محمد أحمد مخلوف - لعبة الضمائر في نص بيرينكا لعبد الواحد السويح

★ ينطلق النص بضمير " هم " فيشير الى انهم :" القادمون على سفن صفراء من الصحراء المقدسة من بلاد الجن و البعير الشافي " ، ليبرز أبو محمود السويح البعد بينه و بينهم من حيث الافكار و الرؤى ، و هو يقصد اهل الجزيرة العربية ممّن يؤمنون في القرن الحادي و العشرين " ببول البعير " ليفصّل فيهم القول باستعمال اسم الاشارة " هؤلاء " ، فيجملهم في الصفة المشبهة من فعل { حرم } : " حرام " . فهم يحرمون كل شيء من الفلسفة او الفن ، بل يحرمون مشاهدة فيلم " برييانكا تشوبرا " هذه الفاتنة الهندية السمراء ، بطلة فيلم * لوف ستوري 2050 * و التي تسابق الزمن مع حبيبها كاران ( الممثل هارمان باويجا ) في رحلة خيال علمي يصارع فيها من اجل لقاء حبيبته Sana بعد ان سافرت إلى عائلتها في أستراليا متّبعا فراشة لتدله على الطريق ، ثم يستقر عند عمه Ya صانع آلة الزمن التي ستعيد اليه حبيبته بعد موتها في حادث سير ليطلب يدها للزواج في مومباي و تتواصل رحلة حبهما كجميع افلام بوليود . و هنا يتحول الضمير الى المخاطبين " أنتم " في نفسٍ انكاري يقطع أنفاسنا كقراء ليجعلنا نتماهى مع السويح في هذا السؤال :" هل شاهدتم الفيلم ؟ " ، فتأتي الاجابة مغايرة لما توقعناه ، فالسويح يراوغنا و يخفف عنا عناء الاجابة فيحضر ضمير الحاضر " نحن " ليمتزج الشاعر الفرد مع المجموعة التي وجّه اليها السؤال و ذلك بتكرار فعل ( دع ) في الأمر مع ضمير " نحن " : " دعنا من ... " ليكون الانزياح l'écart عن المتكلمين الفاعلين الى المخاطبين من جديد و التوكيد على :" هل شاهدتم الفيلم ؟" ، فيهرب بنا من جديد لضمير الغائب " هم " ، فإذا هم " القادمون على سفن صفراء شاهدوه في بلاد الجن و البعير الشافي " حيث كانت المشاهدة مختلفة ، فاذا "ببرييانكا تشوبرا منقبة " ، انها الرؤية الخاصة بمن يحرم الفن و الفلسفة و الرسم و اعمال العقل ، انها رؤية السلطة المفروضة على العامة ، فيؤكد هذه الصورة لبرييانكا - وهي منها براء - استعمال فعل ( كان ) في الماضي مع المؤنث ، فهي كانت " منقبة " و " كانت ترضع البطل الكبير " في احالة على فتاوى غريبة تحلل ارضاع الكبير ارضاء لشبق مرضي يعتبر المرأة جسدا للرجل العربي . ليكون التحول الى ضمير الأنا قاطعا لتسلسل خيالنا البورنوغرافي ، فإذا بالسويح نسي ان يخبرنا عن اسم البطل الذي لا يتذكر منه سوى حرف " الراء المخادع " بل هو " لا يذكر " سوى " أنه اعرابي حصل مليارات من شعرة معاوية " فكان " يصارع الطاغوت و يعلن الجهاد على الطاغوت " ، كل ذلك بعقلية سياسية متخلفة تحاول الظهور في مظهر المحافظ على الدين من كل هذا " الحرام " الذي يفعله الطواغيت ، و لكن أي طواغيت هنا ؟
يعود بنا السويح لضمير المتكلم ليخبرنا أنه " ممن ينتمي الى هذا الطاغوت " و ليفصّل القول شرحا و تعدادا ، فإذا به " تحدث مع زرادشت " و عرف معه كنه الحقيقة - النور و الباطل - الظلام ( و هذه من اهم الثنائيات عند السويح ) و " قبّل برييانكا تشوبرا على مرأى من الجميع " و " ضاجع الأرانب الليلية " ، ليختم هذه التفاصيل بأنه " ممن تعلّم من الله " جملة من " الكيفيات " التي تخاطب فيه انسانيته بين الرحمة و الحب و الرغبة و الأنانية و الاستحواذ على الغير ، ثم بفتح قوسين ليلعن الشعر الذي ينحرف بالحقيقة في تصور جديد للشعر نعيشه مع السويح الذي يؤكد لنا مرة اخرى بما لا يدع مجالا للشك بأنه " الطاغوت " الذي شاهد " برييانكا عارية وسط اكوام الشعر " ليفصّل لنا من جديد من هي برييانكا ، فيكون استعمال اسم الاشارة المؤنث للبعيد مقترنا بضمير الغائبة " هي " فبرز لنا بعدها و قربها في آن معا ، فهي بعيدة عن متناول فكر اولائك " القادمون على سفن صفراء من الصحراء المقدسة " و قريبة منه هو هذا " الطاغوت " فيستعمل معها ضمير المخاطبة " انت " ليبرز حضورها في وجدانه و وجداننا " لك نحن " . انه الحلول المعاصر فيها انه كلمها " من وراء حجاب " ، فيعود الحديث بضمير المتكلم " انا الطاغوت " ، " ذكّرتها .... بــ .... " ، " ذكّرتها بالحب ". انه الحب الصوفي الراقي الذي يسمو بالروح عن كل مطلب جسدي ، هذه الروح التواقة للحرية و الانعتاق فإذا ببرييانكا يراها السويح تونسية ثائرة في شارع الحبيب بورڨيبة فيخاطبها من جديد :" ايتها السمراء التونسية " بأفعال امر تحفيزية ( مزقي / اركضي ) كل ذلك في نفس ثوري يبرز مكانة المرأة المعاصرة في فكر هذا " الطاغوت " فيواصل معها رحلة اعمال العقل حين خاطبها قائلا :" ميزي بين الشعر و الشعر / ميزي بين الماضي و الحاضر " ، ليخلص إلى أن تميز بين السقيفة في بعدها التاريخي و السياسي ( سقيفة بني ساعدة ) الذي بقينا نعاني تبعاته الى الآن ، و بين " المسرح البلدي " بما هو فضاء للفن و الثقافة و الثورة التي يسعى " القادمون على سفن صفراء من الصحراء المقدسة " الى عرقلتها و وأدها ، و لكن السويح الذي يسمو بنا عن سفاسف بول البعير يواصل بنا رحلة التجلي و المكاشفة و ان " من وراء حجاب " فيسمع و يسمعنا معه اصواتا شتّى ما بين " خفقة طائر " و " تدفق الحصيات على بتلات الورد " و " ضجر الدنيا .... " و " مواء امويا يركض خلف نهدين " .
انها رحلة نحو الامل ، نحو الانعتاق و الحرية ابتدأتها برييانكا الهندية لتكملها السمراء التونسية في اتحاد مع " الطاغوت " و تحدٍّ لهؤلاء " القادمون على سفن صفراء من الصحراء المقدسة " .
وهكذا لعبت الضمائر دورا هاما في ابراز البعد و التباين الحضاري و الفكري من خلال ضمائر الغيبة و المخاطب و الأنا الحاضر و حضور عبد الواحد السويح كفاعل في هذا النص البوليودي بامتياز و من اسماهم " القادمون على سفن صفراء من الصحراء المقدسة من بلاد الجن و البعير الشافي " في رحلة عجائبية قوامها البحث عن الحرية و الانعتاق قائدها " طاغوت تحدث مع زرادشت " . م أ مخلوف
( النص لعبد الواحد السويح منشور على الأنطولوجيا)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى