ثقافة شعبية جعفر الديري - اللاذقاني: مرحلة الحلاج الأخيرة مرحلة إنتاج الفكر

اعتبر المفكر والإعلامي السوري محيي الدين اللاذقاني المرحلة الأخيرة من عمر الحسين بن منصور الحلاج المرحلة المسئولة عن إنتاج الفكر الحلاجي الحقيقي.
وقال اللاذقاني ان حياة الحلاج تنقسم الى ثلاث مراحل رئيسية: الأولى مرحلة الثائر المتمرد الذي سار مع الزنج ومع القرامطة، والمرحلة الثانية مرحلة التجربة الناضجة التي كان خلالها مستشاراً للحسين بن حمدان في بغداد والمرحلة الأخيرة كانت مرحلة السجن منذ إلقاء القبض عليه إلى إعدامه والتي كانت مرحلة التأمل الحقيقي.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها اللاذقاني في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، تحت عنوان «الحلاج بين القرامطة والمتصوفين» تطرّق فيها الى الجانب السياسي من حياة الحلاج ملقياً الضوء على اتصاله بالحركة القرمطية وبالمتصوفين.
قدم اللاذقاني لمحاضرته بقوله: «ان جوهر أزمة الإسلام السياسي يمكن معايشتها من خلال حركتي القرامطة والمتصوفة. فشخصية الحلاج التي انتقلت من رحاب التاريخ إلى الأسطورة لم تعد شخصية عادية ولم يعد الحديث عنها ممكناً في إطارها التاريخي. فالحلاج بالذات من أذكى وأصفى رموز الإسلام السياسي. فنحن مع القرامطة أو المتصوفة بشكل أو بآخر لا نتكلم عن زمن مضى وانما عن واقع نعيشه، لأن أزمة الإسلام السياسي تكرر نفسها في كل عصر بأشكال وأسماء مختلفة ودائماً يبقى منها الجوهر الذي يبقى بعد تصفية كل حركة كما تمت تصفية الحلاج ومن قبل القرامطة ومن قبلها حركات أخرى. لنرى دائماً - كما علّمنا التاريخ المراوغ - ثلاثياً يبرز بعد كل أزمة: حاكم يعتمد على مجموعة من التجار في الحكم، وفقيه كبير العمامة أو متوسطها يتحالف مع التاجر ومع الحاكم كي تظل هذه الترتيبة حاكمة في العالم الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم...».

التصوف الإسلامي صاحب قضية

وواصل الحديث عن التصوف السياسي: «ان حركة التصوف السياسي لا تُدرَّس كما يليق بها، فالذين يتحدثون عن التصوف يعتقدون اننا عندما نتحدث عن التصوف السياسي نسيء إلى التجربة الروحية وهذا كلام غير دقيق وليس صحيحاً لأن التصوف الإسلامي نشأ متمرداً وكانت له قضية، ولم يكن كما نعرفه اليوم صحبة غلمان وشطح ومسارب غيبية، إذ كان من الحركات التي لعبت دوراً أساسياً في التغيير في مجتمعاتنا العربية. لكن السلطة في كل زمان ومكان دائماً لها أساليب في الاستقطاب والتغييب، فحتى مطلع القرن الثالث الهجري كان هذا التصوف السياسي موجوداً، بعده وعن طريق استمالة المتصوفين على شاكلة الجنيد وغيره رأينا نوعاً آخر من التصوف هو ما نعرفه بشكله اليوم ينشأ، وغاب الوجه السياسي للتصوف الذي التقى مع القرامطة وحركات أخرى في ميدان النضال العام. وان تسييس التصوف وتحويله من حركة ذات بعد تمردي استغرق فترة طويلة، فمن يعود الى تاريخ التصوف يجد أن «أبوهاشم الكوفي» أول متصوف في تاريخ الإسلام رجل من الذين اتهموا بسوء العقيدة، وأول حركة تمرد حقيقية قام بها جماعة «عبدك» في الإسكندرية وهي جماعة متصوفة نشأت عنهم هذه الأقوال من الذين ينازعون السلطان في أمره ومن الذين لا يستكينون، وهذه الأقوال تلحق دائماً بكل فئة تحاول التغيير، فدائماً النظام المستقر القائم له آلياته ومعادلاته على مدار التاريخ، ففي ذلك الوقت أية حركة تحاول أن تخرج على المألوف وتنادي بأشياء جديدة يحكم عليها بالتمرد والشغب وما الى ذلك من تهم أساسية».

ما يجمع بين القرامطة والمتصوفة. ً
وأوضح ما يجمع بين المتصوفة والقرامطة «ان كلتا الحركتين اعتمدتا على الجياع والمحرومين، فالقرامطة حركة جياع ومحرومين قاموا في سبيل العدالة. والمتصوفة كلهم من الفقراء وبعض التفسيرات ترجع تفسير هذا الاسم الى لبس الصوف، وهو ليس كالسندس ولا كالحرير ولا كالأقمشة المتاحة لسراة القوم في كل وقت».

انتماء الحلاج إلى ثورة القرامطة

وعن علاقة الحلاج بالثورة القرمطية أوضح المحاضر «عندما قمت بدراسة الحلاج استغربت من أنه كان قد شارك في الكوفة في ثورة الزنج، لاحقاً شارك في ثورة القرامطة فقبض عليه بتهمة القرمطة كما يرد في خمسة نصوص تاريخية كتاريخ الطبري، وفي البداية والنهاية وكلها تؤكد على أن هذا الرجل قبض عليه بتهمة القرمطة وأنه أحد دعاة القرمطة، لكن الذين بحثوا فيه من الغربيين وخصوصاً «باسنيون» - وهو راهب حلاجي حقيقي - لم يشأ أن يصدق أن هذا الرجل يمكن أن ينتمي إلى حركة غوغاء. وهنا أيضاً الفهم النخبوي يلعب دوره في تحويل الفكرة، إذ تكون أمامك خمسة نصوص فتتركها جميعا ولا تنظر إليها انما تذهب مباشرة إلى الاستنتاج بأن هذه تهمة من النظام».

الحلاج ليس درويشاً!

ومزيلاً الصورة القديمة للحلاج الدرويش أضاف «ان الحلاج لم يكن متدروشاً ولا مسكيناً وكل ما نسمع عنه في هذه الأيام انما هو تأليف الأعوام الأخيرة، تأليف أعوام السجن، لكن الحلاج هو أبرز من عمل في الحقل السياسي في القرن الثالث الهجري إذ كان القطب الروحي لانقلاب ابن المعتز الذي قام على المقتدر، إذ نجد اليوم وثائق تبين أن الانقلاب كان من تدبير الحلاج، فالحلاج كان في ذلك التوقيت مستشاراً في بغداد للحسين بن حمدان - قائد سياسي من أبرز قادة المقتدر - فماذا يفعل هذا الدرويش المسكين بمسبحة إلى جانب أقوى قائد عسكري، ولماذا يتورط في تنظيم انقلاب؟! فالحلاج أمضى كل حياته يحاول التغيير بأسلوب سياسي وتنظيمي، وطرحت على نفسي فكرة أن الحلاج الحسين ابن منصور قد يكون هو نفسه الحسين الأهوازي الذي هرب من سواد الكوفة في زمن المعتصم عندما كانت الهجمة شديدة القوة على القرامطة».
من بين المداخلات المهمة أشار القاص والناقد البحريني عبدالله خليفة الى أن المحاضر لم يستطع أن يربط ربطاً دقيقاً موضوعياً بين الحلاج بصفته إنساناً وبين القرامطة، أو لم يستطع أن يقنعنا بأن الحلاج انسان ثوري يتجه نحو نقد الواقع، فالواقع أن الصوفية تقوم على الغياب عن الواقع والذوبان في أصوات الله. وبالنسبة إلى القرامطة في البحرين فانهم لم يكونوا قوة ثورية بمعنى أنهم يبنون مجتمعاً جديداً وانما تحالفوا مع القبائل الفقيرة وهذه القبائل بدأت بالإغارة على الحجاج والبصرة ولم تكن حركة ثورية. بينما رأى الشاعر حسين السماهيجي أن ما قدمه اللاذقاني في المحاضرة لم يكن يتجاوز ما هو موجود في الكتاب الذي ألفه المحاضر عن الحلاج مع أن ما هو موجود في الكتاب نفسه يثير الكثير من الأسئلة فعندما يقول المؤلف إن الحلاج كان صوفياً في آخر عمره فإن ذلك يحتاج إلى إثبات وإلى دليل، فالمعروف أن الحلاج كان تلميذاً للمتصوفة في صغره إذ كان قد ارتبط بشيوخ المتصوفة فكان من ضمن المسار الصوفي ومن ضمن البناء الروحي والنفسي والعقلي أيضاً فعندما يقول لنا المحاضر إن ثلاثة أرباع ديوان الحلاج ليست له فإن الأمر كذلك يحتاج إلى دليل وإثبات ويرتبط ذلك بطريقة أو بأخرى بمسألة القرمطية والانشغال بالثورة والابتعاد عن الطرح المعرفي والطرح الروحي الصوفي".
صحيفة الوسط.. البحرين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى