خيرة بورزيق - للكتب حياة

حين كنت أرتب أشيائي القديمة، وجدت كتابا باليا أو بالأحرى أشلاء كتاب تبدو عليه الحكمة والأنفة .. يوحي بأنه من زمن غابر مع أنه على الأرجح ليس كذلك.
حملته برفق بين يداي وكأنه طفل محروم يتيم يحتضر.
قد اصفرت صفحاته وضعفت والتصقت ببعضها التصاقا يصعب فصلها دون تمزق وكأنها غاضبة من إهمالها لا تأبى إلا أن تلتحم.
هرب الغلاف منها متبريا صاحبها مما كتب يوما ولم يعره أحد أي اهتمام. فأضحت تلك الصفحات بلا صاحب وبلا عنوان.

تركتُ كل شيء وساقني الفضول لأعرف ما يخبئ في جعبته هذا المسكين .. لمن يعود! وعما يروي!
رحت محرجة أربت على جانباه الخاويين ليشعر بدفء يداي ورغبتي العارمة في أن أمده ببعض من حناني وتوسلاتي ليفتح لي صدره ويثق بأني لن أهمله بعد اليوم.
بصبر لم أعهده وحرص شديد أخذت أحاول فصل الصفحات المغمورة بالدموع التي جفت تاركة آثارا معلومة وأكثر حدة.
وبعد أن تمكنت من تفكيك بعضها ممن رئفت لحالي .. تعبي وتعرقي .. خارت قواي دهشة لما رأيت!!
كتابة لا تُقرأ وكلاما لا يُفهم ومع هذا تبدو أنها كانت تحمل معاني هامة .. حكما أو عبرا.
استرجعت قواي مجددا وبدأت مغامرة البحث عن الكلمات ولملمة ما تشتت من الحروف.
لكن .. يبدو أن هذا الكتاب الحزين عز على نفسه ما لقاه فقرر ألا يغفر.

تأسفت واعتذرت وطويت الصفحات وأرجعت الكتاب إلى محله حفظا لما تبقى منه وأحكمت الإغلاق.
ورحت أتساءل .. أ للكتب حياة مثلنا؟! تشعر وتحزن وتبكي وتموت!
كم من كتاب منسي على الأرفف والأدراج!..
كم من كتاب أهملناه ولم نستفد مما احتواه! ..
لم تدخل بيوتنا دون استئذان، ولم تُبتاع أو تُستعار منا إكراها..
من الخزي للكتب القيمة أن تهان، فهي كالإنسان .. بحسب ما تحمل من قول وخلق.

بقلم: أ. بورزيق خيرة
  • Like
التفاعلات: علي سيف الرعيني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى