك الجدار الذي سيسمق فجاة ليقيم فاصلا بين انسلالي من عصر و انتسابي لعصر اخر.
حين رأيت المدينة اول مرة، ادركت حجم توقد خيالي من قبل، من اجل ان يبطل مفعول الدهشة التي سيجعلها وعيي لا حقا صدمة. و استطيع القول ان اجمل مرحلة في اي اكتشاف، كامنة في اللحظات السابقة له. هل هي التفاهة ام الطموح الذي لا يتوقف عند حد ما؟
.
اشعر في ما قلته اني حبيس البداية. و اعتقد ان الجزء الاهم في الاجابة، كامن في ذلك المغناطيس الروحي الذي مارسته المدينة على من ينظر اليها من بعيد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى