عبد الجليل العميري - الزجل و لغاته: مسودة نقاش.

اكيد أن اللغة أداة التعبير ووسيلته التي يتحقق بها، لكنها ليست الأداة الوحيدة فهي وعاء يحمل تجربة وجدانية وفكرية ( تسمى تجاوزا العواطف)، ويحمل خبرة حياتية (تسمى بدون تجاوز شجرة الوعي، لأن الوعي لا يولد كاملا ولا ينتهي عند عنصر واحد!).ويحمل خبرة لغوية، قد يمتزج فيها المعيش (الثقافة الشعبية باللغات الأم ) و المكتسب بالتعلم والتعليم ( اللغات و الثقافات العالمة).
وعندما نجد بعض ( الاطروحات ) تختزل الزجل في الدارجة أو الدوارج أو اللغات المحكية وكأن التعبير الزجلي معادل موضوعي للدارجة/العامية/المحكية، نحس بأن الأمر فيه خلط أو تقصير في حق الزجل.
– فلماذا نقف عند هذا الحد (الزجل= الدارجة )؟!
لا يمكن نفي أن اللغة، كما اشرنا، أداة تحديد للشكل التعبيري، لكن هذا جزء من الحقيقة فقط. والجزء المتبقي نجده في عناصر أخرى تسمى بعناصر البناء الفني،وهي متنوعة حسب تنوع أشكال التعبير.
وعليه نستنتج: ليس كل مستعمل لدارجة من الدوارج زجالا! وليس كل كلام دارج زجلا! وليس كل زجل دارجة بالضرورة!
– هل يمكن أن تتجاور لغات /لهجات متعددة داخل (لقصيده)؟
بالعودة إلى نصوص مختلفة من المقدس إلى البشري، سنلاحظ هذا التجاور – ويكون نسبيا ومحدودا – في النص القرآني (لغات متعددة لاقوام غير عرب)، في القصة والرواية والمسرح ( التعدد اللغوي حاضر بقوة )، وفي الشعر ( لغات الرمز وضمنه الأسطورة وتعبيراتها عن أقوام مختلفين..).
– فهل يشذ الزجل عن هذا؟
لا طبعا، ننتظر نصوصا تنفتح على لهجات المغرب وغير المغرب يستقيها الزجال من ثقافته وخبرته الحضارية لبناء نص/قول مفتوح على التعدد. ..
ليس باللغة ( الدارجة)و حدها نبدع زجلا، إذ لابد من كيمياء الذات المبدعة (كما في جميع أشكال التعبير) و خصوصيتها المبنية على وعيها بواقعها الإجتماعي والحضاري والثقافي. ..كيمياء تعي اهمية اختيار المعجم الزجلي، وأهمية تركيبه في صور تتمرد على الدارج المألوف، وأهمية ترجمة الحالات الشعورية إلى إيقاعات تمزج بين إيقاع الصوت والكلمة والأسلوب وايقاع الأوزان والصيغ لمسايرة تحولاتها وتقلباتها المتعددة.
وتظل عدة تحديات تواجه الزجل المغربي الحديث،و هي تحديات فنية ومعرفية اهما :
– تنوع المعجم بتنوع اللغات المحكية حسب المناطق (اللهجات/الدوارج ).إنه مظهر للغنى والتنوع لكنه يحد من الفهم خاصة بعد أن انتقل الزجل من قصيدة شفهية إلى قصيدة مكتوبة ومدونة،مع ما يطرحه الرسم أو الإملاء من إكراهات اخرى.
– الصورة الشعرية وهي اشتغال يتجاوز المعاني اللصيقة بالدارجة المتداولة (والتي لا تخلو من ايحاءاتها الخاصة )إلى معان مبتكرة من طرف الزجال/ة ومعبرة بطريقة مخصوصة على وضعية تعبيرية يراها هو ويسعى إلى نقلها إلى المتلقي المفترض.
– الخيال بمعنى التصوير التخييلي هل توفره لنا اللغة (كانت دارجة او غيرها)؟
يمكن الجواب بنعم، مع الاستدراك :لكن في حدوده الضيقة (ايحائية بعض الكلمات والتعابير كالامثال والحكم والألغاز ). فالخيال في الزجل يبتكر ويبنى وينحت ويبلور. ..لكن لا يكتسب حرفيا من الدارجة!
– الايقاع أو بالاحرى الايقاعات : لا يمكن إخراج الزجل من دائرة الشعر، باعتبار أن الشعر هو الجنس الأدبي ( يختلف عن النثر ) اللصيق بالموسيقى والإيقاع سواء كان تقليديا أو تجديديا، عندنا أو عند اقوام آخرين، والزجل نوع شعري ينتسب إلى جنس الخطاب الشعري لذا فهو معني بتحدي الايقاع وأسئلته السيكولوجية.
فإن كان للزجل التقليدي بعض الايقاعات والأوزان (والقياسات )، فإن الزجل الحديث تتوزعه نزعات ايقاعية مختلف مازالت في حاجة لنظرية شبيهة بنظرية الخليل الفراهيدي، لا لتقييده ولكن لفهم ما يحدث فيه على هذا المستوى.
ولا ننسى أن إمكانية قراءة الايقاعات الداخلية (التكرار/الصيغ والأساليب ) يمكن دراستها حسب ما توفره لنا اللسانيات المعاصرة وعلم الأصوات ( الفونولوحيا والفونيتيك ).
ولكن الايقاع الخارجي ( الأوزان والبحور إن وجدت و التفاعيل) ما زال يحتاج للكثير من الجهد الجدي للكشف عن خصائصه. مع الإشارة إلى أن غياب (الضبط او الشكل ) المعياري في الدارجة يطرح بعض المشاكل -وهي جزء من تحديات البحث- من قبل: البداية بساكن وتوالي عدة سواكن (إثنان /ثلاثة )…
هذه ملاحظات اتقاسمها مع المهتمين والمهتمات بالزجل المغربي متمنيا ان تكون مفيدة وتساهم في تطوير النقاش الدائر في الساحة الثقافية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى