أمل الكردفاني - أزمة الإستنارة

فكر بنفسك
هكذأ يبدأ التنوير الكانطي، لكن كان لابد أن تكون البداية: (لا شأن لي بك).
هذه البداية كانت لتكون تنويراً مقبولاً أكثر من فعل الأمر او التوجيه (فكر)..، فعل الوصاية الذي يصادر على المطلوب، إذ أنك تأمرني بالتفكير، ولكن التفكير بنفسي، فتحول التفكير بنفسي إلى أمر مفروض من الغير.
(لا شأن لي بك)، تجنبها التنوير، وذلك لعدة أسباب؛ فحتى أكثر الناس استنارة، لا يمكن أن يتنازل عن محاولة استقطاب الغير لأفكاره المستنيرة. (لا شأن لي بك) استضاعة سلبية negative placement ، تفترض بذاتها عدم الفعل. وهذا ما لا يأمله حتى حارس قفص الأسود في حديقة حيوان. ومن ناحية ثانية؛ لأن التنوير كرؤية توتاليتارية تقتضي بذاتها الاستغراق، وتتطلب أيضا البحث لها عن قاعدة بشرية لتحيا. لكن الأهم مما سبق، هو الخوف. إن أي رسالة تنبع من خوف، وأقصد بها رسالات القيم. فهي في الواقع ليست سوى مقاومة، والمقاومة تحاول دفع تأثير معين عبر آلية الإفهام. فالإفهام ليس مهما بذاته وإلا لكانت (لا شأن لي بك) هي الأولى. فالتدافع الحاصل أو ما يسميه هيجل بالديالكتيك، منبعه الخوف والرفض والمقاومة قبل تحقيق نصر معنوي غير منجِز. هنا يحدث التناقض في مقولة واحدة (فكر بنفسك). إذ فكر بنفسك تحمل في يدها سيفاً غير مرئي. لأنها تترقب تحركات سيف مرئي من حولها (الكنيسة) وتطالب بالمقارعة.
إن فكر بنفسك تعني في الحقيقة (فكر كما أفكر)، وهي من ثمًَ دكتاتورية بقناع ليبرالي.
ولا تحمل هذه المقولة، في حقيقتها أي معنى، لأن حتى قائلها لم يكن بإمكانه أن يفكر بنفسه، بل بمكتسباته ورواسبه وبيئته وسايكولوجيته، ومواقفه. إنه في الواقع لا يفكر بنفسه. لأن عليه -ليفعل ذلك- أن يتجرد من بشريته أولاً واجتماعيته ثانياً، ثم ليقف عارياً بعدها غارقاً في فردية مطلقة. وهذا رغم كونه مستحيلاً فسيكون دون شك أول ما سيمنعه من إصدار أي توجيه للغير...
فكر بنفسك..لكن فكر بطريقتي، لأنه حتى الاستجابة لهذا التوجيه قد لا تفضي إلى النتيجة التي يتغاياها المستنير (الموجّه). إن التفكير بنفسك قد تعيد (الكنيسة) مرة أخرى على واجهة الحضور.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى