عنفوان فؤاد - السؤال: هل الهايكو العربي يمرّ بمحنة ؟

السؤال في حد ذاته محنة قائمة بذاتها، لا يمكننا الإجابة هنا بشكل حاسم وقطعي.

بين المحنة والمنحة تكمن أبجدية التجريب والتهذيب للخبرات على مدى المسار المعرفي. الهايكو ككل لون أدبي ، لا بد له من المرور بما مر عليه ما سبقه وما سيلحق به. لكل من ممارسي هذا اللون مذهبه وديدنه، وبتعداد المذاهب تتعدد الرؤى والتي على إثرها تتوزع المفاهيم والاتجاهات.

أجد أن الهايكو من خلال ممارستي له كدخيل على ثقافتنا العربية، تم استقباله والترحيب به، خاصة على مستوى المواقع الاتصال الاجتماعي تحديدا الفايس بوك، بين فترة وفترة تنشأ مجموعات ونوادي لممارسته، وتبادل الخبرات الحياتية والأذواق الأدبية، ترسيخا لمبدأ الديموقراطية وتقبّل الآخر..

الهايكو كما هو متعارف عليه قائم على التأمل والتقاط مشاهد من الطبيعة موجودة منذ الوجود ذاته، غير أن زوايا التقاطها تختلف وفقا لمعيار نسبي حسب خبرات الممارس وعمره العقلي ليس البيولوجي..

لنرجع إلى سياق الموضوع أعلاه، إشكالية المحنة بالهايكو قائمة في بعض النقاط لن أقوم بتفصيلها سأتحدث عنها إجمالا:

المحنة التي يقع فيها الهايكو بلسان الضاد، هو استنكار بعضهم، كونه لونا دخيلا، وعدم تقبّله كونه لونا هجينا هذا بالنسبة للكاتب الكلاسيكي.أما الكاتب المتفتّح على ثقافة الآخر يحتضنه دون إشكال من باب التجريب، المعرفة، وكسر روتين نمطية التفكير الكلاسيكي.

من خلال تواجدي بعدة مجموعات هايكوية ونوادي، مما لاحظته مؤخرا أن الهايكو حقيقة يمر بمحنة عسيرة، لأنه عند بدايات ظهوره الكل كان بمثابة الطالب الواحد، بمعنى تساوي نسبة الجهل للهايكو، مما أدى إلى استحضار نصوص يابانية تقليدية تمت ترجمتها لعده لغات، بناءً عليه تم اتخاذها كقالبين شكلي وموضوعي: شكلي من حيث ثلاثية الأسطر لا غير، موضوعي من حيث المواد الخام واللبنات التي يتم على إثرها بناء النص. كانت هذه هي الإسقاطات الأولية.. مع مرور الوقت وانتساب العديد من ممارسي الهايكو لهاته المجموعات، طبعا كل شخص منضم بخلفيَّته التربوية، الثقافية، السياسية، ونمط عيشه في بيئته الخاصة والمجتمع القادم منه. أدّت هذه التداخلات إلى طرح إشكال جديد ما هي أساسيات أو ضوابط كتابة الهايكو ليس الهايكو الباشوي إنما (( الهايكو العربي )) ؟

هذا ما أدى إلى انقسام وجهات النظر كل حسب مفهومه واعتقاده اللبني أو حتى المكتسب، مما خلق فيما بعد ساسة ومعلمين ينهون ويجيزون بقولهم هذا هايكو وهذا لا، ناهيك عن النزاع القائم عن مدى شرعية دسّ المجاز بالهايكو والنسبة المحددة به. أيضا مسألة الإيقاع الداخلي والخارجي للنص، هناك خلاف كبير حول هذا المعيار الذي يضرب بعضهم بعرض الحائط هذا النمط ومنهم من يتقيد به حد القداسة.

خلاصة أقول أن الهايكو يمر بمحنة وليس هو ذاته محنة، بالنسبة لي على الأقل وبعد ممارسته اللامشروطة صار منحة، كونه قدم لي قفزة نوعية في ممارستي الأدبية، وبانضمامي للنوادي الممارسة له، تعرفت على كتّاب وأشخاص أعتز حقا بهم وبما يقترفونه من جماليات الممارسة له والدهشة التي يسوقونها لنا مع كل نص مختلف، أعتبرهم على الأقل سفراء للهايكو العربي، حتى عند ترجمة كتاباتهم متأكدة من أن ممارس الهايكو الآخر سيعجب ويتعجب في ذات الوقت إن كان حقا صاحب النص عربي.

الكتابة هي سفير حال صاحبها وحتى ممثله الرسمي، وعن نفسي أمارس كتابة الهايكو ليس من باب المنافسة ولا المفاضلة، لغرض أبعد من هذا بكثير.. وما وُجد الهايكو إلا للتنفيس والتعبير لا التقيد والعبودية أو حتى الاحتكار..


* هايكو أو هائيكو (باليابانية: 俳句) هو نوع من الشعر الياباني، يحاول شاعر الهايكو، من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أوأحاسيس عميقة. تتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم خمسة).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى